نماذج من عبادات اللسان
لقد أنعم الله علينا بفضل عظيم من خلال تكريس العديد من أشكال العبادات، منها ما يعبر عن عبادة الجوارح، وأخرى تعكس العبادات القلبية. في هذا المقال، نستعرض بعض الأمثلة المتعلقة بعبادة اللسان.
الدعاء
يقول الله -عزّ وجلّ- في كتابه الكريم: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ). يُعتبر الدعاء من العبادات القلبية التي حثَّنا الله عليها؛ حيث يشمل ذكر الله -تعالى- بأسمائه الحسنى وصفاته العلا، وذلك دون أن يُتبع ذلك بطلب ملموس من حاجات الدنيا أو الآخرة.
في هذا السياق، قد يكون الدعاء مجرّد ثناء على الله -عزّ وجلّ- بما هو أهل له، كأن يقول المرء: تباركت ربنا وتعاليت، لك الحمد على ما أنعمت به وأولت، إنّه لا يعز من عاديت ولا يذل من واليت، يا حيُّ يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام، اللهمَّ لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد، وما إلى ذلك.
أما النوع الآخر فهو دعاء الطلب، حيث يُطلب من الله تعالى حاجة من حاجات الدنيا أو الآخرة بأسلوب يتماشى مع أسمائه الحسنى وصفاته العلية. وهذا ما يشير إليه قوله -تعالى- في سورة الأعراف: (ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ).
ويعني “تضرُّعًا” التذلل، حيث يشعر السائل بفقره إلى الله، بينما تعني “خُفية” طلب الدعاء بشكل سري حرصًا وخوفًا، وهو ما يُحبّه الله -تعالى- أكثر من الدعاء جهارًا. وهذا النوع من الدعاء يُعتبر عبادة لله أيضًا، حيث يظهر غنى المسؤول وقدرته وكَرمه وفضله، في مقابل ذلة السائل وحاجته إلى من يسأله.
الذكر
قال الله -عزّ وجلّ- في محكم كتابه: (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ). الذكر هو أن يتواجد المذكور في قلب الذاكر بأشكال متنوعة، ويتم التعبير عنه من خلال اللسان. يُعدّ الذكر من أفضل العبادات، وهو الهدف الرئيسي من جميع العبادات، حيث شُرعت لتساعد على ذكر الله -تعالى-.
وقد وعد الله -تعالى- بالذِّكر لمن يذكُره، وأوعد بنسيان من ينساه، وليس من السهل حصر ما ورد في فضل الذكر من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية. ومع ذلك، يجب مراعاة الآداب التي شرعها الله -تعالى- وسنّها رسولُه -صلى الله عليه وسلم- للذاكرين، حيث ينبغي أن يكون الذكر مع شعور بالخوف مع التذلل والخشوع، فلا يرفع الشخص صوته بالذكر، ولا يذكر الله تعالى بأطراف لسانه دون خضوع القلب والتفكر.
وقد أمرنا الله -تعالى- أن نذكره في كافة الأحوال، كما قال: (الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ)، وليس المقصود من ذلك أن يقف العباد للذكر أو يستلقي، بل أن يذكروا الله -تعالى- في أي وضع كانوا فيه، سواءً كانوا قائمين أو قاعدين أو مضطجعين، مع تدبر ذكر الله في قلوبهم وألسنتهم دون تكلف.
يمكن أن يأتي الذكر بكل ما يُذكِّر العبد بالله تعالى من أسمائه وأفعاله وصفاته، مثل أن يقول الشخص: أستغفر الله العظيم وأتوب إليه، سبحان الله، ولا إله إلا الله، والله أكبر. بالإضافة إلى ذلك، تُعتبر قراءة القرآن من أفضل أنواع الذكر، حيث تُعدّ شفاءً للقلوب وتجليًا لها.