يتمثل الفرق بين الألفاظ “عمل” و”فعل” و”صنع” في التنوع اللغوي الذي تمتاز به اللغة العربية، والتي يُعتبر غناؤها في المعاني دليلاً على جماليتها وتفردها. هل نترك هذا التراث اللفظي الثري من دون استكشاف؟ إن المعاجم العربية تحتوي على كنزٍ غني يمكن لمن يمتلك القدرة على التمييز بين الألفاظ المختلفة أن يستفيد منه. فبعض الكلمات قد تم استخدامها بشكل متكرر حتى فقدت نضارتها، وأخرى سُجنت في ظلام لغة منسية، مشدودة نحو الماضي، كما أن مغامرة اللغة تحتاج إلى تجديد دائم – كما جاء في ديوان علي الجارم.
إن التساؤلات حول الفروق بين الألفاظ “فعل”، و”عمل”، و”صنع” تثير اهتمام الكثيرين. فهل تحمل هذه الألفاظ معاني متقاربة أم يوجد بينها تباين؟ ولماذا تم اختيار كلمة “فعل” لتكون حجر الزاوية في بناء الكلمات العربية؟
اللغة العربية تحمل سمة الإعجاز، حيث تتنوع في مصطلحاتها ومعانيها الثرية. قال الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: بسم الله الرحمن الرحيم “بِلسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ” [سورة الشعراء – الآية 195]، مشيرًا بذلك إلى اللغة التي نزل بها القرآن الكريم.
وتميز اللغة العربية بالاشتقاق يعكس كذلك وفرتها في الترادف، فكل كلمة تحمل معنى مختلف، لذا فإن “عمل” يختلف عن “فعل”، ويبتعد عن “صنع”.
لنقم بإيضاح الفروقات بين هذه الألفاظ:
الفعل
- الفعل هو لفظ عام يشمل كل ما يتم بقصد أو غير قصد، وينطبق على الإنسان والحيوان والجماد.
العمل
- العمل أخص من الفعل، ويكون دائمًا بقصد، لكنه أقل من الصنع. يُنسب العمل بشكل خاص للإنسان ولا يرتبط بالحيوانات أو الجمادات.
الصنع
- الصنع هو مفهوم أخص من العمل، ينطوي على الإتقان والانتهاء من العمل، ويُنسب أيضًا للإنسان فقط.
اللفظ “عمل”
ورد مصطلح “عمل” في القرآن الكريم، مشيرًا إلى أنه يعتبر أقل شأناً من الصنع من حيث الخصوصية. قال الله تعالى: بسم الله الرحمن الرحيم: “أَأَشْفَقْتُمْ أَن تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ…” [سورة المجادلة – الآية 13]. هنا نجد أن الآية استخدمت “عمل” بدلاً من “صنع”، مما يدل على أن العمل أفضل في السياق.
اللفظ “صنع”
يوضح استخدام كلمة “صنع” في القرآن حقيقة وجود دراسة وجد ومهارة، كما ذُكر في الآية: بسم الله الرحمن الرحيم “وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا” [سورة هود – الآية 37]. يبين هذا استخدام القصد والإتقان في كل عملية صنع.
اللفظ “فعل”
في قوله تعالى: بسم الله الرحمن الرحيم “إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ…” [سورة الأنعام – الآية 159]، يتجلى الفعل بمعناه الأعم. ولذلك تم اختيار كلمة “فعل” لتكون الأساس في الميزان الصرفي باللغة العربية.
هل هناك ترادف بين الألفاظ “فعل” و”عمل” و”صنع”؟
تباينت الآراء بين علماء اللغة العربية حول وجود الترادف. يحدد الترادف هنا إنه اتفاق الكلمتين (أو الكلمات) في المعنى بينما تكون مختلفة في اللفظ. هناك رأيان، الأول يؤكد وجود الترادف، والآخر ينفي ذلك.
ومع ذلك، لا يمكن اعتبار “عمل”، “فعل”، و”صنع” مترادفة تمامًا، فكل لفظ يُعبر عن معنى فريد. كما أن أسماء الأدوات مثل “السيف” ليست بالضرورة مترادفة، إلا أن ذكر “أسماء الوصف” لها يضيف بعدا جديدًا.
يُظهر المثال القرآني في قوله تعالى: بسم الله الرحمن الرحيم “وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ” [سورة الزمر – الآية 60] أن الألفاظ مختلفة تمامًا في دلالاتها.
لماذا اختار العلماء اللفظ “فعل” كميزان صرفي؟
لقد اختار العلماء كلمة “فعل” لأنها تعكس تنوع المعاني، فهي أكثر شمولية من “عمل” و”صنع”، وتصلح بشكل خاص للتطبيق على جميع الكائنات الحية وغير الحية. كون هذه الأسباب هي الدافع لاختيارها كميزان لصرف كلمة اللغة العربية.