أبرز الأعمال النقدية في بداية العصر العباسي

أبرز المؤلفات النقدية في العصر العباسي الأول

تطور النقد الأدبي في العصر العباسي ليصبح علمًا له قواعد وأسس تميز بينه وبين الفنون الأدبية الأخرى. فلم يعد يعتمد على طبيعة الناقد وملكة الفكر فحسب، بل أصبح يتطلب وجود مدرّسين متخصصين في هذا المجال. وقد توسعت الثقافة الدينية والأدبية بشكل كبير خلال هذه الفترة، مع سعي الباحثين إلى جمع أشعار العصر الجاهلي والإسلامي وتحليلها نقديًا، بالإضافة إلى دراسة آداب اللغات الأخرى مثل الهندية والفارسية لاستخراج مبادئ نقدية يمكن الاقتداء بها.

اتجه النقد في العصر العباسي الأول نحو مسارين رئيسيين؛ الأول يُعتبر استمرارية للنقد الجاهلي والإسلامي، حيث قام نقاد مثل أبي عمرو بن العلاء والأصمعي بتذوق الأشعار الجاهلية والإسلامية وتقديم آرائهم وملاحظاتهم حولها. أما المسار الثاني فكان يمثله النقد العلمي الذي اعتمد على تأليف كتب مستقلة حول هذا الموضوع، مما أدى إلى ظهور حركات فكرية مثل المعتزلة. نستعرض فيما يلي أشهر مؤلفات هذا الاتجاه:

كتاب “طبقات فحول الشعراء” لابن سلام الجمحي

يُعتبر هذا الكتاب من أقدم الكتب النقدية في العصر العباسي، حيث اهتم مؤلفه بتصنيف طبقات الشعراء بالإضافة إلى مناقشة قضايا شعرية متنوّعة مثل تصنيف الشعراء وانتحال الشعر. كما كان للطابع النقدي العلمي الفضل في تناول مسألة الشعر من منظور عقلاني. لم يتردد ابن سلام في نقد رواة الشعر المعروفين، وحدد القواعد والمعايير التي اعتمدها عند تصنيف الشعراء واختيار المقاطع المميزة.

استحوذت قضية تصنيف الشعراء على الجزء الأكبر من الكتاب، حيث قام ابن سلام بتقسيم الشعراء إلى خمس طبقات، والتي جاءت على النحو التالي:

  • طبقة الشعراء الجاهليين

قام الجمحي بتصنيف الشعراء الجاهليين إلى عشر فئات، حيث ضمت كل فئة أربعة شعراء، ومن أبرزهم امرؤ القيس، والنابغة الذبياني، وزهير بن أبي سلمى، والأعشى.

  • طبقات شعراء الإسلام

انقسمت هذه الطبقة بدورها إلى عشر فئات، وضمّ أولها شعراء مثل جرير بن عطية، والفرزدق، والأخطل، وعبيد بن حصين.

  • طبقة أصحاب المراثي

شملت أربعة شعراء تمثلهم مُتمِّم بن نويرة، والخنساء (الشاعرة الوحيدة المذكورة في الكتاب)، وأعشى باهلة، وكعب بن سعد الغنوي.

  • طبقة شعراء القرى

تضمنت اثنين وعشرين شاعرًا، مثل حسان بن ثابت، وقيس بن الخطيم من المدينة، وعبد الله بن الزَّبعرى وضرار بن الخطاب من مكة، وأُمية بن أبي الصلت وأبو محجن الثقفي من الطائف، بالإضافة إلى المثقَّب العبدي والممزَّق العبدي من البحرين.

  • طبقة شعراء اليهود

شملت هذه الفئة ثمانية شعراء، من بينهم السمؤل بن عاديا وكعب بن الأشرف وسعية بن العريض.

كتاب “الشعر والشعراء” لابن قتيبة

يُعتبر كتاب “الشعر والشعراء” لابن قتيبة من أبرز المصادر الأدبية التي تناولت تراجم الشعراء، وخصوصاً الذين استشهدت بأشعارهم في الفلسفة والعلوم الدينية. ركّز ابن قتيبة في هذا الكتاب على تقديم تراجم الشعراء العرب، ومكانتهم وأزمانهم، وأحوالهم في أشعارهم، مع ذكر أسمائهم وأسماء آبائهم وكُناهم وألقابهم، بالإضافة إلى ما يُستحسن من أخبارهم وشعرهم.

لم يُدرِج ابن قتيبة الشعراء المغمورين في ترجمته إلا نادرًا، وغطّى الكتاب الفترة من الجاهلية حتى أوائل القرن الثالث الهجري. وقد قام بتوازن النقد بين الشعراء القدامى والمحدثين، معتمداً في المفاضلة بينهما على الشاعرية بدلاً من التقدّم الزمني. ومع ذلك، غالبًا ما تمحور الكتاب حول تقديم تراجم الشعراء بدلاً من تصنيفهم في طبقات.

بلغ عدد الشعراء الذين تناولهم ابن قتيبة في كتابه 206 شعراء، وقد قُسم الكتاب إلى قسمين، يتناول الأول الشعر وأقسامه وعيوبه، فيما يركز الثاني على الشعراء بترتيب زمني يبدأ بالعصر الجاهلي ثم صدر الإسلام، يليه العصر الأموي ثم العصر العباسي الأول. تُعد مقدمة الكتاب من أقدم ما كُتب في النقد الأدبي.

كتاب “البديع” لابن المعتز

في كتابه، عرض ابن المعتز خمسة أنواع من البديع، منها الاستعارة والمطابقة والتجنيس والمذهب الكلامي. بدأ ابن المعتز بالحديث عن البديع لأنه كان معروفًا لدى الشعراء والنقاد، لكن كان هناك نقص في المعرفة حوله بين علماء اللغة. ثم تطرق إلى الأساليب البلاغية الجديدة التي أدرجها تحت عنوان محاسن الكلام.

تتضمن محاسن الكلام عند ابن المعتز الاعتراض، والالتفات، والرجوع، وحسن الخروج، وتجاهل العارف، والهزل المراد به الجد، والمدح الشبيه بالذم، والتعريض والكناية، بالإضافة إلى حسن التضمين والتشبيه، والإفراط في الصفة، وحسن الابتداء ولزوم ما لا يلزم. واستخلص ابن المعتز فروقًا دقيقة بين أنواع الاستعارة المتنوعة، محددين منها ما هو بديعي وما هو غير بديعي.

يمكن اعتبار كتاب “البديع” تعدادًا لأنواع البديع، حيث استشهد ابن المعتز بكل نوع من أنواع البديع بأمثلة من أقوال القدماء والمحدثين، مع موازنة دقيقة بين هذه الشواهد. يُشاع أن ابن المعتز قد أدخل في كتابه ثمانية عشر نوعًا من البديع، مع توضيحات تفصيلية لم تظهر في الكتب السابقة.

Related Posts

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *