الحزن
نسأل الله أن يبعد عنا وعنك الحزن، الذي يظهر في سلوك الإنسان بمظاهر مختلفة، مثل العزلة أو البكاء أو الغضب أحيانًا، أو حتى من خلال الكتابة. ويعتبر التعبير عن الحزن عبر الكتابة هدفًا لهذا المقال، حيث سأشارك بعض الأشعار الحزينة.
أشعار قصيرة حزينة
- آه يا كبر القهر لا صار ما باليد حيلة
وجروحي من الأقارب والخطأ مني وفيني!
إن نويت أشفي غليلي ما لقيت أي وسيلة
كيف أجد سبيل الشفاء وجرحي يعتبر طعنة يميني؟
وإن نوت تبكي عيوني، صارت الدمع في خيلها
يا كبرها لمن تجمع هم قلبى وهم عيني
يا همومًا أتت تجاوزت حدها وصارت ثقيلة
خذي مني كم سؤالًا ولو سمحتِ جاوبيني
لماذا بعد الوفاء والطّيب ونوايا جليلة
من يدين الذين أحسنت إليهم أول طعوني تأتي؟
ولماذا لا ضاق الفضاء في عين من خانه دخيلة
لم أجد إلا الملامة أنهيها لتبديني؟
يا همومي، يا جروحي، يا صدى الروح العليلة
والله إن الظلم قهر قيّد لساني ويديني!
يوم قيل ناظر حسودك زاد في قوله وقيله
ما طرالي إلا قولت آخ يا دنيا ارحميني
إن تحدثت وحكيت وجبت برهاني ودليله
ما تضرر كود منهو قد لفاني منتخيني!
وإن سكت وقلت هانت هم وسنيني تزيله
اكتشفت أن السنين تزول والهم محتويني
فقط لأجل الذي انتخى في جد جدي والقبيلة
والله إنني لأشرب المر وأتحمل ما يجيني
ودام ما بالكون صدر ارتمي به واشتكيله
ودام ما به عين تقرأ حزني الذي مبتليني
ما لي إلا بيت شعر أذكره في كل ليلة
لا انتهى جدال المعاتب بين قلبي وبين عيني
- لملمت أشعاري، وأحرقت دفاتري، وعلى ضوء الشموع ذرفت دموعي
سقطت دمعتي على شمعتي لتعلن حينها أن حياتي أصبحت ظلام دونك يا حبيبي.
- يا عيوني لا تهابي الهوى فيا
ويا شجوني لا تمّيتي لياليا
لو كنت أعلم أن في الحب اختصار
لاختصرت كل الحروف الأبجدية
ويلاه لو مات الغرام في مهجتي
ما عاد في الأزمان حيًا
- شكرًا لأنك أحببتني
ومن وجودك حرمتني
وبمنتهى الرقة تركتني
وبنفس الدقة ذبحتني
وبحنان المحب سلوتني
وأحببت غيري لأنني
كان حبك كل ما همّني
شكرًا لأنك أحببتني
فهجرتني فآلمتني
فقتلت قلبي لا والله
بل قتلتني
- اصبر يا قلبي وانتظر، وخلّ الحزن مكتوم
كل المعاني تغيّرت واتضحت الصورة
صار الصدق في هذا الزمن مثل الوفاء معدوم
ونفوسنا تجرّحت والفرحة مكسورة
كل المبادئ تنشر واللي معاه يسوم
حتى المشاعر أُرخصت والكلمة مهضومة
قصائد في الحزن
نظم الشعراء أجمل القصائد الحزينة في موضوعاتها المتنوعة، ومن هذه القصائد ما يأتي:
قصيدة ما تيسّر من حزن
عيسى الشيخ حسن
كما عشيقين على أول الليل
نحث الأغاني إلى عشبها
كما الوقت يفتح أحلامنا النائية
نضيّع أسماءنا في الرحيل
نهش على ممكنٍ واجفٍ
لعلّي أراهن موتي
على قطرةٍ باقية
تعيد انتظاري لترنيمة الشيخ
حين يعود إلى ورده
ويجهش في السجدة الثانية
كما أمهاتٍ
تثرثر ملء مواويلهن الدموع
أخبّ إلى نسغي المستضام
القصيّ عن النخل
الشجيّ بلا رفّةٍ حانية
لإفضاء أراه يهيم بقاماتنا
ولا قمرٌ يستحمّ بليل الرؤى
ولا سنونوةٌ تشرئبّ إلى ما نشيم
نشيم نهاراتها
والذي أغفلته الحكايات من برد كانون
في الحنطة الآتية
أقاسمك الآن هذي المراثي
وهذا الوجيع من الوجد
وهذا المطر
غداة يمرّ على باب بيتي موتٌ أليف
غداة أعودُ
ملاكًا من الورد
أشهقُ كلّ الفضاء
أعدّ الخطايا التي لم أذقها
أعدّ الوجوه التي رسمتها عذاباتها في حروفي
وكلّ الوجوه التي مارست لعبة الأقنعة
ومرّت علي بثوب النصيحة
آه وأعرف قلبي
سيتركني وخطاي الكسولة
في غمرة السابلة
سيسرفُ في ذا المسمّى (الحنين)
ولا حول لي
كي أماري صباباته
ويعرف أنّي صبرت عليه
وهذّبت ورد العتاب
وأتقنت عدّ خطاه
ولكن
سيمشي وحيدًا
ويمضي إلى جملةٍ في الغياب
وأعرفه يستحي ويكابر
ولن ينحني للبكاء
إذا نادمته الحروف
وظلّلها بعريش العنب
وأعرفه
إذ يطلّ نداماه ليلاً
من الأغنيات
وكأس القصيد
يغنّي لهم
ويجوس المكان البعيد
براحات أنّاته
أجل
وأعرفه حين تملأ أمّي له كأساً
من الشاي
وتوقد حقلاً من الذكريات
لعلّ على النار بعض الحطب
وأعرفه لا يردّ عليَّ السلام
ولا يحتفي بندوبي
أجل عاتب
لأنّي تأخرت جدًّا عليه
حين استفاق الحمام على طعنة في المساء الرطيب
أجل
ويمدّ البحار إلى ليله
ثمّ يعدو
يبارزُ وهجَ الظهيرة
يفني تباريح نشوانة
ويزعم أنّ اليمام على نقطة النون يشدو
وأعرف قلبي
يطيب له أن يعبّ حروف البلاد
ويحرس معنى البياض
الذي يتضاءل حتى السواد
كما لا يطيب له أن تذل القبيلة
ولا أن يرى خوذةً تستريح
ولم يتعلّم من النهر كيف يسافر دون حصاه
ولم يتعلّم من الآخرين احتراف النميمة
كذلك أحلامه لم تشذّ عن المتن
غماماته
لم تكفّ مناديلها عن غناء الطيور
وأعرفه
لا يحنّ عليّ
وأنا سادرٌ – كنتُ – في لمّ أشواقه
بلا حجّة أتسلّى بتقليبها
ولا رعشةٍ في ارتباك اليدين
أسمّي النهار حصاد السريرة
أشدو بلا غيمة
قد ترد العصافير نحو المغيب
وأرمي لما يتبقّى من العاديات
حروف الصهيل
ولي من بكائي على داثرات الطلول
احتمائي بنزفي
ولي في صلاتي على شاطئ الليل
فصلٌ قديمٌ من النحو
يسرفُ في طيّبات الشواهد
لي ما يبلّ المسافة بين السكون الجميل
وبين انثيال الأغاني التي غسّلتني
بحزن طويلٍ طويل
ولي قبّراتي
إذا كان أجهش بين الأصابع قلبي
ومال على وردةٍ ذابلة
تلهّى، ليتركني وخطاي الكسولة
في غمرة السابلة
ولي وجع نازف لا يريم
إذا تركتني رفيقة دربي
وقالت: تأخرت عنّي
وأسرفْتَ في غربة قاتلة
فمن سوف يأخذ فيّ العزاء
ومن سيزيّن قبري الصغير ببيت رثاء؟
فأمضي قصيًّا، قصيًّا
إلى دفتر العائلة
إلى بيت قلبي
ولكنّ قلبي سيمشي وحيدًا
لأهجع في فسحةٍ من غناء
أحنّ إلى مزنة هاطلة
غير أني أخاف إذا ما بكيت بأن يستفيقوا
يبلّل دمعي مناماتهم
فأضحك
أضحكُ
أضحكُ
حتّى البكاء الطليق
ولي كلّ ما تركته النجوم من الضوء
يفلّي الطريق
ولي كلّ آهة حزن
تندّ عن الطين
وعشب النهار الحزين
ولي ثمّ لي جمرة طيّبة
يموت بها إخوتي الطيّبون
تؤوّل فينا رماد النصوص
وتقرأ أيامنا المتعبة
قصيدة الحزن والغضب
محمود درويش
الصّوت في شفتيك لا يطرب
والنار في رئتيك لا تغلب
وأبو أبيك على حذاء مهاجر يصلب
وشفاهها تعطي سواك ونهدها يحلب
فعلام لا تغضب
أمس التقينا في طريق الليل من حان لحان
شفتاك حاملتان
كلّ أنين غاب السنديان
ورويتِ لي للمرة الخمسين
حب فلانة وهوى فلان
وزجاجة الكونياك
والخيام، والسيف اليماني
عبثًا تخدّر جرحك المفتوح
عربدة القناني
عبثًا تطوّع يا كنار الليل جامحة الأماني
الرّيح في شفتيك تهدم ما بنيت من الأغاني
فعلام لا تغضب
قالوا ابتسم لتعيش
فابتسمت عيونك للطريق
وتبرأت عيناك من قلب يرمّده الحريق
وحلفت لي إنّي سعيد يا رفيق
وقرأت فلسفة ابتسامات الرقيق
الخمر والخضراء والجسد الرشيق
فإذا رأيت دمي بخمرك
كيف تشرب يا رفيق
القرية والأطلال
والنّاطور والأرض واليباب
وجذوع زيتوناتكم
أعشاش بوم أو غراب
من هيّأ المحراث هذا العام
من ربّى التراب
يا أنت أين أخوك أين أبوك؟
إنهما سراب
من أين جئت أمن جدار
أم هبطت من السحاب
أترى تصون كرامة الموتى
وتطرق في ختام الليل باب
وعلام لا تغضب
أتحبّها؟
أحببت قبلك
وارتجفت على جدائلها الظليلة
كانت جميلة
لكنّها رقصت على قبري وأيامي القليلة
وتحاصرت والآخرين بحلبة الرقصة الطويلة
وأنا وأنت نعاتب التاريخ
والعلم الذي فقد الرجولة
من نحن
دع نزق الشوارع
يرتوي من ذل رايتنا القتيلة
فعلام لا تغضب
إنّا حملنا الحزن أعوامًا وما طلع الصباح
والحزن نار تخمد الأيام شهوتنا
وتوقظها الرياح
والريح عندك كيف تلجمها
وما لك من سلاح
إلا لقاء الريح والنيران
في وطن مباح
قصيدة حزن تجريدي
طالب همّاش
سألتكَ يا صاحبي:
أيّ يأسٍ تولاّكَ هذا المساءَ
فأشعلتَ وقتَ البكاءِ شموعكْ.
وضعتُ يديَّ على وجهكَ الكهلِ
أمسحُ حزناً قديماً
فألفيتُ قلبكَ قد ماتَ
منذ زمانٍ
وروحكَ سالتْ مع الدّمعِ
كيما تخونكْ!
أأنتَ حزينٌ إلى آخرِ الرّوحِ
حتّى تشطَّ بكَ النّاي؟!
وا أسفاهُ رفعتُ سراجي لعينيكَ
كيما أراكَ
رأيتكَ سكرانَ تبكي
يبلّلُ لحيتكَ الدّمعُ
والنّايُ يرعى شؤونكْ!
تغيّبتَ عني فأوحشني العمرُ
حتّى افتقدتكَ في عزلتي يا غريبُ
وحينَ سعيتُ إليكَ
بصرتكَ ظمآن
آنسَ قلبكَ شجواً بعيداً فناحَ
أناشدكَ الرّوحَ يا والدَ الحزنِ
كيفَ تركتَ يتاماكَ يبكونَ
هذا البكاءَ؟!
وكيف تركتَ المواويلَ مشنوقةً
والكمنجاتِ تبكي شجونكْ؟!