إن ارتباط الأخلاق بالعقيدة يمثل عنصراً أساسياً في سلوكيات الإنسان، فمن خلال العقيدة تتشكل تصرفات الفرد وتصبح أساساً لأفعاله. لذا، يمكن اعتبار العلاقة بين الأخلاق والعقيدة علاقة وثيقة للغاية.
العلاقة بين العقيدة والأخلاق
- إن العلاقة بين الأخلاق والعقيدة تعتبر من المبادئ الجوهرية التي يسير وفقها النظام الكوني، خاصة في مجتمع المسلمين المؤمنين.
- تعد الأخلاق من الركائز الأساسية، إذ بدونها يفقد كل شيء قيمته ومعناه.
- العقيدة التي تستند إلى أسس دينية تعزز من القيمة والمكانة الأخلاقية، حيث تلعب دوراً مهماً في توجيه تصرفات الإنسان بطريقة إيجابية وسليمة.
- عندما تكون للعقيدة مكانة في قلب الإنسان، فإن جميع تصرفاته تنطلق منها، إذ تتحكم القيم الداخلية في السلوك الخارجي. ومن أجل بناء إنسان فاضل، يحتاج الأفراد إلى عقيدة دينية راسخة كأولوية.
- لإقامة وطن مدني قوي، ينبغي على كل فرد أن يؤدي واجباته بإخلاص.
- الأشخاص الذين يتصرفون بدافع الخوف من السلطة أو العقاب، قد يرتكبون أخطاء كثيرة حالما يعتدون إلى عدم وجود هذه الضغوط. لذا، فإن العقيدة الراسخة تساعد في تحقيق السلوك الصحيح، إلى جانب التربية السليمة من النواحي الأخلاقية والدينية.
- الأمم لا تنهض فقط بالعلم، فالعلم يمكن أن يكون سلاحاً هداماً أو بناءً. لذلك يجب توجيه هذا العلم نحو الخير والتنمية وليس لنشر الأفكار الفاسدة.
- العقيدة تعد أساساً للأخلاق والقيم والمبادئ السليمة، فهي تلعب دوراً في منع المسلم من ارتكاب الأخطاء والانحراف عن الصواب.
- تلعب الأخلاق دوراً حيوياً في تعزيز العقيدة، حيث يتجلى ذلك في تصرفات المسلم اليومية في المدرسة، والجامعة، والعمل، والمجتمع، حتى في التعامل مع الأعداء.
- يمكن تشبيه العقيدة بالشجرة المثمرة، إذ أن الأخلاق السليمة تنبع من هذه العقيدة، وأفضل الناس هم من يجسدون القيم الأخلاقية العالية.
وجهات نظر ابن تيمية حول العلاقة بين الأخلاق والعقيدة
- بيّن الإمام ابن تيمية أن مفهوم الإيمان، عند رجوعه إلى القرآن أو السنة، يشمل جميع أعمال الخير والبر. كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
- (الإيمان بضع وسبعون، أو بضع وستون شعبة، فأفضلها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان).
- هذا يعني أن الإيمان يكون في القلب ويتعلق بالعبادة والإخلاص للعبادة لله وحده وتأكيد رسالة النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
- المعنى الثاني يتعلق بتصرفات الإنسان وأفعاله، مثل إزالة الأذى عن الطريق، والذي يمثل أدنى درجات الإيمان.
- الأخلاق تعزل الإنسان عن الخطأ وتحميه من العواقب السلبية، مما يؤدي إلى حياة هادئة وسعيدة.
- التزام الإنسان بالأخلاق الحميدة لا يتم إلا من خلال عقيدة قوية تحث على الخير وتجنب المعاصي.
- إذا التزم الجميع بعقائدهم، فإن المجتمعات ستنعم بالاستقرار والبعد عن الفساد، وسيسود الحب والمودة بين الأفراد.
يمكنكم أيضاً الاطلاع على ما يلي:
أمثلة على ارتباط العقيدة بالأخلاق
أولاً: أمثلة من القرآن الكريم
يتبين ارتباط الأخلاق بالعقيدة من خلال الأعمال التي أوصى الله تعالى بها في القرآن الكريم:
بر الوالدين
- طاعة الوالدين والتعامل معهم بالإحسان، حيث أمرنا الله ببراهم وطاعتهم.
- كما ورد في العديد من الآيات القرآنية، ومنها قوله تعالى:
- (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحساناً إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أفٍ ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريماً* واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيراً).
الأمانة والعدل في المعاملة
- حفظ الأمانة وردها إلى أصحابها، والعدالة في المعاملة، والابتعاد عن الغش، من الأعمال التي تدعونا آيات القرآن لممارستها.
- قال تعالى: (يا قوم أوفوا المكيال والميزان بالقسط ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين).
التحلي بالصبر
حث الدين الإسلامي على التحلي بأنواع الصبر المختلفة، كما ورد في القرآن الكريم: (ما عندكم ينفد وما عند الله باقٍ ولنجزين الذين صبروا أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون).
الطاعة
المسلم مأمور بالطاعة لله ولرسوله ولولي الأمر، والدليل على ذلك قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا).
حماية النفس
أمرنا الله بحماية النفس وعدم إيذائها، كما قال تعالى: (ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق)، كما حرم الانتحار في قوله: (ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيماً).
تجنب الفواحش
نهى الإسلام عن الاقتراب من الفاحشة، حيث يشير إلى ذلك قوله تعالى: (ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن).
حماية اليتيم
حذر الشرع من انتهاك حقوق اليتيم، حيث قال تعالى: (ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده).
الوفاء بالعهد
يجب على المسلم الوفاء بالعهد، كما ورد في قوله تعالى: (وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسئولاً).
العدل والإحسان
يجب على المسلم أن يكون عادلاً في معاملاته، والدليل على ذلك قوله تعالى: (إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون).
ثانياً: أمثلة من السنة النبوية
- حث الرسول عليه الصلاة والسلام على حسن الخلق في التعامل، موضحاً الترابط بين العقيدة والأخلاق، حيث لا تكتمل العقيدة إلا بالأخلاق الحميدة.
- من الأحاديث النبوية التي تبرز هذا المعنى: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت).
- كما أوضح الرسول فضل الأخلاق الكريمة بقوله: (إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم)، وأيضاً: (إن من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحسنكم أخلاقاً)، و(ما من شيءٍ أثقل في الميزان من حسن الخلق).