قصائد الشاعر الأخطل الصغير

يا هند، يا ليتك ترين

  • كما قال الأخطل الصغير:

يا هند، لو ترين

موقفي بين جدران

لا تحيران، أخرسان

وعلى خدي دمعتان

لو ترين

لقد آن الأوان للليل والناس

الجميع نائمون

وأنا الشاهد على الغرام

بعتُ للنوم عينيّ

غاليين

أنا دائم السهر كئيب

لا صديق ولا حبيب

ومع الليل أستغيث

كنحيب الحمامتين

بعد فراق بعيد

لقد خيم السكون

ونجوم السماء كنقاط عيون

فتمنيت لو كنا

في سماء الحب كنجمتين

تتجاذبان

ليتنا والهوى آمناً

كطائرين بجناحين

فإذا ضمنا مكاناً

ضمَّ قلبين عاشقين

يتجولان

يا لأحلامي الحالمة

أصار شغفي مع الشباب

كأن المنى ضباب

يتلاشى بنفختين

إثنتين

لم يعد في السراج زيت، وكما ينطفئ، انطفأت

فأنا الآن كالميت

لا أملك غير ساعتين

لو ترين

إنني مت بعدك

عش أنت، وأنا مت بعدك

وانظر إلى ما شئت فصدك

كانت بقايا الغرام

في قلبي، فاختتمت بعدك

ما كان ضرك لو عدلت

أما رأت عيناك قدك؟

وجعلت من جفني متكأً

ومن عيني مهدك

ورفعت لي عرش الهوى

ورفعت فوق العرش بندك

وأعدت للشعراء سيدهم

وللعشاق خادمك

أغضاضه يا رياض، إن

أنا شوقني فشممت وردك

أنقى من فجر مشرق

فهل أعرت الفجر خدك؟

وأرق من نسيم لطيف

فهل خلعت عليه بردك؟

وألذ من كأس النديم

فهل أبحت الكأس شهدك؟

وحياة عينيك وهي عندي

كما الأيمان عندك

ما قلب أمك إن تفرقتها

ولم تبلغ أشدك

فهوّت عليك بصدرها

يوم الفراق لتستردك

بأشد من خفقان قلبي

في يوم قيل: خفرت عهدك

المسلول

حسناء، أي فتًى رأى تصد

قتلى الهوى فيها بلا عدد

بصرت به رث الثياب، بدون

مأوى، بلا أهل، بلا بلد

فتخيرته، وكان شافعه

لطف الغزال وقوة الأسد

ورأى الفتى الآمال مبتسمة

في وجهها، لفؤاده الكمد

والمال ملء يديه، ينفقه

متعففاً، إنفاق ذي حرد

ظمآن، والأهواء جارية

كالسلسبيل، يُرد دائماً

روض من اللذائذ، طيب

أثماره، خالٍ من الرصد

نعم، أفانين، يكاد لها

يختال من غلواه في برد

ماضيه، لو يعلم بحاضره،

رغم الأخوة مات من حسد

سكران، والكؤوس تشهد،

إن الكؤوس لها من العدد

سكران، لا يصحو كسكرته

أمساً، وسكرته غداة غد

سكران، وهي تزقه قبلاً

وهو يزقها، وإذا ازدادت زادت

سكران، وهي تمص من دمه

وتريه قلب الأم للولد

سكران، حتى رأسه أبداً

لا يستقر لكثرة النزف

لم تقل له: نم، نم لفجر غد

ضع رأسك الواهي على كبدي

نم، لا تثقل يا حبيبي على

مخمور جسمك واهني جلدك

عيناك متعبتان من السهر

ويداك راجفتان من جهد

– لا، لا أنام ولا أذوق كرى،

إن النهار قد مضى ولم يعد

لا، لا أنام ولا أذوق كرى،

أنا لست من يعيش لفجر غد

سلمى، أشعر بالنار تسري

في دمي، وتجري معه في جسدي

وأشعر قلبي مفتوحاً

للحب، للذات، وللرغد

إن ضاع يومي، فلن أندم على

خضر الربيع وزرقة الجلد

نم، لا تكابر، كاد رأسك أن

يهوي بكأسك، ولكن يدي ..

– يهوي! .. نعم يا شجاعتي ومنى

نفسي، وزهرة جنة الخلد

يهوي! .. ولم لا، والشباب ذوى

وعلى شبابي كان معتمدي

لم تبق لي منّي، سوى رمق

متراوح في أضلع خاذلة ..

رباه، مذ يومين كنت فتًى

لي قوتي وشبابي وغدي

واليوم، أسرع للبلى، وأنا

لم أبلغ العشرين أو أكثر

سلمى، إنك أنت قاتلي!

فجميل جسمك مدفني الأبدي

وطويل شعرك صار لي كفناً

كفن الشباب الذي ذوى وكان نديّ

سلمى، اطفئي الأنوار وافتحي

هذه الكوى لنسائم جديدة

ودعي شعاع الشمس يبتسم لي

فشعاعها ينعش كبدي

ودعي أريج الزهر يحسسني

وهديل طيور الأيكة

أنا، إن قضيت هوى، فلاطلعت

شمس الضحى بعدي على أحد

– أنا إن قتلتك كيف تحفظني

إن صح زعمك، جرّب مكنونك

أو كنت مت ليلة جهدي

يا مهجتي، خفف ولا تزد

– لا، أنت محييتي ومنقذتي

من عيشي المتنكر النكد

أفأنت قاتلتي؟ كذبت أنا،

لولاك كنت أذل من وتد

لكنما العشاق، عادتهم

ذكر المنايا، ذكر مبتهج

يبكون من جزع لذتهم

أن لا تكون طويلة الأمد ..

قلبي لقلبك خافق دائماً

ويظل يخفق غير متئد

– إن كان هذا، فهذه شفتي

من يشتعل في الحب يبرد

وتصافحا فعانقا فهما

روحان خافقتان في جسد

نهبا أوقات الصفاء، وقد

عكفا عليهما كعكوف المجتهد

وترشفا كأس الغرام، وما

تركا بها من نهلة لصدي

ومشى الهوى بهما كعادته،

والبحر لا يخلو من الزبد …

سنة مضت، فإذا خرجت إلى

ذاك الطريق بظاهر البلد

ولفت وجهك يمنة، فترى

وجهًا متى تذكره ترتعد:

هذا الفتى في الأمس، صار إلى

رجل هزيل الجسم منجرد

متلجلج الألفاظ مضطرب

متواصل الأنفاس مطرد

متجعد الخدين من سرف

متكسر الجفنين من سهد

عيناه عالقتان في نفق

كسراج كوخ نصف متقد

أو كالحباحب، باخ لامعة،

يبدو من الوجنات في خدد

تهتز أنامله، فتحسبها

ورق الخريف أصيب بالبرد

ويكاد يحمله، لما تركت

منه الصبابة، مخلب الصرد

يمشي بعجزه على مهل

فكأنه يمشي على قصد

ويمج أحياناً دماً، فعلى

منديله قطع من الكبد

قطع تآبين مفجعة

مكتوبة بدم بلا يد

قطع تقول له: تموت غداً

وإذا ترق، تقول: بعد غد ..

والموت أرحم زائر لفتى

متزمل بالداء مغتمد

قد كان منتحراً، لو أن له

شبه القوى في جسمه الخمص

لكنه، والداء ينهشه،

كالشلو بين مخالب الأسد ..

جلد على الآلام، ينجده

طلل الشباب ودارس الصيد ..

أين التي علقت به غصناً

حلو المجاني ناضر الملد

أين التي كانت تقول له:

ضع رأسك الواهي على كبدي؟

مات الفتى، فأقيم في جدث

مستوحش الأرجاء منفرد

متجلل بالفقر، مؤتزر

بالنبت من متيبس وندي

وتزوره حيناً، فتؤنسه

بعض الطيور بصوتها الغرد

المتنبي والشهباء

نفيت عنك العلا والظرف والأدب

وإن خلقت لها إن لم تزر حلباً

خذ الطريق الذي يرضي الفؤاد به

ولا تخف، فقديماً ماتت الرقاب

واسكب على راحتيها روح عاشقها

ومص من شفتيها الشعر والعنباً

أفدي الشفاه التي شاع الرحيق بها

وهم بالكأس ساقيها وما سكباً

كأنها نجمة طال السفر بها

عطشى رأت وهي تمشى منهلاً عذبا

توسدت شقتيه بعدما نهلت

وفارقت صاحبيها الليل والتعبا

ما للشفاه الكسالى لا تزودنا

فقد حملنا على أفواهنا القربا

بمهجتي شفة منهن باخلة

جاران تحسبنا إن تلقنا غربا

أهم بالنظرة العجلى وأمسكها

إذا قرأت على ألحاظها الغضبا

أنا الذي اتهمت عيناه قلبهما

فرحت أخلق من نفسي لي الريبا

أأمنع الشفة الدنيا لو طمحت

نفسي إلى شفة الفردوس ما انحجبا

ويمطر الضيم في أرضي وأشربه

وكنت لا أرتضي أن أشرب السحبا

ذر الليالي تمعن في غوايتها

فقد حشدت لها الأخلاق والعربا

شهباء لو كانت الأحلام كأس طلا

في راحة الفجر كنت الزهر والحببا

أو كان لليل أن يختار حليته

وقد طلعت عليه لا زدرى الشهبا

لو ألّف المجد سفراً عن مفاخره

لراح يكتب في عنوانه حلبا

لو أنصف العرب الأحرار نهضتهم

لشيدوا لك في ساحاتها النصبا

لكن خلقت لأمر ليس يدركه

من يعشق الذل أو من يعبد الرتبا

تعرى البطولة إلا من عقيدتها

والجبن أكثر ما تلقاه منتقبا

ملاعب الصيد من حمدان ما نسلوا

إلا الأهلة والأشبال والقضبا

الخالعين على الأوطان بهجتها

الرافعين على أرماحها القصبا

حسامهم ما نبا في وجه من ضربوا

ومهرهم ما كبا في إثر من هربا

ما جرد الدهر سيفاً مثل سيفهم

يجري به الدم أو يجري به الذهبا

رب القوافي على الإطلاق شاعرهم

الخلد والمجد في آفاقه اصطحبا

Related Posts

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *