يُعتبر كل من الفرزدق والحطيئة من أبرز الشعراء في التاريخ العربي القديم، حيث تميزت أعمالهما بتنوع المواضيع الشعرية التي تناولتها، من الهجاء إلى الفخر والغزل والمدح والرثاء والزهد. في هذا المقال، سنستعرض حياة وأعمال هذين الشاعرين الفخريين.
من هو الفرزدق
ابن غالب بن صغصعة المجاشعي التميمي البصري، المعروف بالفرزدق، هو شاعر شعبي نبيل ينتمي إلى مدينة البصرة. وُلِد ونشأ في عهد الخلافة الراشدة، وتحديدًا في زمن عمر بن الخطاب، واشتهر بشاعريته خلال العصر الأموي، ليصبح أحد أهم شعراء زمانه.
كان للفرزدق تأثير كبير على اللغة العربية، حتى قيل: “لولا شعر الفرزدق لذهب ثلث لغة العرب” و”لولا شعره لذهب نصف أخبار الناس”. تميز بنقائضه وأخباره، واشتهر بشعر الفخر والمدح والهجاء.
التقى الفرزدق بعدد من الخلفاء وأمراء الأمويين، من أبرزهم علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان وخلفائه الآخرين، كما كانت له مكانة مرموقة بين قومه. كان والده من الأجواد، وجده من سادات العرب، وهو يُعتبر حفيد الصحابي صعصعة بن ناجية التميمي. يُذكر أن الفرزدق لم يكن يُنشِد أمام الخلفاء إلا وهو جالس، وذلك تكريمًا لمكانته. وله ديوان شعري يحمل الكثير من قصائده.
نشأة الفرزدق
نستعرض فيما يلي بعض الملامح الرئيسية في نشأة الفرزدق:
- وُلِد عام 20 هـ في بادية قومه بني تميم، ونشأ في أسرة شريفة ذات مكانة عالية، حيث تأثر بالفصاحة والشجاعة التي تميزوا بها.
- قدم الفرزدق مع والده إلى علي بن أبي طالب في البصرة بعد معركة الجمل عام 37 هـ، حيث قدَّم والده الفرزدق له كأحد شعراء مضر.
- تعود بدايته الشعرية إلى هجاء الأشهب بن رميلة لأبيه، مما دفع الفرزدق لنظم الشعر ردًا على الهجاء، وقد شهد له الجميع بأن لديه موهبة شعرية ستُثَبِت له مكانته.
- بهذا الشعر، حقق الفرزدق أولى انتصاراته الشعرية في صغره.
نماذج من شعره
نستعرض فيما يلي بعض النماذج من شعر الفرزدق:
شعر الفخر
لنا عَدَدٌ يُربي على عدد الحصى
ويُضعف أضعافًا كثيرًا عذيرُها
وما حُمِّلَت أضغانُنا من قبيلةٍ
فتَحمِلَ ما يُلقى عليها ظهورُها
شعر الرثاء
ليَبكِ وكيعًا خيل حرب مُغيرةٌ
تساقي المنايا بالرُّدينية السمر
لقوا مثلهم فاست هزموهم بدعوة
دعوها وكيعًا والجياد بهم تجري
وبين الذي نادى وكيعًا وبينهم
من هو الحطيئة
أبو مليكة جرول بن أوس بن مالك العبسي، المعروف بالحطيئة، هو شاعر عاصر الجاهلية، أسلم في عهد أبي بكر، وكانت ظروفه صعبة لعدم وجود مساعدة من أهله أو قومه، ما اضطره لكتابة الشعر كسبيل للعيش والدفاع عن نفسه. كان له أسلوب هجاء قاسٍ، حتى أنه هجاء أبويه ثم نفسه.
للحطيئة ديوان شعر طبع في إسطنبول عام 1890م، ثم طبع في ليبسيغ 1893م، وفي مصر عام 1905م، ويتضمن ديوانه هجاء ومدح وفخر وغزل.
الشعر القصصي
وسنعرض بعض أشعار الحطيئة:
قصيدة قصة الكرم
وطاوي ثلاث عاصب البطن مرمل
بتيهاء لم يعرف بها ساكن رسما
أخي جفوة فيه من الأنس وحشة
يرى البؤس فيها من شراسته نعمى
المدح والثناء
يسوسون أحلاماً بعيداً أناتها
وإن غضبوا جاء الحفيظة والجدُّ
أقلوا عليهم لا أبا لأبيكم
من اللوم أو سدّوا المكان الذي سدوا
أولئك قوم إن بنوا أحسنوا البنى
وإن عاهدوا أوفوا وإن عقدوا شدوا
وصيته
قد كنت أحياناً شديد المعتمد
قد كنت أحياناً على الخصم الألد
قد وردت نفسي وما كانت ترد
الشعر صعب وطويل سُلمه
إذا ارتقى فيه الذي لا يعلمه
زلت به إلى الحضيض قدمه
والشعر لا يستطيعه من يظلمه
يريد أن يعربه فيعجمه
في الختام، قد استعرضنا أعظم الشعراء في التاريخ العربي وهما الفرزدق والحطيئة، اللذان تميزوا بشعرهما الفريد والمتنوع.