أصل المسرحية في الأدب الغربي
تتجذر المسرحية في تاريخ الأدب الغربي بأصول متنوعه ومختلف عليها من قبل المؤرخين، وفيما يلي تفاصيل أكثر حول هذا الموضوع:
البدايات الأولى للمسرحية
تعتبر البدايات الأولى للمسرحيات لدى الشعوب الغربية قد بدأت في اليونان، حيث ظهرت المسرحيات الإغريقية المرتبطة بعقائدهم الدينية. فقد اعتقد الإغريق بوجود آلهة تتحكم في مختلف جوانب الطبيعة، وكان من أبرزها الإله “ديونيسوس”، رمز النماء والخصب.
أما في إنجلترا، فقد كانت نشأة المسرحية أيضًا مستمدة من جذور دينية، حيث احتوت طقوس العبادة في المذهب الكاثوليكي على العديد من عناصر المسرح مثل الموسيقى والغناء والمناجات. ومع فقر التعليم بين العامة، استغل رجال الدين هذه العناصر لتمثيل قصص التوراة، فأدوا العروض في البداية باللغة اللاتينية قبل أن تنتقل إلى اللغة الإنجليزية.
موضوعات المسرحية
كانت المواضيع المسرحية في بدايتها ذات طابع ديني، لكنها سرعان ما توسعت لتشمل دروس أخلاقية متنوعة. واستمرت هذه المسرحيات حتى أوائل القرن السابع عشر. في القرن السادس عشر، بدأ يظهر نوع جديد من المسرحيات في حفلات الطبقات العليا، والذي عرف باسم “رواية الفترة”.
بالنسبة للمسرحية الرومانية، فقد كانت تحاكي المسرحية اليونانية. ومن بين الكتاب الرومان الذين لهم تأثير مقدر في هذا المجال “بلوتس” و”ترنس”، والذين أعادا إحياء بعض الملهاة الإغريقية، مما أثر بشكل واضح في المسرحيات الأوروبية الحديثة التي استقت موضوعاتها من أعمال “بلوتس”.
أما المأساة، فقد كتبها “سنكا”، الذي أثر بدوره على تطور الأدب المسرحي الأوروبي. وفي فرنسا، استلهم الفنانون من الكتّاب الرومان والإغريق وتأثروا بشكل كبير بأفكار أرسطو الشعرية، واستطاعوا تأسيس مذهب مستقل هو المذهب الاتباعي.
نشأة المسرحية في الأدب العربي
يعتقد بعض الباحثين أن المسرحية العربية قد تكون أقدم من نظيرتها الإغريقية، لذا سنعرض بعض الآراء حول هذا الموضوع:
المسرحية العربية وعلاقتها بفن الفراعنة
ذكر المؤرخ الإغريقي “هيرودوت” أن أول ظهور للمسرحية لدى العرب كان من خلال الطقوس الدينية التي كانت تُمارس من قبل كهنة مصر، والتي استندت إلى قصة “إيزيس” في سعيها للبحث عن “أوزوريس”. وتمثلت هذه المسرحيات حتى القرن الخامس قبل الميلاد.
كانت أحداث القصة تدور حول “إيزيس” التي تبحث عن جثة زوجها “أوزوريس”، بمساعدة ابنها “حورس” الذي يسعى للانتقام من “ست”، إله الظلام الذي تسبب في قتل والده. وتمكنوا أخيرًا من إعادة “أوزوريس” إلى الحياة.
وجد “هيرودوت” أن الإغريق قد استلهموا فن المسرح من الفراعنة القدماء، وتتشابه المسرحيتان في أنهما تعكسان رموز النماء والخصب من خلال “أوزوريس” و”ديونيسوس”. ومع انتشار الإسلام ودخول العرب إلى مصر، تشكل الأدب العربي مع بعض أصول الأدب المسرحي رغم عدم اكتماله وتطويره كما حدث في الأمم الأخرى.
المسرحية بعد ظهور الإسلام
تجسدت بعض مظاهر المسرح في تمثيل الشيعة لقصة مقتل الحسين، حيث ظهر في عهد الخليفة العباسي المهدي شخصية صوفية ملتزمة كانت تنظم لقاءات أسبوعية لتوجيه الناس نحو الخير، وهو ما قد يُشبه المسرحية الأخلاقية التي اعتنت بها الكنيسة فيما بعد.
ظهر أيضًا نوع آخر من التمثيل يتمثل في روايات خيال الظل في عهد المماليك والأيوبيين، وقد تناول هذه النوع من الأعمال عادةً فئات المجتمع العليا. ومن أبرز الكتّاب في هذا النوع “ابن دانيال الكحال”، الذي توفي سنة 710هـ، ومن الروايات الشهيرة في هذا النوع رواية “غريب وعجيب”.
استمر المسرح على هذه الحالة، حيث لم يكن العرب أقوياء بما يكفي لتطوير الفن المسرحي. فقد تعرض العرب لضغوطات متعددة من القوى العسكرية والتسلطية، مما أدى إلى تفشي الجهل والتخلف.
تغيرت اهتمامات العرب إلى التعامل مع الأمور الحياتية الأساسية، ولم تُعرف المسرحية الحديثة بمعناها الحالي إلا بعد عصر النهضة الأوروبية وفي ظل تواصل الأدب العربي بالآداب الغربية.
أنواع المسرحية
ظهرت المسرحية في بادئ الأمر على نوعين رئيسيين هما “المأساة” و”الملهاة”. ولكن مع مرور الزمن، انبثقت أنواع ثانوية أخرى مثل الميلودراما والمسرحية الموسيقية والماسك والمسرحية الشعرية والفكرية والاجتماعية، وفيما يلي توضيحات أكثر عنها.
المأساة
تمثل المأساة نوعًا من العمل الدرامي الذي يرتكز على حبكة جدية تروي قصة بطل ينتهي بمآل مأساوي. وقد نشأ هذا الفن الأدبي في اليونان في أشكال مسرحيات دينية، مثل مسرحية “الضارعات” التي كتبها “أسخيلوس” بين عامي 525 و456 ق.م.
انتقلت المآسي إلى الكتّاب الإنجليز ومن ثم إلى باقي الكتاب الأوروبيين، بما في ذلك “وليام شكسبير” والألماني “غوته”، حيث تم توظيف مفهوم البطولية في عصر النهضة حيث لم يعد يقتصر على البطولة بل أصبح يشمل الشخصية المحورية للمسرحية.
ارتبطت معاني المأساة في العصور الحديثة بنهاياتها الحزينة التي تؤدي إلى هزيمة أو موت البطل.
الملهاة
الملهاة تمثل عملًا دراميًا يتميز بشخصيات مرحة مليئة بالمفارقات التي تثير الضحك وتبعث السرور في النفوس. وقد ظهر هذا النوع في أوائل القرن السابع عشر، حيث تسعى أحداثه نحو الإمتاع والتسلية مع توصيل المعاني المعنية.
تنقسم الملهاة إلى نوعين: الأول يتبنى قصة جدية تؤدي إلى نهاية مأساوية قبل أن يظهر كوميديان يحمل طابعًا سعيدًا. الثاني يدمج بين المأساة والملهاة في كامل أحداث المسرحية.
تمتاز الملهاة بتناول شخصياتها غير ذات الأهمية الكبيرة، مع التركيز على القضايا العامة. ومن أبرز أنواع الملهاة ما يلي:
- الملهاة الرومانتيكية
تعتبر هذه الملهاة قريبة من مفهوم الرواية المعاصرة، ومن أبرز كتّابها “وليام شكسبير”، ومن أشهر مسرحياته في هذا المجال “روميو وجولييت”.
- ملهاة الأخلاق
تناقش ملهاة الأخلاق الأوضاع المعروفة في الحياة العصرية، ويقترب هذا النوع من القصص، مع تناول مواضيع غير مألوفة لدى الجمهور بأسلوب عاطفي. ومن أبرز كتّاب هذا النوع “جورج برنارد شو”، وأشهر مسرحياته “ثلاث مسرحيات للمتطهرين”.
الميلو دراما: المسرحية الموسيقية
بدأ استخدام مصطلح الميلودراما في بداية القرن التاسع عشر، وكانت أول ميلودراما مكتوبة هي عمل “جان جاك روسو”. والميلودراما تعني المسرحية الموسيقية، وتتميز باعتمادها على الأحداث أكثر من الشخصيات، حيث تميل إلى العواطف الجياشة وتتجاهل المعاني الكوميدية.
الماسك
الماسك هو نوع من الاحتفالات في الهواء الطلق، وليس بمسرحية، وقد كان منتشراً في إنجلترا خلال القرنين السادس والسابع عشر، حيث يرتبط بأعياد الميلاد.
تتضمن الماسكات عناصر من الحوار والملابس والموسيقى والرقص، مع وجود قصة بسيطة تحمل رموزًا واضحة. وقد كانت تُؤدى عادةً من قبل النبلاء في بلاط الملوك، وكانت تلك العروض تتطلب موهبة في مجالات الموسيقى والتصميم المسرحي.
أحد أبرز كتّاب هذا النوع هو “بن جونسون”، وأشهر ماسك هي “كاموس” التي كتبها “ملتن”.
المسرحية الشعرية
تقوم المسرحية الشعرية بتصوير مأساة تاريخية بلغة شعرية تفصيلية. حيث يدمج الكاتب الشِعر مع المعاني المستهدفة من العمل، ويعتبر هذا النوع من المسرحيات شائعاً. وقد عُرف في بدايات المسرح الغربي، ومن أشهر المسرحيات في هذا الإطار لدى العرب “مجنون ليلى” لأحمد شوقي.
المسرحية الفكرية
تسمى أيضًا بالمسرح الذهني، حيث تسلط الضوء على صراعات الحياة المختلفة، بما فيها الصراع الأبدي بين الخير والشر. وقد ظهر هذا الفن من خلال أعمال توفيق الحكيم، ومنها مسرحية “أهل الكهف” التي كتبت في عام 1933، حيث يعتبر توفيق الحكيم أبرز كاتب في هذا النوع.
المسرحية الاجتماعية
تتناول المسرحية الاجتماعية القضايا والمشكلات الاجتماعية، وتقترح حلولًا لمعالجتها، حيث تقدم صورة تعكس واقع المجتمع المعاصر. وغالبًا ما تم نشر هذا النوع في الصحف، مما جعله أكثر ظهورًا. وغالبًا ما تعرف المسرحية الاجتماعية باللغة الإنجليزية باسم “One-act play”، ومن بين أمثلتها “ميجور باربرا” لجورج برنارد شو.