الدستور
على الرغم من عدم وجود تعريف محدد للدستور، إلا أن معظم المفكرين والمتخصصين في هذا المجال يتفقون على أن الفكرة الأساسية من الدستور ترتبط بمفهوم الحكم. إذ يعرف البعض الدستور، أو القانون الدستوري بأنه عبارة عن مجموعة من القواعد الأساسية التي تحدد شكل الدولة، وتحدد قواعد الحكم فيها، وتضمن حقوق الأفراد وتنظم السلطات العامة، موضحةً اختصاص كل منها. كما يُمكن تعريف الدستور أيضاً بأنه مجموعة من القواعد القانونية التي تنظم الحكم داخل الدولة. وهناك من يعتقد أن الدولة تسبق الدستور في وجودها، وبالتالي لا يحتاج الأمر لتضمين الدولة في التعريف، إذ أن القواعد القانونية للدستور تُبين كيفية الحكم في مجموعة سياسية خلال فترة زمنية معينة.
أنواع الدساتير
تقسّم الدساتير إلى أربعة أنواع رئيسية تتوزع على قسمين وفق معيارين رئيسيين، وهما:
من حيث المصدر
تنقسم الدساتير من حيث المصدر إلى:
الدساتير المُدوَّنة
الدساتير المُدوَّنة (بالإنجليزية: Written Constitutions) هي تلك الدساتير التي تحتوي أحكامها وقواعدها في وثيقة أو مجموعة وثائق رسمية تكون مكتوبة، على شكل تشريع أو تشريعات صادرة عن السلطة العليا المختصة بالدولة. وعادةً ما تكون السلطة التأسيسية الأصلية هي المُشَرِع الدستوري، حيث توضع الدساتير لتصبح ذات قيمة أعلى من القوانين التي تصدر عن هيئات أخرى في الدولة مثل البرلمان. ويمثل الدستور الإطار الذي يحدد اختصاصات البرلمان والإجراءات اللازمة عند إصدار القوانين العادية. تاريخياً، لم تكن الدساتير المُدوَّنة موجودة قبل عام 1787، حين وضعت الولايات المتحدة الأمريكية دستورها ليكون نموذجاً أولياً للدساتير المُدوَّنة. وفي عام 1791، أُقرَّ الدستور المُدوَّن للثورة الفرنسية، وتوالت بعد ذلك عملية انتشار هذا النوع من الدساتير في العديد من دول العالم. وفي بعض الأحيان، كانت تُضاف أعراف دستورية ناشئة عن التقاليد والأعراف السائدة لتوضيح أو تفسير بعض نصوص الدستور. وتمتاز الدساتير المُدوَّنة بعدة خصائص، أهمها:
- الوضوح والدقة، حيث تصدر فقط بعد تدقيقها من قبل متخصصين.
- التحديد الواضح لحقوق الأفراد وواجباتهم.
- إمكانية فرض شروط معينة تعيق تعديل الدستور بسهولة.
- تدوين الدستور، مما لا يمنع وجود عُرف دستوري يكمل أو يفسر نصوص معينة في الدستور.
الدساتير غير المُدوَّنة
تُعرف الدساتير غير المُدوّنة (بالإنجليزية: Customary Constitutions) أيضاً بالدساتير العُرفية؛ وهي تلك التي تُستمد منها تشريعاتها ونصوصها من التقاليد والأعراف السائدة في المجتمع، التي أصبحت ملزمة للسلطات العامة. وتختلف هذه الدساتير عن الدساتير المُدوَّنة؛ حيث إن أحكامها وقواعدها لا تتأصل من تشريع دستوري صادر عن جهة رسمية. وكان هذا النوع من الدساتير شائعًا قبل ظهور الدساتير المُدوَّنة في نهاية القرن الثامن عشر. ومع ذلك، التزمت معظم الدول بسن دستور مُدوَّن، باستثناء بريطانيا التي احتفظت بدستورها العرفي الذي نشأ عبر السوابق التاريخية. ومن مميزات الدساتير غير المدوَّنة:
- القدرة على التعبير عن الماضي الذي عاشه الشعب، وارتباط ماضيهم بحاضرهم؛ إذ نشأت الدساتير العرفية بالتدريج عبر الأجيال دون الحاجة للتدوين.
- مراعاة العرف المرن الذي يمكنه مواكبة التغيرات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في الدول.
من حيث إمكانية التعديل
تنقسم الدساتير من حيث إمكانية التعديل إلى:
الدساتير المرنة
يمكن تعريف الدستور المرن على أنه الدستور الذي يمكن تعديله أو إلغاؤه كما هو الحال في القوانين العادية الصادرة عن السلطة التشريعية (البرلمان). وهذا النوع من الدساتير يتيح إمكانية إدخال التعديلات والتصحيحات عند الحاجة، كمثال على ذلك الدستور الإنجليزي الذي يُعتبر ذا طابع عرفي (غير مُدوَّن) وفي نفس الوقت مرن، حيث يمكن تعديله بواسطة إجراءات تعديلات القوانين العادية. كما أن بعض الدساتير المُدوَّنة تمتاز أيضًا بالمرونة، مثل الدستور الفرنسي والإيطالي. ومن خصائص الدستور المرن:
- قد يكون عُرفياً أو مكتوباً، وبهذا يتلاءم مع الظروف المتطورة للمجتمع.
- قد تؤدي المرونة إلى إضعاف قداسته وتقليل هيبته لدى المواطنين والسلطات الحاكمة.
- قد تدفع السهولة في تعديل الدستور السلطات التشريعية لإجراء تعديلات ليست ضرورية.
الدساتير الجامدة
يُعرّف الدستور الجامد بأنه الدستور الذي يتطلب إجراء تعديلات نصوصه اتباع إجراءات أكثر صرامة من تلك المتبعة في تعديل القوانين العادية. تتمثل مظاهر جمود الدستور في تحريمه تعديل نصوصه لفترة معينة أو شرط وجود إجراءات محددة؛ للتعديل عليه، أو أن يكون بعض نصوصه جامداً بصفة مطلقة. ويمكن أن يكون الجمود مطلقاً أو نسبياً، حيث يعني الجمود المطلق إمكانية تعديل الدستور في أي وقت وفقاً للإجراءات المعينة فيه، بينما يفيد الجمود النسبي بإمكانية تعديل أي حكم في الدستور وفق ما ينص عليه. مثال على الدساتير الجامدة المُدوَّنة هو الدستور المصري، بينما نجد أن القوانين الأساسية للمملكة الفرنسية قبل ثورة 1789 تمثل الدساتير الجامدة غير المُدوَّنة. ومن ميزات الدساتير الجامدة:
- الاتفاق مع طبيعة القواعد الدستورية ومكانتها من الناحية الموضوعية.
- إضفاء درجة من الاستقرار والثبات على أحكام الدستور، مما يجعلها محمية من التعديلات غير الضرورية من قبل البرلمان.