يُعتبر التبذير من السلوكيات المرفوضة التي تترك آثارًا سلبية على الأفراد والمجتمعات على حد سواء. وقد حثّنا الله تعالى في القرآن الكريم والسنة النبوية على تجنب الإسراف والتبذير بجميع صوره. كما تتبنى الحكومات حول العالم جهودًا للتقليل من هذا السلوك من خلال أهداف التنمية المستدامة الأممية.
التبذير في شهر رمضان: أنواعه وآثاره ووسائل الحد منه
سنستعرض مظاهر الإسراف والتبذير التي تظهر خلال شهر رمضان كما يلي:
- يعتبر الكثيرون شهر رمضان مناسبة للإنفاق على الطعام والشراب بكثرة، حيث يتم شراء أنواع متعددة من المأكولات والمشروبات بكميات كبيرة.
- الإسراف في تجهيز موائد الطعام بأصناف متنوعة، مما يؤدي إلى عدم استهلاك كميات كبيرة من هذه الأطعمة وإلقائها في القمامة.
- تشمل مظاهر الإسراف أيضًا استهلاك الفائض من الكهرباء، حيث تضيء الفوانيس والأضواء في الشوارع والمنازل لساعات طويلة.
- من أشكال التبذير خلال شهر رمضان كذلك، الإسراف في استخدام كميات كبيرة من الماء في الأعمال المنزلية المختلفة.
- توجد مبالغات واضحة في تزيين المنازل لاستقبال الشهر المبارك، إذ يُفضل أن تتم الزينة بطرق معقولة تتجنب التبذير.
- تظهر ممارسات الإسراف أيضًا خلال العزائم الرمضانية حيث تُهدر كميات كبيرة من الطعام المتبقية.
الآثار السلبية للإسراف والتبذير في شهر رمضان
ينجم عن الإسراف آثار سلبية متعددة تشمل مجالات دينية وصحية واقتصادية ونفسية، وفيما يلي توضيح لهذه الآثار:
أولاً: الآثار الدينية
حثّت الشريعة الإسلامية على تجنب الإسراف في كل الأوقات، وليس فقط أثناء شهر رمضان، كما يتضح من قول الله تعالى:
- (يَا بَنِي آدَمَ خذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) – سورة الأعراف، الآية 31.
- (إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِّن دُونِ النِّسَاءِ ۚ بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ) – سورة الأعراف، الآية 81.
- (قَالُوا طَائِرُكُم مَّعَكُمْ ۚ أَئِن ذُكِّرْتُم ۚ بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ) – سورة يس، الآية 19.
- (وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآيَاتِ رَبِّهِ ۚ وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَىٰ) – سورة طه، الآية 127.
- (وَلَا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ) – سورة الشعراء، الآية 151.
- (وَآتِ ذَا الْقُرْبَىٰ حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا) – سورة الإسراء، الآية 26.
- (إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ ۖ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا) – سورة الإسراء، الآية 27.
- (وَإِذَا مَسَّ الْإِنسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَن لَّمْ يَدْعُنَا إِلَىٰ ضُرٍّ مَسَّهُ ۚ كَذَٰلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) – سورة يونس، الآية 12.
- (وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَ جَنَّاتٍ مَّعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أَكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ ۚ كُلُوا مِن ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ ۖ وَلَا تُسْرِفُوا ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) – سورة الأنعام، الآية 141.
- (لَا جَرَمَ أَنَّمَا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ وَأَنَّ مَرَدَّنَا إِلَى اللَّهِ وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ) – سورة غافر، الآية 43.
- (وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَن قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ) – سورة آل عمران، الآية 147.
- (أَفَنَضْرِبُ عَنكُمُ الذِّكْرَ صَفْحًا أَن كُنتُمْ قَوْمًا مُّسْرِفِينَ) – سورة الزخرف، الآية 5.
أحاديث تحث على تجنب الإسراف
- كما أن النبي محمد صلى الله عليه وسلم أشار إلى ضرورة تجنب الإسراف والتبذير، حيث جاء في قوله:
- (كلوا وتصدقوا، والبسوا في غير إسراف ولا مخيلة).
- (ما ملأ آدمي وعاءً شرًا من بطنه، بحسب ابن آدم أكلات يقمن صلبه، فإن كان لا محالة، فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه).
- كما روي عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتوضأ بالمُدِّ، ويغتسل بالصاع، إلى خمسة أمْداد.
ثانيًا: الآثار الصحية
- يؤدي الإفراط في تناول الأطعمة والمشروبات إلى الكسل وانخفاض مستوى النشاط، مما يؤثر سلباً على القدرة على أداء العبادات.
- كما أن الإكثار من تناول الطعام قد يُسهم في الإصابة بأمراض عدة.
- يساهم الإسراف والتبذير أيضًا في تغير الحالة المزاجية، مما يؤدي إلى الشعور بالإرهاق والأرق.
ثالثًا: الآثار الاقتصادية
- من الواضح أن الإسراف يؤثر سلبًا على الفقراء والمحتاجين، وقد يؤدي إلى نفاد المخزون من الطعام والشراب وبالتالي تفاقم مشكلة الجوع.
- قد يتسبب الإسراف في تراكم الديون وانخفاض الدخل القومي للأسر.
- كما يُمكن أن يؤدي إلى استنزاف الموارد والحاجة إلى الاقتراض من الدول الأخرى، ما ينعكس سلبًا على الاقتصاد.
رابعًا: الآثار الفردية
- الإسراف يُضعف القدرة على التخطيط الجيد للحياة، ويُفقد الشخص إحساسه بالمسؤولية.
- كما أن الإسراف يعتبر سمة من سمات الشيطان وله تأثيرات سلبية على سلوك الأفراد.
وسائل الحد من الإسراف
- يتوجب على الأفراد التعود على شراء كميات الطعام والشراب حسب الحاجة الفعلية، مع الامتناع عن الإسراف.
- ينبغي التشجيع على ترشيد استهلاك الماء والكهرباء في كافة جوانب الحياة، حيث أن التجاوز يضرّ بالمصلحة العامة.
- توعية الأطفال منذ الصغر بأهمية تجنب الإسراف، وإرساء هذه الثقافة لديهم ليكتسبوها في مراحل النمو.
- لا مانع من تنظيم الولائم خلال شهر رمضان، على أن تكون كميات الطعام بشكلٍ معقول ومناسب.
- لابد من تعليم الأطفال قيمة ادخار المال وإنفاقه في الأمور المفيدة، مع دفعهم للتصدق على الفقراء والمحتاجين.