تُعتبر التضحية والفداء في الإسلام من المفاهيم التي تُسلط الضوء عليها من خلال تجارب واقعية تم توثيقها في حياة الأنبياء. فمن يُحاكي سيرة الأنبياء ويلتزم بمبادئ التضحية بما يتناسب مع قدراته، فإنه يُحقق أجرًا عظيمًا ويساهم في نشر وتعزيز رسالة الله والدين الإسلامي.
تهدف الدعوة في الإسلام إلى استقطاب غير المسلمين لدخول الدين، وفي جوهرها، تتمثل التضحية في بذل الأموال أو الجهود أو الوقت في سبيل إرضاء الله، بينما يشير الفداء إلى تقديم روح كتعويض عن روح أخرى.
التضحية في الدين الإسلامي
قدم الإسلام مجموعة من الأمثلة المستمدة من قصص القرآن والأحاديث النبوية التي تُبرز قيمتي التضحية والفداء:
-
مفهوم التضحية: يعني بذل الجهد الممكن من أجل إرضاء الله، سواء من خلال النفس أو الوقت أو المال أو العلاقات.
- يستهدف مفهوم التضحية إنقاذ العباد ودعوتهم لعبادة الله، وإظهار الحق ونشر العدل وفق تأصيل نهج النبي محمد.
-
أجر التضحية: أوضح النبي محمد أن من يُصاب في سبيل رضا الله، ستحظى رائحته يوم القيامة برائحة المسك.
- وبالتأكيد، يكسب المُضحِّي الجنة، حيث ينعم بنعم الله الخالدة هناك.
-
مفهوم الفداء: يُشير إلى تقديم روح بدلًا من روح أخرى، كما حدث عندما تم تقديم الكبش بدلاً من ابن إبراهيم.
- أسس هذا المفهوم عيد الأضحى الذي يتم فيه ذبح الأضاحي وتوزيع اللحم على الأقارب والمحتاجين.
- كما يحصل صاحب الأضحية على أجر الصدقة للآخرين وإدخال السرور في قلوب الكثيرين، بالإضافة إلى الأجر المضاعف نتيجة الامتثال لأمر الله.
الإسلام كدين للتضحية والفداء
يذكر الله في القرآن أنه قد اشترى من المؤمنين أموالهم وأنفسهم في مقابل الجنة، وقد ضحى الكثيرون لكي يتمكنوا من إيصال الرسالة لنا:
- فهناك من ضحى بحياته، وآخرين بأنفسهم وأموالهم، بل وآخرين بوقتهم، تاركين خلفهم حياة الرفاهية وكل ذلك من أجل رضا الله فقط.
- لقد عاش النبي محمد حياة مليئة بالتضحيات لتحقيق دعوة الدين، وبث آيات القرآن الكريم بين الناس.
- وقد ربط النبي بين المحبة والتضحية، حيث أكد أن التضحية هي مقياس حقيقي للمحبة؛ فمن يحب الله يظهر ذلك من خلال تضحياته، ومن يحب الرسول يبرهن ذلك باتباع سنته.
- أحد أشكال تضحيته هو توزيع الطعام والموارد على الفقراء إشباعاً لبطونهم بدلاً من إشباع ذاته.
مجالات التضحية في الإسلام
تتضمن التضحية عدة جوانب، ويجب على كل مسلم أن يضحي بقدر استطاعته لنيل رضا الله، وهي تتلخص فيما يلي:
التضحية بالعلاقات
- تشمل التضحية بأفراد الأسرة والأقارب والجيران، وأبرز مثال يمكن ذكره هو هجرة المسلمين من مكة وترك عائلاتهم والانتقال إلى المدينة.
- وذلك استجابة لأوامر الله والنبي محمد، حيث نهاهم الله في القرآن عن اتخاذ أولياء من أسرهم إذا فضلوا الكفر على اعتناق الدين الإسلامي.
التضحية بالنفس
- تمثل من أحب الأعمال والطاعات إلى الله، حيث تُعتبر التجارة الرابحة حين يجاهد المرء بنفسه في سبيله.
- وقد وعد الله المضحين بأنفسهم بالجنة، بينما حذر من يتخلفون عن الجهاد من الذل والهوان حتى يعودوا للطاعة ويتمسكوا بالدين.
التضحية بالجهد والوقت
- تعني بذل الجهد في دعوة الآخرين إلى اعتناق الدين، وتخصيص وقت كافٍ لإقناعهم وتعليمهم مبادئ الدين والعبادات المطلوبة.
التضحية بالمال
- حث الدين المسلمين على إنفاق أموالهم في سبيل رضا الله وجعل ذلك من أعلى مراتب الإيمان.
- وقد وصف الله المجاهدين بأموالهم بـ”الصادقون”، وعندما تبرع عثمان بن عفان بأمواله لتجهيز الجيش، بشره النبي بأن لا شيء سيؤذيه بعد ذلك اليوم.
قصة عن الفداء في الإسلام
واحدة من أبرز القصص التي توضح معنى الفداء هي قصة سيدنا إبراهيم مع ابنه، وإليكم تفاصيلها:
- رأى سيدنا إبراهيم في منامه رؤيا تتعلق بذبح ابنه، فتحدث مع ابنه حول تنفيذ هذا الأمر.
- وحينما رأى الله صدق نواياه في التنفيذ، قام بفداء ابن إبراهيم بكبش، وقد اختلف العلماء حول من هو ابن إبراهيم المشار إليه في القصة.
- فبعضهم يرى أنه إسحاق ابن السيدة سارة، بينما يقول آخرون إنه إسماعيل ابن السيدة هاجر.
- ومن هنا انبثقت قيمة الفداء، حيث يربطها البعض بفداء الأسرى وعدم قتلهم، وليس مقتصرًا على الذبح والأضحية فحسب.
قصص من حياة الصحابة حول التضحية والفداء
يُظهر الصحابة والتابعون أمثلة حية من التضحية والفداء في الإسلام، وفيما يلي بعض من تلك القصص:
-
مصعب بن عمير: شاب من أسرة ثرية قرر التخلي عن ثروته وأسرتهم وراحته في سبيل الدين، فواجه الكثير من الصعوبات والمحن.
- فعاش حياة مختلطة بين المعاناة والفقر، وبدلاً من أن يُكفن في الثياب الفاخرة، كُفِن في قطعة قماش لم تُغطي جسده بالكامل.
-
أبو سلمة: زوج أم سلمة، هاجر مصطحبًا زوجته وابنه، ولكنه واجه مشاكل كبيرة مع عائلته مخالفةً له مثل مفارقة زوجته.
- وعندما حاول الذهاب مع أم سلمة، تم تفريقهم حتى اضطروا لفصل يد ابنه، لكنه اختار أن يتبعه النبي.
-
علي بن أبي طالب: فضل المبيت في فراش النبي خلال ليلة الهجرة وهو مدرك تمامًا أن الأعداء قادمون لقتله.
- لكنه قرر التضحية بنفسه للدفاع عن النبي والدين.
- صهيب الرومي: عندما أراد الهجرة تم إيقافه من قبل المشركين ومنعوه من أخذ أمواله، فقرر التضحية بكل ما جمعه وهاجر مع النبي.