أشعار أحمد شوقي التي تتناول موضوع الحياة

قصيدة حياة نريد لها عمر طويل

حياةٌ نرغبُ لها الاستمرارية

ودنيا لا نريد لها الانتقال

وعيشٌ وسط أروقة الموت سمٌّ

عُصاراته، حتى وإن بدت ظلالاً

وأيامٌ تتقلب بنا كالسحاب

وإن خُيِّلَ لنا أنها تسير كالنمل

نجعلها في الضمير مرهونة بالحب

ونسمعها التذمر والملل

قصارُ حين نجري اللهو فيها

طوالٌ حين نقطعها بفعالنا

ولم تضق الحياة بنا، ولكن

زحام السوء ضيقها مجالاً

ولم تقتل براحتها أبناءها

ولكن الناس سارعت إلى الموت اقتتالاً

ولو زاد الجميع من جهدهم وإخلاصهم

لزادهم جمالاً في هذه الحياة

كأن الله، عندما وزع المعالي

ادخر الكمال لأهل الواجب

سمعت لها أزيزاً وابتهالاً

ولوعاً بالصغائر واشتغالاً

وليسوا الأكثر ثراءً في العيش

ولكنهم الأرحب بالاً

إذا فعلوا، فهم خير الناس فعلاً

وإن قالوا، هم أكرمهم قولاً

وإن سألتهم الأوطان، أعطوا

دماءً حرة، وأبناءً، ومالاً

أبناء البلاد الشقيقة، سعوداء

تَحجَبت دموعه، فاندلقت

قضى بالأمس حقاً للأبطال

وأصبح حظ الشهداء اليوم غالياً

قصيدة وجدت الحياة طريقاً جديدة

وجدت الحياة طريقاً يجوب

إلى البعثة وشؤون أخرى

وما باطلاً ينزل النازلون

ولا عبثاً يقرّرون السفر

فلا تحتقر عالماً أنت فيه

ولا تنكر الآخر المامول

واختر لنفسك زادين: سيرةً

وعملاً صالحاً تدخر

وكن في الطريق عفيف الخطى

شريف السماع، كريم النظر

ولا تخلُ من عمل فوقه

فتعيش غير عبدٍ، ولا محقّر

وكن رجلاً يقال عنه بعد حين

مرّ وهذا الأثر في الأرض

قصيدة خطت يداك روضة غنّاء

اجتهد في فن الحياة وما تحمل

فإن الحياة ذات جمالٍ فارغ

بالفن عالجت الحياة طبيعةً

قد عالجت بالمياه الصحراء

تأوي إليها الروح من رمضائها

فتصيب ظلاً، أو تصادف ماءً

نبض الحضارة في كل الممالك

يجري بسلامة أو يدق الداء

إن صحّت فهي على الزمان صحيحة

أو زافت كانت ظاهراً وطلاءً

انظر – أبا الفاروق – غرسك، هل ترى

بالغرس إلا نعمة ونماء

من حبةٍ ذُخّرت وأيادٍ تعاونت

جاء الزمان بجنة فيحاء

وأكبَّت الفن الجميل خميلة

مدَّت الظلال، وأطالت الأفياء

بذل الجهود الصالحات جماعة

لا يسألون عن الجهود جزاءً

صحبوا فن رسولهم دون ملل

حباً وصدق مودة ووفاءً

دفعوا العقبات بالصمود، وجاوزوا

ما سرَّ من قدر الأمور وشؤم

إن التعاون قوةٌ عالية

تبني الرجال وتبدع الأشياء

فليرزقهم ربك وابل حركتهم

وكساهم نديّةً وسناءً

لم تظهر للعيون إلا غارساً

لذوي الأجيال أو بناّءً

تتجلى على الفترات ترتجل الندى

وتُمْنع صنع اليد البيضاء

في موكبٍ كالغيث سار رُكَّابه

بشراً، وحلَّ سعادة ورخاء

أنت اللواء الذي التفَّ قومك حوله

والتي تُعليها الشعوب لواءً

من كل مئذنة سمعت حباً

وبكل ناقوسٍ لقيت دُعاءً

يتألفان على الهتاف، كما انبرى

وترٌ يساير في البنان غناءً

خلقنا للحياة وللممات

خلقنا للحياة وللممات

ومن هذين كل الحوادث

ومن يولد يعش ويمت كأنما

يمر خياله بالكائنات

ومهد المرء في أيدي الرفاق

كالأخ بين النائحات

وما سلم الوليد من اشتكاء

فهل يخلو المعمر من أذى

هي الدنيا، قتال نحن فيه

مقاصد للحسام وللقناة

وكل الناس مدفوع إليه

كما دُفِع الجبان إلى الثبات

نروع ما نروع، ثم نرمى

بسهمٍ من يد المقدور آتي

صلاة الله يا تمزار تجزِي

ثراكِ عن التلاوة والصلاة

وعن تسعين عاماً كنتِ فيها

مثال المحسنات الفخرية

بررت المؤمنات، فقال كل:

لعلكِ أنتِ أمّ المؤمنات

وكانت في الفضائل باقيات

وأنت اليوم كلُ الباقيات

تبناك الملوك، وكنت منهم

بمنزلة البنين أو البنات

يظلّون المناقبَ منك شتى

ويؤوون التقى والصالحات

وما ملكوك في سوقٍ، ولكن

لدى ظل القنا والمرهفات

عنتِ لهم بمؤرة بنت عشر

وسيف الموت في هام القمات

فكنت لهم وللرحمن صيداً

وواسطة لعقد المسلمات

اتبعتِ محمداً من بعد عيسى

لخيرك في سنيك الأوائل

فكان الوالدان هدى وتقوى

وكان الولد هذه المعجزات

ولو لم تظهري في العرب إلا

بأحمد كنتِ خير الوالدات

تجاوزتِ الولائد فاخرات

إلى فخر القبائل واللغات

وأصون صائن لأخيه عرضاً

وأحفظ حافظ عهد اللدات

وأقتل قاتل للدهر خبراً

وأصبر صابر للغاشيات

كأني والزمان على قتالٍ

مُبارز بميدان الحياة

أخاف إذا تثاقلت الليالي

وأشفق من خفوف النائبات

وليس بنافعي حذري، ولكن

إباءً أن أراها باغتات

أمامون من الفلك العواصف

وبرجله يخط الدائرات

تأمل: هل ترى إلا شباكاً

من الأيام حولك ملقاة

ولو أن الجهات خلقن سبعاً

لكان الموت سابعة الجهات

لعاً للنعش، لا حباً، ولكن

لأجلكِ يا سماء المكرمات

ولا خانته أيدي حامليه

وإن ساروا بصبري والأناة

قصيدة مصاب بني الدنيا عظيم بأدهم

مُصاب بني الدنيا عظيم بأدهم

وأعظم منه حيرة الشعر في فمي

أأنطق والأنباء تترى بطيبٍ

وأسكت والأنباء تترى بمؤلم

أتيتُ بغالٍ في الثناء مكدسٍ

فمن لي بغالٍ في الرثاء يتصاعد

عسى الشعرُ أن يجزي جريئاً، لفقده

بكت الترك واليونان بالدمع والدم

وكم من شجاعٍ في العداء مكرم

وكم من جبانٍ في اللدات مذموم

وهل نافعٌ جري القوافي لغاية

وقد فتكت دهم المنايا بأدهم

رمَت فأصابت خيّر مُرمي بها العداء

وما السهم إلا للقضاء المحتوم

فتى كان سيف الهند في هيئة إنسان

وكان فتى القتيان في مسك ضاغط

لحيته على الإقدام حسّاد مجده

وما خُلِق الإقبال إلا لمقدم

مزعزع أجيال، وغاشي معاقل

وقائد جَرّار، ومُزْجي عَرَمْرَم

سلوا عنه مليوناً وما في شعابه

وفي ذروته من نسور وأعظم

وقال أناس: آخر عهدٍ بالملا

وهمتْ ظنون بالتراث المقسّم

فطلعت للإسلام والمملكة كوكباً

من النصر في داجٍ من الشك مظلم

ورحنا نباهي الشرق والغرب عزة

وكنا حديث الشامت المرحّم

مفاخر للتاريخ تُحْصَى لأدهم

ومَنْ يُقْرِضِ التاريخ يَرْبَح ويَغْنَم

أَلا أَيُّها الساعون، هل ليس الصفا

سواداً، وقد غصَّ الورود بزمزم

وهل أقبل الركبان ينعون خالد

إلى كل رامٍ بالجمار ومحرم

وهل من مسجدٍ تَتْلُونَ فيه رثاءه؟

فكم قد تَلَوْتُم مَدْحَهُ بالترنُم

وكان إذا خاض الأسنة والظبى

تَنَحَّتْ إلى أَن يَعْبَر الفارس الكمي

ومَنْ يُعْطَى في هذي الدنيّة فُسْحَة

يُعَمَّر وإن لاقَى الحروب ويسلم

عليٌّ أبو الزهراء داهية الوغى

دهاهُ بباب الدار سيف ابن ملجم

فروق، اضحكي وابكي فخراً ولوعة

وقومي إلى نعش الفقيد المعظّم

كأم شهيد قد أتاها نعيّة

فخفَّت له بين البكا والتبسّم

وخطِّي له بين السلاطين مضجعاً

وقبراً بجنب الفاتح المتقدم

بَخِلْتِ عليه في الحياة بمسيرة

فتوبي إليه في الممات بمأتم

ويا داءُ، ما أَنصَفْتَ إذْ رُعْتَ صدرهُ

وقد كان فيه الملك إن ريعَ يَحتمِي

ويا أيها الماشونَ حولَ سريره

أَحَطْتُم بتاريخٍ فصيح التكلّم

ويا مصر، من شيَّعتِ أعلى همامة

وأثبتت قلباً من رواسي المقطّم

ويا قوم، هذا من يقام لمثله

مثالٌ لباغٍ قدوة متعلم

ويا بحر، تدري قدر من أنت حاملٌ

ويا أرض، صونيه، ويا ربي، ارحم

Related Posts

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *