أهمية الوقت في حياتنا
يعتبر الوقت من العناصر الأكثر أهمية في حياة الإنسان، بل إنه أغلى بكثير من المال. وقد اتضح عظم الوقت ومكانته في العديد من الآيات القرآنية، مثل قوله تعالى: (وَالْعَصْرِ*إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ*إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ). هنا يتجلى القسم بالعصر (الدهر)، ويقول تعالى في موضع آخر: (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا). وفي الحديث الشريف عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (نعمتان مغبونٌ فيهما كثيرٌ من الناس، الصحة والفراغ). كما نصح الرسول صلى الله عليه وسلم رجلاً قائلاً: (اغتنِمْ خمسًا قبل خمسٍ: شبابَك قبل هِرَمِك، وصِحَّتَك قبل سِقَمِك، وغناك قبل فقرِك، وفراغَك قبل شُغلِك، وحياتَك قبل موتِك).
انطلاقاً من أهمية الوقت في حياة الفرد، يعتبر البعض أن حياة الإنسان تشبه موسم الزرع الذي يؤتي ثماره في الآخرة، لذا ينبغي على المسلم أن لا يهدر وقته فيما لا يعود عليه بالنفع. فلا يجب أن يكرس حياته لجمع المال فقط وينسى المسؤوليات الأخرى التي تتطلب جزءًا من وقته، فالمال يمكن تحصيله وإدارته، في حين أن الوقت، مع كل دقيقة أو لحظة تفوت، لا يمكن استرجاعها أبدًا. وبالتالي، يُعَد الوقت هو الحياة، وهو العنصر الحاسم الذي يؤثر في مسار حياة الفرد. من يستثمر وقته في الأعمال الصالحة، ينجح ويُبشر بخيرات الدنيا والآخرة، بينما من يهدر وقته وعمره، ويبتعد عن العمل الصالح، يفقد فرص النجاح.
لذلك، يجدر بالمسلم أن يتعلم كيفية تنظيم وقته والمحافظة عليه، بحيث لا يفرط فيه أو يتساهل. إن الافتقار إلى نظام واضح في حياة الفرد يُعد سببًا رئيسيًا لهدر الوقت. من خلال التنظيم الجيد، يمكن للفرد زيادة إنجازه لأعماله في وقت أقل، وذلك عبر كتابة المهام المهمة وتحديد الأولويات، وتوزيعها بين ساعات اليوم المختلفة، بالإضافة إلى تحديد أوقات العمل وأوقات الراحة.
كما يقول سنيكا: (نحن جميعاً نشكو من قصر الوقت، ومع ذلك لدينا منه أكثر مما نعرف ماذا نفعل به. نمر بأيام ونتصرف كما لو كانت هذه الأيام بلا نهاية). لذا، يحتاج الفرد لتفكير واعٍ في كيفية استغلال الوقت واستثمار مهاراته بطريقة مثمرة، مما سينعكس إيجابًا على نجاحه وتفوقه.
تنظيم الوقت
يعتبر الكثيرون أن استغلال الوقت يعني العمل المستمر دون أي فترات للراحة أو الترفيه، بينما يعتقد آخرون أن تنظيم الوقت ليس له قيمة حقيقية، وهذا التصور يساهم في تقليل إنتاجية مجتمعاتنا العربية. من جهة أخرى، هناك من أدرك أهمية الوقت والتزم بالاهتمام به وتعزيزه بالأعمال المفيدة، فهو يحاول تقليل الفراغ الذي لا يخدم أغراض التنظيم، إذ أن الفراغ يُعتبر مدعاة للفساد ومفتاحاً للشر. إذا لم يشغل الفرد نفسه بالطاعة والعمل المفيد، فإن النفس البشرية ستميل إلى المعصية.
تعتبر الخطوة الأولى في إدارة الوقت وتنظيمه هي وضع خطة يومية. فإن غياب التخطيط أو ضعف ملاءته يُعتبر إدارة سيئة للوقت، بينما التخطيط الفعّال يُجنب الإنسان ضياع الوقت بلا فائدة.
يُشير الدكتور عبد الكريم بكار إلى أن مدى استغلال الوقت والاستفادة منه يُعد من أهم الفروق بين الأمم المتقدمة والنائمة. هذا ويُعد دليلًا على الفرق بين الأفراد الناجحين وأولئك العاديين. لذا، شهدت الأمة الإسلامية في أزهى عصورها نماذج رائعة في كيفية المحافظة على الوقت واستثماره بشكل مثالي.
فوائد تنظيم الوقت
تنظيم الوقت يحمل العديد من الفوائد التي تتجلى بشكل مباشر وأخرى تظهر على المدى البعيد، لذا من المهم ألا يستعجل الفرد ليتحقق من نتائج تنظيم الوقت، إذ إن الثمار حتمًا ستظهر، ومن بين هذه الفوائد:
- تحسن عام في جوانب الحياة المختلفة، حيث يلاحظ الفرد بركة الوقت وتنظيمه، ما يمكنه من إنجاز مهامه وواجباته.
- زيادة الوقت المتاح للترفيه والراحة مع العائلة والأصدقاء، إذ يُعَزِّز التنظيم من إنتاجية الفرد في وقت أقل، مما يمنحه مساحة للتفاعل الاجتماعي.
- فرصة لتطوير الذات وزيادة المهارات الحياتية؛ بعد إنجاز المهام، يجد الفرد الوقت لقراءة الكتب أو حضور الدورات التدريبية.
- تمكين الفرد من تحقيق أحلامه وأهدافه المستقبلية.
- تحسين الإنتاجية سواء على مستوى الفرد أو الجماعة، حيث يوفر التنظيم فرصة للتفكير في جودة الإنتاج.
- تقليل الأخطاء التي قد تنجم عن الكسل والعشوائية، إذ أن التنظيم يسمح بدراسة كل خطوة بدقة ويعد للظروف الطارئة.
- زيادة الدخل والأرباح نتيجة لارتفاع مستوى الإنتاجية والجدية في الأداء.
- التخفيف من الضغوط النفسية والمادية الناجمة عن عدم الإنجاز وضغوط الحياة.
- إنهاء المهام بشكل أسرع وبجهد أقل، مما يتيح للفرد فرصًا لمشاريع جديدة أو تحسين أساليب العمل.
- السيطرة الكاملة على زمن حياته، حيث يدرك ما لديه من مهام وفرص للراحة، مما يساعده في وضع خطة واضحة ليومه.
خصائص الوقت
على الإنسان العاقل أن يدرك خصائص الوقت ليتمكن من التعامل معه بشكل سليم. ومن هذه الخصائص:
- من الصفات المميزة للوقت هي سرعته في الانقضائك، حيث ينقضي الوقت بسرعة تجد الفرد غير مدرك لها، مما يقلل من عمره بصمت. قال تعالى: (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِّنَ النَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ).
- لا يمكن استعادة الوقت الذي انقضى، لذا يتوجب على الفرد الحرص على عدم هدره بسبب عوامل قد تندم عليها لاحقًا.
- يُعتبر الوقت أغلى ثروة في هذه الحياة، إذ لا يمكن تقديره بأموال أو ثروات. لذلك، يحذر عمر بن الخطاب رضي الله عنه من إضاعة الوقت والبطالة، حيث يقول: (إني لأكره أن أرى أحدكم سبهللاً – فارغاً – لا في عمل دنيا ولا عمل آخرة).
الوقتُ أنفَسُ ما عُنِيت بحفظِه، وأراه أسهَل ما عليكَ يضيعُ.
فيديو عن كيفية استغلال الوقت
للتعرف على المزيد، يمكنك مشاهدة الفيديو التالي.