أبرز قصيدة لكعب بن زهير في مدح الرسول الكريم

عاش الشاعر المخضرم كعب بن زهير في فترتي الجاهلية والإسلام، حيث شهد تغييرات كبيرة في المجتمع العربي.

يعتبر كعب واحدًا من الشعراء الذين عاصروا الفترتين معًا، إذ وقع عليه غضب الرسول صلى الله عليه وسلم بعد هجائه إياه في إحدى قصائده، وهو ما أدى إلى إهدار دمه.

بالإضافة إلى ذاك، تم ذكر بعض نساء المسلمين في شعره. في هذا المقال، سنتناول أشهر قصيدة له في مدح النبي محمد، والمعروفة باسم “قصيدة بانت سعاد”، وسنستعرض شرحها وتفاصيل لجوء الشاعر إلى النبي بحثًا عن الأمان.

أشهر قصيدة لكعب بن زهير في مدح الرسول وسببها

يعتبر كعب بن زهير شاعرًا مخضرمًا يمتد تاريخه عبر العصرين الجاهلي والإسلامي. كان والده أيضًا شاعرًا، وعندما علم بإهدار دمه بسبب هجائه للنبي، شعر بالخطر وقرر الهروب إلى مختلف القبائل طلبًا للنجدة، لكن لم ينصره أحد.

بعدما نصحه أخوه بالتوجه إلى النبي محمد للتوبة، قام بتقديم إسلامه وأمنه الرسول. وفي هذه المناسبة، أنشد كعب قصيدته الشهيرة “بانت سعاد”، المعروفة أيضًا باسم “لامية كعب”.

ذهب كعب إلى المدينة للقاء النبي صلى الله عليه وسلم، حيث قابل أبي بكر الذي اصطحبه للنبي بعد صلاة الفجر، متلثمًا بعمامته. وعندما قال أبي بكر: “يا نبي الله، هذا الرجل جاء ليبايعك على الإسلام”، كشف كعب عن وجهه، مُعبرًا عن هويته قائلًا: “أنا كعب بن زهير”. وقد أمنه النبي، وبعد ذلك أنشد قصيدته المعروفة “بانت سعاد”.

تحتوي قصيدة كعب على عدة أغراض شعرية، حيث ابتدأها بمقدمة غنائية تقليدية، ثم وصف ناقة الشاعر التي نقلته إلى المقام الذي رغب فيه.

كما ذكر ما قيل عنه من قبل الوشاة واعتذر عن هجائه، وكان مقدمة القصيدة غزلية على النحو التالي:

بانت سعاد فقلبي اليوم متبول .. مـتـيّم إثــرهـــا لــم يجز مكبولُ ومــا

سعاد غداة الـبـيـن إذ رحــلــوا .. إلّا أغنّ غضيض الطّرف مكحولُ أرجو

وآمــل أن تــــــدنـــو مــودتـهـا  .. ومـــا إخـــال لــديـنــا مـنـكِ تـنـويــلُ

قصيدة سعاد

في بداية القصيدة، استحضر كعب ذكر سعاد التي ابتعدت ولم تحفظ عهدها، لكن قلبه ما زال متعلقًا بها، حيث شبهها بغزال عينيه مكحولتان.

كما وصف أسنانها وابتسامتها، متألمًا من خداعها له بالموعد المتفق عليه، مشبهًا إياها بالعُقوب الذي دائمًا ما يخلف وعده، ثم انتقل لوصف ناقته:

أمست سعاد بأرضٍ لا يبلغها .. إلا العِتاق النجيبات المراسيل

ولا يذهب إليها إلا عذافرة .. فيها على الأين إرقال وتبغيــل

غلباء، وجناء، علكوم، مذكرة .. فـي دفها سَعة قدامهــا مِيــل

وصف الناقة

قامت وصف الناقة التي حملته بدقة تقليدية، مستخدمًا ألفاظًا غريبة ومعقدة، مشيرًا إلى أنها عذافرة أي قوية وثقيلة تمشي بنشاط في الصحراء.

كما أنها لا تتأثر بحر أو تعب، ووصف حالته أثناء رحلته ورد فعل القبائل التي توجه إليهم طلبًا للحماية:

وقــال كــل صـديــق كنت آمله .. لا ألهينك إني عنك مشغول

فقلت: خلوا سبيلي لا أبا لكم .. فـكل ما قدر الرحمن مفعول

تخلى الأصدقاء عنه، طالبين منه أن يطلب العذر حيث ما قدره الله سيكون.

ثم انتقل لوصف حالته عندما علم بإهدار دمه وطلب الصفح من الرسول:

نُــبــئـتُ أن رســول الله أوعــدنـــي            والعفو عـنــد رســولِ الله مأمــولُ

مهلًا هـداك الــذي أعـطـاك نـافـلـة            الـقـرآن فـيـها مــواعـيـظ وتـفـصيل

لا تــأخــذنــي بـأقــوال الوشاة ولم            أذنـب ولو كــثـرت فــيّ الأقــاويـلُ

إني أقول مـقـــامًــا لا يــقــوم لــه             أرى وأسمع ما لو يسـمـعِ الـفـيـلُ

حتى وضـعـت يمينـي مـا أنازعها             في كف ذي النقمات قوله القـيــلً

من خادرٍ من ليوثُ الأسدِ مسكنهُ             مــن بــطـنِ عـثّـر غـيـلُ دون غـيـلُ

مزج كعب بين المدح والاعتذار، فبدأ برسالة الرسول قبل أن يطلب العفو.

وصف الخوف الذي انتابه وهيبته التي شعر بها أمام النبي، مشبهًا حالته بارتعاد الفيل، ومظهرًا هيبته وهو يواجه الأسد القوي، ثم بدأ يتغزل في مدح النبي صلى الله عليه وسلم:

إنّ الــرســولَ لـنـورُ يـسـتـضـاء به             مــهـنـدُ مـن سـيـوف الله مـسـلولُ

صوّر هدى الرسول كنور وسط darkness، وقوته كسيف، وقد قيل إن النبي عندما سمع هذا البيت خلع بردته وضعها على كعب بن زهير علامة على عفوه عنه.

وظلت بردة الرسول مع كعب ثم مع أبناءه وأحفاده، حتى اشتراها معاوية بن أبي سفيان بمبلغ 20 ألف درهم لتتوارثها الخلفاء الأمويون والعباسيون، حتى وصل الأمر إلى بني عثمان.

مدح الرسول

اختتم كعب قصيدته بمناجاة المهاجرين:

شم العرانينِ أَبطال لبوسهم  .. من نسجِ داود في الهَيجا سَرابيل

لا يفرحون إذا نالت رماحــهـمُ .. قـومًـا ولـيـسوا مـجـازيـعًا إذا نيلوا

لا يقعُ الطعنُ إلا في نحورهـمُ .. وما لهم عن حياض الموتِ تـهـليلُ

في هذه الأبيات، امتدح كعب بن زهير المهاجرين، واصفًا إياهم بالأبطال الرفيعي النفس، مشيرًا إلى صلابة دروعهم التي صُنعت بمهارة.

كما أشاد بنبلهم أثناء الحروب، حيث لا يتفاخرون في انتصاراتهم، ولا يجزعون في هزائمهم، واصفًا إياهم بالمقاتلين الشجعان الذين يفضلون مواجهة الموت بدلًا من الفرار، حتى لو تعرضوا للطعن، فإنهم يوجهونه لجوانبهم وليس لأظهرهم.

قصائد مدح النبي محمد عليه الصلاة والسلام

هناك العديد من القصائد التي كتبها شعراء نظموا المدائح النبوية التي تعد من أجمل فنون الشعر.

ففي هذه القصائد، يذكر الشاعر الصفات الخلقية والأخلاقية للرسول محمد عليه الصلاة والسلام.

بالإضافة إلى التعبير عن التقدير والمحبة تجاه النبي. ومن أبرز الشعراء الذين أنشدوا في مدح النبي: الشاعر البوصيري في قصيدته “البردة”، والشاعر أحمد شوقي من خلال قصيدته “ولد الهدى” و”نهج البردة”.

Related Posts

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *