دراسة الطب
يُعتبر الطب من أوسع مجالات العلوم الحياتية، وقد كان لعلماء المسلمين دور بارز فيه. ولم يقتصر إسهامهم على معالجة الأمراض فحسب، بل شمل أيضًا تطوير مناهج تجريبية أثرت في جميع جوانب الممارسة الطبية سواء في الوقاية أو العلاج أو الأدوات المستخدمة، بالإضافة إلى الأبعاد الإنسانية والأخلاقية التي تحكم الأداء الطبي. لقد ساهم علماء الطب المسلمين في تغيير مسار العلوم الطبية نحو الأفضل.
أسماء علماء مسلمين مشهورين في الطب
من أبرز علماء الطب المسلمين:
أبو بكر الرازي
هو أبو بكر محمد بن زكريا الرازي، وُلِدَ عام 854م في مدينة الري بإيران وتوفي عام 925م. يُعتبر الرازي عالمًا رائدًا في مجالات الكيمياء والفلسفة، ويُعدّ أحد أعظم الأطباء في العالم الإسلامي.
بدأ الرازي ككيميائي قبل أن يتخصص في الطب، وقد عُيّن في وقت ما كبير الأطباء في مستشفى الري، ثم انتقل إلى بغداد حيث شغل منصبًا مشابهًا. يُعتبر كتاب “المنصوري” الذي ألّفه لأمير الري منصور بن إسحق من أهم أعماله، بالإضافة إلى “الحاوي في الطب” أو “الكتاب الشامل”، الذي استعرض فيه الطب اليوناني والسرياني والعربي المبكر إلى جانب بعض المعارف الطبية الهندية، مع إضافة تعليقات خاصة به. كما عُرفت له العديد من الأطروحات الصغيرة التي تناولت موضوعات مثل الجدري والحصبة، وقد تُرجمت أعماله إلى عدة لغات منها اللاتينية واليونانية والبيزنطية وغيرها.
ابن سينا
وهو أبو علي الحسين بن عبد الله بن سينا، وُلِدَ عام 980م في قرية أفشنة بالقرب من بخارى في آسيا الوسطى. يُعتبر ابن سينا من أبرز الأطباء والفلاسفة في عصره، وقد استمر تأثيره على الطب الإسلامي والأوروبي لعدة قرون، حيث أُطلق عليه لقب أمير الأطباء من قبل الأوروبيين.
ألف ابن سينا كتاب “القانون في الطب”، الذي يُعدّ من أكثر الكتب تأثيرًا في الطب الإسلامي، وهو موسوعة طبية تضم مليون كلمة تمثل تلخيصًا للطب العربي وتاريخه اليوناني، وتمت مراجعتها من خلال الملاحظات الشخصية لابن سينا. أصبح هذا الكتاب مقررًا دراسيًا في التعليم الطبي في أوروبا من القرن الثاني عشر إلى القرن السابع عشر.
في “القانون”، وثّق ابن سينا تشريح العين بشكل دقيق، ووصف حالات متعددة مثل إعتام عدسة العين، وأشار إلى أن مرض السل مُعدٍ، ووصف أعراض مرض السكري، وناقش أنواع شلل الوجه، بالإضافة إلى عدة اضطرابات نفسية منها ما يُعرف باضطراب الحب الذي يعتبره قريبًا من الاكتئاب.
كما تناول الكتاب عدة فصول حول التشريح العصبي الوظيفي للعمود الفقري، بما في ذلك بنية الفقرات وآليات حركته، وقد كتب بعض الباحثين عن مساهماته في طب فترة الحمل، بما في ذلك رعاية الرضع، وأنماط نومهم، والتغذية، وأسباب التشوّه.
ابن النفيس
يعتبر ابن النفيس طبيبًا وعالمًا وفيلسوفًا عربيًا وُلِدَ عام 1213م في دمشق وتوفي عام 1288م في القاهرة. درس الطب في دمشق ثم انتقل إلى مصر ليصبح كبير الأطباء في بيمارستان المنصوري.
غَطّى ابن النفيس مجموعة واسعة من الموضوعات، بما في ذلك علم وظائف الأعضاء، وطب العيون، وعلم الأجِنّة، وعلم النفس، واسهاماته في الفلسفة. وقد اشتهر بوصفه الأول للدورة الدموية الرئوية، حيث تحدّى النظرية القديمة لجالينوس التي كانت تتحدث عن انتقال الدم عبر المسام الصغيرة في الحاجز بين البُطينين. اعتقد ابن النفيس أن كل الدم الذي يصل إلى البطين الأيسر يمر عبر الرئتين.
أبو الحسن الطبري
أبو الحسن علي بن سهل ربان الطبري وُلِدَ عام 838م، وكان ينتمي لعائلة سريانية وقد اعتنق الإسلام ليُصنّف كأحد علماء المسلمين. عُرف كمبتكر في مجال طب الأطفال وتنمية الطفل، ويُذكر أنه تلميذ الرازي.
ألّف أبو الحسن كتاب “جنة الحكمة”، والذي يُعتبر واحدًا من أقدم الموسوعات الطبية. جمع فيه المعلومات حول جميع جوانب الطب من الملخصات الطبية اليونانية والسريانية والهندية، وقام بتقسيمها إلى سبعة أجزاء.
ركز الطبري في كتابه على الروابط القوية بين علم النفس والطب، مؤكدًا على أهمية العلاج النفسي في استجابة المرضى، حيث أشار إلى أن كثيرًا من المرضى يشعرون بالمرض نتيجة للأوهام، وأن العلاج الصحيح يمكن تحقيقه من خلال “الاستشارة الحكيمة”.