التدوين في فترة الجاهلية قبل الإسلام

تبوأت الشعر مكانة بارزة في مجتمع العصر الجاهلي، حيث كان للشاعر دور مختلف يجمع بين كونه مؤرخًا وكاهنًا وداعمًا اجتماعيًا.

الشعر العربي

يُعتبر الشعر العربي أقدم أشكال الأدب العربي، إذ يعود أي معرفة متعلقة بالشعر المكتوب باللغة العربية إلى القرن السادس الميلادي، على الرغم من الاعتقاد السائد بأن الشعر الشفهي يعود لفترة سابقة.

يُصنف الشعر العربي إلى نوعين رئيسيين: الشعر المقفى، وهو الذي يعتمد على القافية، والنثر، حيث يُعتبر الشعر المقفى أقدم بكثير من النثر.

تتضمن أنواع الشعر المقفى خمسة عشر مقياسًا مختلفًا تم جمعها وشرحها بواسطة الخليل بن أحمد الفراهيدي في دراسة علم العروض.

إن عملية قياس القصيدة صارمة، حيث يمكن أن تؤدي إضافة أو حذف حرف متحرك أو ساكن إلى تحويل البيت من مقياس إلى آخر. أيضًا، يجب أن تتطابق نهايات الأبيات فيما يتعلق بالقافية طيلة القصيدة.

الخليل بن أحمد الفراهيدي

يُعتبر الخليل بن أحمد الفراهيدي (711م – 786م) أول عالم عربي يُخضع دراسة الشعر العربي لعلم الصوتيات بشكل منهجي، وهو مؤسس علم العروض.

ابتكر الفراهيدي نظامًا متكاملًا لتنظيم البيانات وتصنيفها، ما أدى إلى خلق صياغة موثوقة ودقيقة.

على الرغم من تعقيد هذا النظام، إلا أن قلة من الناس تمكنوا من إتقان استخدامه.

يصنف الباحثون والنقاد الشعر العربي إلى قسمين: الأول هو الشعر الكلاسيكي، بينما الثاني هو الشعر الحديث.

أما بالنسبة للقسم الأول (الشعر الكلاسيكي)، فقد كُتب قبل النهضة العربية، مما جعله يُعرف بالشعر “الكلاسيكي” أو “التقليدي” لأنه يلتزم بالأسلوب والبنية التقليدية.

كما يُطلق عليه أيضًا “الشعر العمودي” نسبة إلى الهيكل العمودي للأبيات.

الشعر الجاهلي والشعراء

من أبرز شعراء العصر الجاهلي، نجد أبو ليلى المهلهل والشنفرى، بالإضافة إلى شعراء المعلقات، الذين يُعتبرون من رموز تلك الفترة.

تكمن أهمية شعراء “المعلقات” في أن قصائدهم عُرضت في مكة المكرمة، ومن بينهم امرؤ القيس، طرفة بن العبد، عبيد بن الأبرص، حارث بن حلزة، وعمرو بن كلثوم.

تألق أيضًا الشاعرة الخنساء في الرثاء، حيث اتسم شعرها بالمدح والهجاء، مع تركيز على نقد الحياة القبلية وقيمها.

سعى هؤلاء الشعراء إلى تناول قيم العشيرة والقبيلة مما أدى إلى تفاعل جماهيري كبير حول ما يعززه السامعون من قيمهم الاجتماعية ونمط حياتهم.

بينما كان هناك شعراء مرتبطون بشكل وثيق بقبائلهم، نجد أن شعراء آخرين مثل الأعشى كانوا يختلفون في أسلوبهم.

الشعر الأدبي والرواة

إلى جانب الشاعر، كان هناك الراوي أو المقرئ، وهم تلامذة الشعراء الذين يتعلمون قصائدهم عن ظهر قلب.

وظيفة الراوي كانت تتمثل في تلاوة القصائد، وغالبًا ما كانت تشمل تفسيرات وإضافات فنية، ما يتيح للفن الشعري الانتقال من جيل إلى آخر.

تم تعزيز هذه الممارسة لاحقًا من خلال أسلوب الحفاز، بهدف حفظ القرآن الكريم.

في بعض الفترات، تشكلت حلقات من الشعراء اللامعين، حيث كان كل منهم يسعى لتدريب الراوي ليتمكن من ترويج شعره، قبل أن يتولى زمام الأمور بنفسه.

على سبيل المثال، درّب شاعران مثل طفيل عواس بن حجر وزهير بن أبي سلمى ابنه كعب.

مميزات الشعر الجاهلي مقارنة بالأزمنة اللاحقة

هناك العديد من الخصائص التي تميز الشعر الجاهلي عن الشعر في الأزمنة اللاحقة. من أبرز هذه الخصائص أن الشعر الجاهلي يتسم بمفردات قوية وأفكار مختصرة، رغم تعمد عدم ارتباط الأبيات ببعضها.

تُعرف هذه الفكرة في الشعر العربي بمفهوم “الوقوف على الأطلال”، حيث يبدأ الشاعر كثيرًا بالحديث عن ذكرى أنقاض محبوبه.

الشعر الحديث

بدأ شعراء مثل فرانسيس مرّاش وأحمد شوقي وحافظ إبراهيم في استكشاف سبل تطوير الأشكال الشعرية التقليدية.

البعض من هؤلاء الشعراء النيوكلاسيكيين كانوا على دراية بالأدب الغربي، لكنهم استمروا في الكتابة بأسلوب كلاسيكي.

بينما سعى آخرون بشدة للابتعاد عن تقليد الشعر الكلاسيكي وموضوعاته المتكررة، ملهمين من الحركات الرومانسية الفرنسية أو الإنجليزية.

كان موضوع العديد من القصائد الجديدة يتلقاها بالشكل اللائق، سواء كان ذلك تعبيرًا عن الوطنية للدول القومية الناشئة أو، على نطاق أوسع، عن القومية العربية، ملتزماً بوحدة الشعوب العربية.

استُعيدت قصائد المدح والهجاء، مع إنتاج شوقي للعديد من الأعمال التي تُمجد كمال أتاتورك، بينما انتقده بعد إلغاء الخلافة.

كانت الآراء السياسية في الشعر إجمالاً غير مرحب بها، أكثر مما كانت عليه في الفترة السابقة، مما جعل العديد من الشعراء واجهوا الرقابة أو النفي، كما حدث مع الشاعر عبد الوهاب البياتي.

تدوين الشعر العربي

من المرجح أن يبدأ تدوين الشعر العربي القديم في أوائل الدولة الأموية بعد حكمها.

تزامن تدوين الشعر الجاهلي مع التوسع في العلوم النحوية واللغوية في بلاد العراق، والذي كان هدفه قراءة القرآن الكريم بشكل سليم، دون تعقيد من القضايا اللغوية المرتبطة به.

لكن تعقيد المشهد اللغوي لم يظهر إلا في زمن الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان، من سنة 65 هجريًا إلى 86 هجريًا.

هذا التدوين المثمر كان له علاقة بمشروع إصلاح الكتابة، الذي بادر به الحجاج ابن يوسف نائب الملك في العراق.

من الغير مستغرب أن تتركز هذه الجهود في العراق، حيث ظلت الكوفة والبصرة مركزين للمنازعات الدينية وموائمة دراسة القرآن الكريم في أواخر القرن الأول الهجري.

حيث كان الدارسون يستندون إلى نتائج مختلفة حسب اتجاهاتهم، وكانت دراسة النحو في نفس الوقت تتأثر بالثراء الأدبي.

Related Posts

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *