الحياء في الإسلام وميزاته الأساسية

يُعتبر الحياء من الأخلاق الرفيعة التي ينبغي على المؤمن التحلي بها، فهو يتجاوز مجرد كونه خلُقًا، إذ يُعتبر جزءًا لا يتجزأ من جوهر الإيمان. يُظهر الحياء مدى قوة إيمان الشخص، ويعمل كدرعٍ يحميه من اقتراف المحرمات وترك المنكرات، مما يوجه المسلم نحو الخير والهدى.

الحياء في الإسلام

  • ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم في حديثه الشريف: “الْحَيَاءُ لاَ يَأْتِي إِلَّا بِخَيْرٍ”، كما تطرق في حديث آخر إلى أن “الْحَيَاءُ خَيْرٌ كُلُّهُ”.
  • كلما وُصف الشخص بأنه يتحلى بالحياء، كان ذلك دليلاً واضحًا على سمعته الطيبة وأخلاقه الحسنة والتزامه بتعاليم الدين. قال الرسول صلى الله عليه وسلم: “الْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الإِيمَانِ”.
  • لتشجيع الأفراد على التحلي بهذه الفضيلة، جاء الإسلام ليؤكد على أهمية الحياء وكونه من أبرز فضائل الدين. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: “إنّ لكلّ دين خلقًا، وخلقُ الإسلامِ الحياء”.
  • عندما يتبنى الفرد صفة الحياء، فسيحول دون اقتراف المنكر ويبتعد عن الأمور القبيحة، مُختارًا الطريق القويم الذي يقود إلى الخير.
  • على النقيض من ذلك، إذا ضعُف الحياء في النفس، ستحل مكانه صفات الوقاحة والسفاهة، مما يؤدي إلى انحراف الشخص نحو الفواحش والرذائل. كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: “إذا لم تَسْتَحِ، فاصنع ما شئت”.
  • وبالتالي، فإن تحلي الشخص بالحياء يُعتبر نعمة من الله تعالى، حيث يشكّل عائقًا يمنع الفرد من اقتراف المنكرات.
  • وقد يُنسب إلى عثمان بن عفان رضي الله عنه قوله: “إنّي لأغتسل في البيت المظلم فأنطوي حياءً من الله عز وجل”.

ثمرات الحياء

يتسم الحياء بمجموعة من القيم والمنافع التي تعود على المتصف به، ومنها:

  • من يشعر بالحياء ويخاف الله تعالى، سيكون الله عز وجل ستره في حياته وبعد مماته، وجنبته الشرور.
  • تساعد هذه الفضيلة على الابتعاد عن المعاصي والاقتراب من الله من خلال القيام بالعبادات والطاعات.
  • يُمثل الحياء صفة من صفات المعتدين الذين يسعون للعفة والوفاء.
  • السير على نهج الحياء يدفع الشخص نحو الخيرات ويبعده عن المنكرات, مما يكسبه ثوابًا عظيمًا.
  • الشخص الحيّي لا يؤذي الآخرين، بل يُقدم لهم الخير فقط.
  • يكون لديه محبة الله ورضاه، حيث يتحلى بالتواضع والسكينة.
  • تتجلى نعمة الله عز وجل على الشخص، ويشعر بقيمته وعلو نفسه.
  • يساهم الحياء في حماية الشرف والكرامة ونشر التسامح بين الناس.
  • يُعتبر الحياء بمثابة حصن يمنع الشخص من الوقوع في المعاصي.

أنواع الحياء:

تم تقسيم الحياء إلى عدة أصناف، وهي:

  • الحياء والخوف من الله عز وجل.
  • الحياء من الملائكة.
  • الحياء من الآخرين.
  • الحياء من الذات.

“أولاً”: الحياء والخوف من الله تعالى:

  • عندما يدرك الإنسان أن الله يراه ويطلع على كل ما يقوم به.
  • يشعر بخجل أمام الله، خاصة عندما يكون مقصرًا في واجباته أو اقترف ذنبًا.
  • قال الله تعالى في كتابه العزيز: “أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى” [العلق:14]. وأيضًا: “وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ” [ق: 16].
  • كما أكدت السنة الشريفة على الحياء، حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه: “استحيوا من الله حق الحياء”.
    • ردّوا عليه بأنهم يستحون، فقال: “ليس ذلك، ولكن من استحى من الله حق الحياء فلينظر ما يحفظ رأسه وما وعى، والبطن وما حوى، وليتذكر الموت والبلى، ومن أراد الآخرة فعليه بترك زينة الدنيا، فمن قام بذلك فقد استحى من الله حق الحياء” (صحيح الترمذي).

“ثانياً” الحياء من الملائكة:

  • قال الله عز وجل في كتابه العزيز: “وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَاماً كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ” [الانفطار:10-12].
  • كما جاء عن بعض الصحابة: “إن معكم من لا يفارقكم، فاستحيوا منهم، وأكرموهم”.
  • ورُوي عن ابن القيم رحمه الله قوله: [استحيوا من هؤلاء الحافظين الكرام، وأكرموهم، ولا تفعلوا ما ترفضونه عند الناس مع علمكم بأن الله مطلع على أفعالكم].
    • فكما أن البشر يتأذون مما يفعله البعض فيكونون عُرضة للغضب، فما الظن بالملائكة الذين يحفظون الأعمال؟!
  • وإذا كان أحدهم وحده، كان يقول: أهلاً بملائكة ربي.. لا أعدمكم اليوم خيرًا، ثم يذكر الله.

“ثالثًا”: الحياء من الناس:

  • ورد عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه أنه قال: “لا خير فيمن لا يستحي من الناس”.
  • قال النبي صلى الله عليه وسلم إن الحياء يُعتبر مقياسًا لأفعال الأفراد، حيث قال: “ما كرهت أن يراه الناس فلا تفعله إذا خلوت”.

“رابعًا”: الاستحياء من الذات:

  • يجب على الشخص أن يُعف نفسه من الانزلاق إلى الرذيلة من خلال التحلي بالسيرة الحسنة والنزاهة.
  • المحافظة على الخلوات والانغماس في التفكير في مكانة النفس أمام الله سيؤدي به إلى أن يستحي من ارتكاب الفواحش حتى في غياب الآخرين.

قصة عن الحياء في الإسلام

  1. قصة سيدنا موسى والفتاتين:

  • حينما رأى سيدنا موسى امرأتين ترعيان الغنم بدلاً من والدهما.
    • كانتا تسقيان الغنم لكنهما عجزتا بسبب تزاحم الرجال في المكان.
  • فتوجه إليهما وسألهما عن السبب، فأجابت إحداهما بأنها تستحي من الرجال.
    • فالمرأة التي تتحلى بالحياء والعفاف هي التي تشعر بالخجل من التواجد في مكان مزدحم بالرجال.
    • فبادر سيدنا موسى بسقي الغنم لهما.
  • قال الله تعالى في كتابه العزيز: “فَجَاءَتْ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا” (القصص: 25).
  • بعدها ذهبت لاستدعاء سيدنا موسى للاستجابة لدعوة والدها، وطلبت منه أن يمشي خلفه.
    • وفي حال أخطأت الطريق، تخبره بحجر حتى تعدل له المسار الصحيح.
  1. حياء من الضيوف:

  • كان النبي صلى الله عليه وسلم يتحلى بالحياء حين دعا أصحابه إلى الطعام في بيته.
    • احتفاءً بمناسبة خاصة، وبعد انقضاء فترة من الوقت، استمروا في التواجد.
  • حيث استحى النبي من طلبهم مغادرة المنزل، فذهب لزيارة زوجاته ليستطلع حالهم.
    • وفي النهاية، أدرك الضيوف أنهم يجب عليهم الإنصراف.
  • وجاء في كتاب الله تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ” (الأحزاب: 53).

Related Posts

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *