أشعار عن فراق الأصدقاء

قصيدة قريبة من الجرح القديم

يقول قاسم حداد:

على بعدٍ قليل من الجرح القديم، بدأتُ استثني انتحار الأصدقاء من السجلات. كلما ناقشتُ في المحل حول ورق الكتابة، قيل لي: خذ ما تحتاجه؛ فسوف تنشأ قيمة المكتوب من أسماء من اختاروا الانتحار. اكتبهم، وسوف تجري سيرتهم مثل ماء الزعفران. خذ لهم واكتب لنا عن أصدقائك الذين رحلوا. دعونا من سوق الوراق، واختر حبراً من القلب الجريح، ولا تؤجل ذكر موتهم، فالأصدقاء هم ذخيرة النص. خذ ماء الكتابة وانتظر خفق الملاك، ففي كل مرة تجادل فيها في الحانوت، سيبكي الوراق وتسيل دماء الأصدقاء.

قصيدة أصدقائي

كما يقول قاسم حداد:

أستطيع أن أميز أن من غاب عني صديق، ومن وافته المنية صديق، ومن باعني في الصباح صديق، ومن ظنَّني عدواً صديق. ومن ضمَّني بعينيه صديق، ومن حمل سيفه فوق حبي صديق، ومن أعد لي كفناً في إحدى الليالي صديق، ومن خنقني بين الحشود صديق، ومن جادلني ذات يوم صديق، ومن حارب الوهم من أجلي صديق، ومن داس على جرح قلبي صديق، ومن تاه بي في الزحام صديق، ومن اختار بعد قلبي صديق. أميزهم… كل نجم هم أصدقاء.

قصيدة أصبح الإبعاد بديلاً لاقترابنا

يقول ابن زيدون:

لقد أصبح البعد بديلاً للاقترب منا،

وناب عن طيب لقيانا هذا التباعد.

ألا وقد حان صبح الفراق الذي أتمناه،

حين قام بنا للحزن ناعينا.

من الذي سيخبر تخلصينا من هذا الشعور؟

حزناً مع الدهر الذي لا يتغير.

إن الزمن الذي ظل يضحكنا،

أصبح قريباً بنقائضهم يعود ليبكينا.

غيظ الأعداء من حبنا، فدعاهم ليحبطوا،

فقال الزمن آمين.

فانحل ما كان معقوداً في أنفسنا،

وانتزع ما كان موصولاً بأيدينا.

وقد ربما نكون وما يخشى تفرقنا،

فلقد كنا نأمل يومًا بالتلاقي.

يا ليت شعري، ولم نعاتب أعداءكم،

هل نالوا حظاً من العتبى عندنا؟

لم نعتقد قبلكم إلا الوفاء لكم،

رأياً ولم نعتنق غيره دِيناً.

ما حقكم أن تقروا أعين الحاقدين،

بذلنا ولا أن تسروا كاشحاً فينا.

كنا نرى اليأس يثيرنا،

وقد يئسنا فما لليأس يغوينا.

بدأتم وبنا فما ابتلت جوانحنا،

شوقًا إليكم وما جفت عيوننا.

نَكادُ عندما تناجيكم ضمائرنا،

يقضي علينا الأسى لولا تأسيينا.

حال غيابكم أيامنا فغدت،

سودًا وكانت بكم ليالينا.

عندما كان العيش خالياً من تألفنا،

ومرابع اللهو صافية من تصافينا.

وعندما أدخلنا فنون الوصل،

جنيَا منها ما شأنا.

ليغمر عهدكم عهد السعادة،

فلم تكونوا لأرواحنا إلا شريكة.

لا تظنوا أن بعدكم يغيرنا،

طالما غيّر البعد المحبين.

والله ما طلبت أهواؤنا بديلاً،

مِنكم ولا انسحبَت عنا آمانينا.

يا سارية البرق غادر القصر وامسح،

ممن كان صرف الهوى والود يجيد.

واسأل هناك هل عنى تذكّرنا،

إلفًا تذكّره يصبح يعنينا.

ويا نسيم الصبا بلّغ تحيّتنا،

من لو على البعد حيا كان يُحيينا.

فهل أرى الدهر ينقذنا مُساعفاً،

منه وإن لم يكن غباً تقاضينا.

ربيب ملك كأن الله أنشأه،

مِسكاً وقدَّر إنشاؤه من الطين.

أو صاغه ورقاً محضاً وتَوَّجه،

من ناصع التبر إبداعاً وتحسيناً.

إذا تأنق آدته رفاهاً،

فإن حقه من العيش كان غريباً.

كانت له الشمس ضياءً في أكله،

بل ما تجلّى لها إلا أحايينا.

كأنما أُثبتت في صحن وجنته،

زهر الكواكب تعويذًا وتزييناً.

ما ضرّ أن لم نكن أكفاءه شرفًا،

وفي المودة كافٍ من تكافينا.

يا روضةً طالما أجنت لواحظنا،

وردًا جلاه الصبا غضا ونسيمينا.

ويا حياةً تمتعنا بزهرتها،

منىً ضروبًا ولذّات أفانينا.

ويا نعيمًا خطرنا من غضارته،

في وشي نعما سحبنا ذيله حيناً.

لسنا نسميك إجلالاً وتكرّمة،

وقَدْركِ المتعالي عن ذلك يغنينا.

إذا انفردتِ وما شُركتِ في صفة،

فحسبنا الوصف إيضاحًا وتبييناً.

يا جنة الخلد، أبدلينا بسدرتك،

والكوثر العذب زقوماً وغسلاً.

كأننا لم نبت والوصل ثالثنا،

والسعد قد غدّ من أجفان واشينا.

إن كان قد عزَّ في الدنيا اللقاء بكم،

في موقف الحشر، نلقاكم وتلقونا.

سرّان في خاطر الظلماء يكتمانا،

حتى يكاد لسان الصبح يفشينا.

لا غرابة في أن ذكرنا الحزن حين،

نهي عنهُ النهي وتركنا الصبر ناسينا.

إنّا قرأنا الأسى يوم النوى سُوَرًا،

مكتوبةً وأخذنا الصبر تلقينا.

أما هواكِ فلم نعدل بمنهله،

شرابًا وإن كان يروينا فيظّمينا.

لم نجف أفق جمال أنتِ كوكبه،

سالين عنه ولم نهجره قَلِينا.

ولا اختياراً تجنبناه عن كثبٍ،

لكن عدتنا على كرهٍ عادينا.

نأسى عليكِ إذا حثّت مشعشعةً،

فينا الشمول وغنّانا مغنّينا.

لا أكؤس الراح تبدو من شَمائلنا،

سِيَما ارتياحٍ ولا الأوتار تلهينا.

دومي على العهد ما دمنا محافظين،

فالحُرُّ من دان إنصافًا كما دينا.

فما استعضنا خليلاً منكِ يحبِسُنا،

ولا استسسنا حبيباً عنكِ يثنينا.

ولو صبا نحوَنا من علو مطلعه،

بدر الدجى لم يكن حاشاكِ يُصبينا.

قصيدة أحباب قلبي، أنتم

يقول بلبل الغلام الحاجري:

أحباء قلبي، لقد كنتمُ،

:::وكل سُؤلي كنتمُ.

لا أُحشِشَ الله الحمى،

:::ولا العقيق منكمُ.

كم قد بكيتُ ربوعكم،

:::وكم سألتُ عنكمُ.

كيف اشتغالي عنكم،

:::وكل شغلي أنتمُ.

القُرب منكم صحةٌ،

:::والبعد عنكم سقمُ.

وكلما ذكرتُكم،

يفيض من عيني دمعُ.

قصيدة لا عَذْبٌ من لم يصحب الخُذوما

يقول إيليا أبو ماضي:

يا صاحبي، وهواك يجذبني،

حتى لأحسب بيننا رحما.

ما ضرّنا، والود ملتئم،

أن لا يكون الشمل ملتئماً.

الناس تقرأ ما تسوّده،

حبراً ويقرأه أخوك دما.

فاستبقي نفساً، غير مرجعة،

عضّ الأنامل بعدما ندم.

ما أنت مبدلهم خلائقهم،

حتى تكون الأرض وهي سما.

زارتك لم تهتك معانيها،

غرّاء يهتك نورها الظلما.

سبقت يدي فيها هواجسهم،

ونطقت لما استصحبوا البكما.

إذا تقاس إلى روائعهم،

كانت روائعهم لها خُدُمَا.

كالرّاح لم أر قبل سامعها،

سكرانَ هِدَّ السكر مُحتشما.

يخد القفار بها، أخو لجب،

:::يُنسي القفار الأينق الرسما.

أقبسته شوقي فأضلعه،

كأضالعي مملوءة ضرما،

إن الكواكب في منازلها،

لو شئت لاستنزلتها كلما.

قصيدة يا الصاحب اللي لنا من شوفتك مده

يقول حامد زيد:

يا الصاحب اللي لنا من شوفتك مدد،
دري تغيرت ولا خوف من عندك.
الله لا عاد يومن راح بك جده،
قمته تكبر ولا عاد أحد قد.
كسهيت لحظة وقمت ابحث بجوالي،
اقرأ الرسائل وامسح ما بقى منها.
لقيت ذكرى رسالة والرقم غالي،
مكتوب فيها إذا أنا مت فامسحها.
فكرت فيك ولقيتك عايش وسالي،
يوم ظن يا صاحبي في يوم تذكرها.
الموت عندي يساوي غيابك الحالي،
والحين بستأذنك يا زين وامسحها.
غريبة حيل هالدنيا تفرقنا بدون شعور،
ولا ترحم ولا تعطف ولا تقدر صداقتنا.
صحيح إن الزمن دوار وأيام الزمان تدور،
صحيح إن الوداع صعب وهو أعظم مصائب.
نتوادعنا، وتفارقنا، ومشينا جنب ذاك السور،
جميلة أيامنا كانت سعادتنا وشقاوتنا.
أحد ينسى ذاك الصوت المعروف والمشهور،
يصبحنا بتهزيئه ويقول: اسمعوا إذاعتنا.
وعشان نعصي أوامرهم كنا نأخر الطابور،
ونتفلسف وتقهرهم ونجاوبهم بضحكتنا.
وتبدأ الحصة الأولى ويجينا المدرس المغرور،
نحاول نحرق أعصابه بما تحمله خبرتنا.
ويجينا الثاني بوجه مبتسم مسرور،
ونقلب ضحكته هم وهذه هي عادتنا.
ننسى المدرس والحصة نجاوب ننصب الجرور،
نزيد الطين بلة ونستعبط بإجابتنا.
نسولف بأول الحصة نكتب والقلم مكسور،
نموه للمدرس ما درى وشهي كتابتنا.
نشاغب نزعج ونضحك ولكن قلبنا عصفور،
نسامح غلطة الثاني لجل خاطر برائنا.
أصدقاء يوفقكم إلهي الواحد المشكور.

Related Posts

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *