تعد دراسة تاريخ الفينيقيين جزءًا أساسيًا لفهم تطور الحضارات. بينما نعيش في عصرنا الحالي وننظر إلى المستقبل، من الضروري أن نلقى نظرة على الماضي لنحدد مسارنا. إن تقدير تاريخ الفينيقيين يمكن أن يساعدنا على فهم تراثهم واستكشاف تأثيرهم على العالم المعاصر.
حضارة فينيقيا
- فينيقيا (بالإنجليزية: Phoenicia) كانت حضارة قديمة تتكون من كيانات ومدن مستقلة تمتد على طول الساحل الشرقي للبحر الأبيض المتوسط.
- تشمل المنطقة الحالية لسوريا ولبنان وشمال فلسطين، وكان الفينيقيون معروفين بشغفهم بالملاحة.
- تميزوا بسفنهم القوية التي كانت مزينة برؤوس خيول، تكريمًا لإلههم في البحر، يام، وهو شقيق إله الموت، موت.
- برز الفينيقيون أيضًا كتجار ومستعمرين بارزين في البحر الأبيض المتوسط خلال الألفية الأولى قبل الميلاد.
- كانت المدن الكبرى في فينيقيا (باستثناء مستعمراتهم) تشمل صيدا، وصور، وبيروت (بيروت الحديثة).
- ازدهرت حضارتهم كمراكز بحرية وتجارية بين العامين 1500 و332 قبل الميلاد، واحترم الفينيقيون لتميزهم في بناء السفن وصنع الزجاج وإنتاج الأصباغ.
- كما تميزوا بمستوى عالٍ من المهارة في تصنيع السلع الفاخرة والعادية.
موطن الفينيقيين الأصلي
- ليس من المعروف كيف أطلق الفينيقيون على أنفسهم بلغتهم، ولكن يُعتقد أنهم استخدموا مصطلح Kenaʿani (بالأكادية: Kinahna) للدلالة على الكنعانيين.
- في اللغة العبرية، تحمل كلمة “kenaʿani” دلالة ثانوية تعني “التاجر”، وهو ما يبرز هوية الفينيقيين كتجار.
- يُعتقد أن الفينيقيين استقروا في المنطقة حوالي 3000 قبل الميلاد، إلا أن موطنهم الأصلي لا يزال غير مؤكد، على الرغم من بعض الروايات التي تشير إلى منطقة الخليج الفارسي.
تسمية الفينيقيين بـ”الشعب الأرجواني”
- كُني الفينيقيون بهذا الاسم بسبب الصبغة الأرجوانية التي كانوا يصنعونها في صور، حيث كانت تستخدم في أزياء الملوك في بلاد ما بين النهرين، وهذا ما أطلق عليهم الاسم الذي نعرفه اليوم (من الكلمة اليونانية Phoinikes لـ Tyrian Purple).
- كما أشار الإغريق إلى الفينيقيين بلقب “الشعب الأرجواني” حسبما ذكر المؤرخ اليوناني هيرودوت، نظرًا لأن الصبغة كانت تلطخ جلد العمال.
- يرى هيرودوت أن فينيقيا هي مسقط رأس الأبجدية، مشيرًا إلى أنها انتقلت إلى اليونان بواسطة الفينيقي كادموس في وقت ما قبل القرن الثامن قبل الميلاد، وأنه لم يكن بالإغريق أبجدية قبل ذلك.
- الكثير من الآلهة القديمة في اليونان يُعتقد أيضًا أنها استُمدت من الفينيقيين، حيث توجد تشابهات واضحة في بعض القصص المرتبطة بالآلهة مثل بعل ويام وزيوس وبوسيدون.
الحضارة الفينيقية وعلاقتها بالحضارة المصرية القديمة
- في جبيل، يمكننا رؤية العلاقات التجارية والدينية بين الفينيقيين ومصر منذ الأسرة الرابعة المصرية (2613 – 2494 قبل الميلاد).
- يُعرف أن القرن السادس عشر قبل الميلاد شهد تبادلًا تجاريًا واسعًا، إلا أن المصريين استحوذوا بسرعة على جزء كبير من فينيقيا.
- شهد القرن الرابع عشر قبل الميلاد اضطرابات سياسية، مما أدى إلى فقدان مصر السيطرة على المنطقة.
- في بداية القرن التاسع قبل الميلاد، ازداد تهديد الاستقلال الفينيقي بسبب تقدم آشور، حيث فرض ملوكها عدة مرات الجزية على الفينيقيين.
- في عام 538 قبل الميلاد، أصبحت فينيقيا تحت السيطرة الفارسية، واستولى الإسكندر الأكبر لاحقًا على الأراضي.
- في عام 64 قبل الميلاد، أدمجت فينيقيا ضمن مقاطعة سوريا الرومانية، ولكن مدن مثل أرادوس وصيدا وصور حافظت على استقلالها.
- من المحتمل أن أبرز أشكال الحكم في المدن الفينيقية كان النظام الملكي، لكن كان هناك تأثير قوي للعائلات التجارية الثرية، ولم يظهر اتحاد المدن بصورة جادة.
- كما يبدو أن اتحاد المدن لم يحدث بشكل فعلي.
فينيقيا في العصر الروماني
- بحلول عام 64 قبل الميلاد، ضمت روما الأجزاء المنقسمة من فينيقيا، وفي عام 15 ميلادي أصبحت مستعمرات ضمن الإمبراطورية الرومانية مع احتفاظ هليوبوليس بمكانته كموقع مهم للحج.
- كان يضم أكبر معبد ديني (معبد جوبيتر بعل) في كل الإمبراطورية، والذي لا تزال آثاره محفوظة حتى اليوم.
- يُعتبر الأبجدية الفينيقية من أبرز الإسهامات، بالإضافة إلى مساهماتهم في الفنون ونقل ثقافات العالم القديم.
المستوطنات الفينيقية
- عرف الفينيقيون تجارًا ومستوطنين بارزين، وبحلول الألفية الثانية، وسعوا نفوذهم على ساحل بلاد الشام من خلال مجموعة من المستوطنات مثل يافا ودور وعكا وأوغاريت.
- تمتد استعمارهم أيضًا إلى شمال إفريقيا (مثل قرطاج) والأناضول وقبرص، مما جعل قرطاج القوة البحرية والتجارية الرئيسية في غرب البحر الأبيض المتوسط.
- تم زرع العديد من المستوطنات الصغيرة كنقاط انطلاق نحو إسبانيا الغنية بالموارد المعدنية.
- شملت الصادرات الفينيقية خشب الأرز والصنوبر، والكتان من صور وجبيل، بالإضافة إلى الأقمشة المصبوغة باللون الأرجواني الشهير (المصنوعة من حلزون الموريكس).
- كما تضمنت منتجاتهم المطرزات من صيدا والأعمال المعدنية والزجاج والخزف المزجج، فضلاً عن تجارة ترانزيت حيوية.
- ولعب الفينيقيون دورًا محوريًا في تجارة المنطقة.
لمزيد من المعلومات، تابعوا مقالنا التالي:
الإبداعات الفنية الفينيقية
- في الإبداعات الفنية الفينيقية، اختلطت الزخارف والأفكار المصرية بتلك المستوحاة من بلاد ما بين النهرين وبحر إيجة وسوريا.
- على الرغم من ندرة النحت الفينيقي، إلا أن النحت البارز كان أكثر شيوعًا في تلك الفترة.
- أقدم الأعمال النحتية الفينيقية وُجدت في جبيل، ومن أبرزها تابوت الحجر الجيري لأحيرام، ملك بيبلوس، الذي يعود إلى نهاية القرن الحادي عشر قبل الميلاد.
التخصصات الفينيقية
- أصبح العاج والنحت على الخشب من التخصصات البارزة للفينيقيين، وانتشرت شهرتهم في عالم الصاغة وصناعة المعادن.
- ومن الممكن أن تقنية نفخ الزجاج تم تطويرها في المناطق الساحلية لفينيقيا في القرن الأول أو حتى ما قبله.
الأبجدية الفينيقية
- على الرغم من استخدام الفينيقيين للكتابة المسمارية (كتابة بلاد ما بين النهرين)، إلا أنهم طوروا نصًا خاصًا بهم.
- كما تم استخدام الأبجدية الفينيقية، المكونة من 22 حرفًا، في جبيل منذ القرن الخامس عشر قبل الميلاد.
- هذا الأسلوب الكتابي كان له تأثير عميق على الكتابة اليونانية التي تبنته لاحقًا، وكان بمثابة نواة للأبجدية الرومانية الحديثة، مما يجعل الأبجدية الفينيقية أبرز مساهماتهم في الفنون والحضارة.
الدين في فينيقيا
استند الدين الفينيقي إلى قوى الطبيعة وعملياتها، ورغم ذلك، كانت العديد من آلهتهم محلية الطابع.
يرأس البانثيون إلهٌ يُدعى إل، بينما تُعتبر الإلهة عشتروت (عشتارت) الشخصية البارزة في هذا البانثيون.