قصيدة وداع تلامس القلب
يقول ابن عنين:
حضرت لتوديعني والدمع يجرها
عند الرحيل هادي بيننا مُنفصل
وقد اقتربت وهي في حالة من خوف ودهشة
كأنها غزالة قد انتزعت من الشباك
فلَم تستطع تحمّل خوف الواشي أثناء وداعي
ويح الوشاة لقد لاموا واستبشروا
وقفتُ أبكي ورحلت وهي تبكي
تسير قليلاً ثم تتلفت
فيا قلبي كم من وجع وكم من حزن
ويا زماني ذا جور وذا عنت
قصيدة تحذير من العذل
يقول ابن زريق البغدادي:
لا تعذليه فإن العذل يولعه
قد قلتي حقا ولكن ليس يسمعه
جاوزتِ في لومه حدا أضر به
من حيث قدرتِ أن اللوم ينفعه
فاستعملي الرأفة في تأنيبه بدلاً
من عذله فهو مُضنى القلب مُوجعه
قد كان مُضطلاً بالخطب يحملُهُ
فقد ضاقت بخطوب المهر أضلعه
يكفيه من لوعات التشتت أنه
يعيش كل يوم ما يُروعه
ما عاد من سفرٍ إلا وأزعجه
رأي إلى السفر بالعزم يزمعه
كأنه في حال ومرتحلٍ
موكلٍ بفضاء الله يذرعُه
إن الزمان أراه في الرحيل غنىً
ولو إلى السد أضحى وهو يُزمعه
تأبى المطامع إلا أن تجشمه
للرزق كداً وكم ممن يودعه
وما مجاهدة الإنسان توصله
رزقاً ولا داعية الإنسان تقطعُه
قد وزع الله بين الخلق رزقهم
لم يخلق الله من خلق يُضيعه
لكنهم كُلِّفوا حرصاً فلستَ ترى
مسترزقاً وسوى الغايات تقنعُه
والحرص في الرزاق والأرزاق قد قُسِمت
بغيٌ ألا إن بغي المرء يصرعُه
والمهر يُعطى الفتى من حيث يمنعه
إرثاً ويمنعه من حيث يطمعه
استودع الله في بغداد لي قمراً
بالكرخ من فلك الأزرار مطلعه
ودعته وودي لو يودعني
صفو الحياة وأنني لا أودعه
وكم تشبث بي يوم الرحيل ضحىً
وأدمعي مستهللات وأدمعه
لا أكذب الله ثوب الصبر منخرقٌ
عني بفُرقته لكن أرقعه
إني أوسع عذري في جنايته
بالبين عنه وجريمي لا يوسعُه
رزقت مملكة فلم أحسن سياسته
وكل من لا يسوس الملك يخلعه
ومن غدا لابساً ثوب النعيم بلا
شكر عليه فإن الله ينزعه
اعتضدت من وجه خلي بألمٍ
كأساً أجرعُ منها ما أجرعُه
كم قائلٍ لي ذقت البين قلت له
الذنب والله ذنبي لست أدفعه
ألا أقمت فكان الرشد أجمعه
لو أنني يوم بان الرشد اتبعه
إني لأقطع أيامي وأنفنها
بحسرةٍ منه في قلبي تقطعُه
بمن إذا هجعتُ النوام بت له
بِلوعَةٍ منه ليلى لست أهجعه
لا يطمئن لجانبي مضجعٌ وكذا
لا يطمئن له مُذ بنت مضجعه
ما كنتُ أحسب أن المهر يفجعني
به ولا أن الأيام تفجعُه
حتى جرى البين فيما بيننا بيدٍ
عسراء تمنعني حظي وتمنعه
قد كنتُ من ريب مهري زاعقاً فَرِقاً
فلَم أوقَّ البغي الذي كنتُ أجزعُه
بالله يا منزل العيش الذي درست
آثاره وعفت مُذ بنتُ أربعه
هل الزمان معيدٌ فيك لذتنا
أم الليالي التي أمضتها ترجعُه
في ذمة الله من أصبحت منزله
وجاد غيثٌ على مغناك يُمرعُه
من عنده لي عهدٌ لا يُضيعه كما
له عهدُ صداقٍ لا أُضيعُه
ومن يصدع قلبي ذكره وإذا
جَرى على قلبي ذكري يُصدعُه
لأصبرن لمهرٍ لا يمتعني
به ولا بي في حالٍ يمتعُه
علماً بأن اصطباري مُعقبٌ فَرَجاً
فأضيق الأمر إن فكرت أوسعُه
عسى الليالي التي أضنت بفُرقَتنا
جسمي ستجمعني يوماً وتجمعُه
وإن تغلُ أحداً منا منيته
فما الذي بقضاء الله يصنعُه
قصيدة تعبر عن حب قديم
يقول محمود درويش:
-1-
على الأنقاض وردتُنا
ووجهانا على الرملِ
إذا مرّتْ رياحُ الصيفِ
أشرعنا المناديل
على مهل.. على مهلِ
وغُبنا بطَي أغنيتين، كالأسرى
نراوغ قطرة الطّل
تعالي مرة في البال
يا أُختاه!
إن أواخر الليلِ
تعرّيني من الألوان والظلّ
وتحميني من الذل!
وفي عينيك، يا قمري القديم
يشدُّني أصلي
إلى إغفاءةٍ زرقاء
تحت الشمس.. والنخلِ
بعيداً عن دجى المنفى..
قريباً من حمى أهلي
-2-
تشهّيتُ الطفولة فيكِ
مذ طارت عصافيرُ الربيعِ
تجردَ الشجرُ
وصوتك كان، يا ماكان،
يأتيني
من الآبار أحياناً
وأحياناً ينقّطه لي المطر
نقياً هكذا كالنارِ
كالأشجار.. كالأشعار ينهمرُ
تعالي
كان في عينيك شيء أشتهيهِ
وكنتُ أنتظرُ
وشدّيني إلى زنديكِ
شديني أسيراً
منك يغتفر
تشهّيت الطفولة فيك
مذ طارت
عصافير الربيع
تجرد الشجرُّ!
-3-
ونعبر في الطريق
مكبَّلين..
كأننا أسرى
يدي، لم أدر، أم يدُكِ
احتست وجعاً
من الأخرى؟
ولم تطلق، كعادتها،
بصدري أو بصدرك..
سروة الذكرى
كأنّا عابرا دربٍ،
ككلّ الناس،
إن نظرا
فلا شوقاً
ولا ندماً
ولا شزراً
ونغطس في الزحام
لنشتري أشياءنا الصغرى
ولم نترك لليلتنا
رماداً.. يذكر الجمر
وشيء في شراييني
يناديني
لأشرب من يدك
ترمّد الذكرى
-4-
ترجّلَ، مرةً، كوكب
وسار على أناملنا
ولم يتعبْ
وحين رشفتُ عن شفتيك
ماء التوت
أقبل، عندها، يشربْ
وحين كتبتُ عن عينيك
نقّط كل ما أكتب
وشاركنا وسادتنا..
وقهوتنا
وحين ذهبتِ..
لم يذهب
لعلي صرت منسياً
لديك
كغيمة في الريح
نازلة إلى المغربْ..
ولكني إذا حاولتُ
أن أنساك..
حطّ على يدي كوكبْ
-5-
لك المجدُ
تجنّحَ في خيالي
من صداك..
السجنُ، والقيدُ
أراك، استندتُ
إلى وسادٍ
مهرةً.. تعدو
أحسكِ في ليالي البرد
شمساً
في دمي تشدو
أسميك الطفولة
يشرئبّ أمامي النهدُ
أسميكِ الربيع
فتشمخ الأعشاب والوردُ
أسميك السماء
فتشمت الأمطار والرعدُ
لك المجدُ
فليس لفرحتي بتحيُّري
حدُّ
وليس لموعدي وعدُ
لك.. المجدُ
قصيدة عن زيد وذكراه
يقول جرير:
إذا ذكرت زيداً ترقرق دمعها
بمطرّفة العينين شوساء طامحِ
تبكي على زيد ولم ترَ مثله
صحيحاً من الحمى شديد الجوانحِ
أعزيكِ عما تعلمين وقد أرى
بعينيكِ من زيد قذى غير بارحِ
فإن تقصدي فالقصد مني خليقٌ
وإن تجمحي تلاقي لجام الجوامحِ