لقد اختار الله العديد من الأنبياء والرسل من بين الرجال، بينما اصطفى أربع نساء كما أخبرنا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. النساء الأربع هن: (آسية زوجة فرعون، مريم ابنة عمران، خديجة بنت خويلد، وفاطمة الزهراء ابنة محمد عليه الصلاة والسلام).
في هذا المقال، سنتناول السيدة مريم ونتحدث عن سؤال كمكان قبر مريم العذراء.
التعريف بالسيدة مريم العذراء
نسبها ونشأتها
نبدأ المقال بتسليط الضوء على شخصية السيدة مريم من خلال النقاط التالية:
- ترجع نسب السيدة مريم العذراء إلى عائلة صالحة ومؤمنة من بني إسرائيل، وكان والدها عمران ووالدتها حنّة، حيث كانت أسرة عمران تقيم في مدينة القدس بالقرب من بيت المقدس.
- عندما حملت زوجة عمران، قامت بنذر الطفل الذي في بطنها ليكون محررًا لخدمة بيت المقدس.
- تمنت حنّة أن تلد مولودًا ذكرًا ليتمكن من القيام بمهمة الخدمة، ولكن حين ولدت أنثى، وفىّت بنذرها وسماها مريم، ودعَت الله أن يعيدها وذريتها من الشيطان الرجيم.
- تقبل الله السيدة مريم برعاية وحفظ من وساوس الشيطان.
- عاشت السيدة مريم مع والدها عدة سنوات، ولكن القدر شاء أن يتوفى عمران وهي لا تزال صغيرة.
- بعد وفاة والدها، كان على أقرباء مريم أن يختاروا من يتولى رعايتها، فوقع الاختيار على نبي الله زكريا عليه السلام، زوج خالتها.
- كان زكريا يولي السيدة مريم عناية خاصة واهتمامًا كبيرًا أثناء خدمتها في بيت المقدس، وكما كان يجد عندها طعامًا وفواكه في غير أوانها عندما يدخل عليها.
- عندما سأل زكريا السيدة مريم عن مصدر الطعام، أجابت بأنه رزق من الله، حيث يرزق الله من يشاء من عباده بغير حساب.
- عندما رأى زكريا رحمة الله العظيمة على السيدة مريم، طلب من ربه أن يرزقه مولودًا ذكرًا يؤتيه نبوة، فاستجاب الله له ورزقه بيحيى عليه السلام.
ولادة المسيح عيسى بن مريم
يمكن تلخيص حمل السيدة مريم وولادتها إلى نبي الله عيسى بالملاحظات التالية:
- أرسل الله روح القدس جبريل عليه السلام إلى السيدة مريم على هيئة بشر.
- وكانت تتعبد في بيت المقدس حيث أخبرها أنها ستلد غلامًا له مكانة عظيمة.
- استعاذت السيدة مريم بالله ظنًا منها أنه شيطان، فأخبرها جبريل أنه رسول الله إليها.
- استفسرت مستغربة كيف يمكن أن تحمل وهي غير متزوجة ولم ترتكب الفاحشة.
- أجابها جبريل بأن ذلك هو مشيئة الله، وإرادته نافذة بلا شك.
- ومولودها سيكون رحمة خاصة لها ولبني إسرائيل.
- اختلفت الروايات حول مدة حمل السيدة مريم؛ فبعضهم قال إنها حملت وولدت في يومٍ واحد.
- بينما قال آخرون إنها حملت حملًا طبيعيًا كامل المدة، وكان تسعة أشهر.
- عندما حانت ولادتها، ذهبت إلى مكان بعيد عن الناس واستندت إلى جذع شجرة نخلة.
- جاءها المخاض ووضعت عيسى.
- من شدة خوفها من عدم تصديق الناس أن الأمر معجزة من الله، تمنت لو أنها ماتت قبل أن تحمل وتلد.
- عند تلك اللحظة، أنطق الله عيسى وأخبرها ألا تحزن، إذ تكفل الله بتأييدها وتبرئتها أمام الناس.
- وطالب عيسى أمه بضرب النخلة لتتغذى على الرطب وتقوي نفسها.
- وفي حال سألها أحد عن كيفية ولادتها له، فعليها أن تلتزم الصمت.
- حملت مريم وليدها إلى الناس، واستغربوا كيف تفعل ذلك من عائلة صالحة.
- فأنطق الله عيسى ليعلن أنه عبد الله ورسوله.
- وكانت ولادته كرامة لمريم ورحمة لبني إسرائيل.
حياة السيدة مريم بعد ولادة المسيح
بعد أن أنطق الله عيسى وهو في المهد، أيقن بني إسرائيل ببراءة مريم وأن هذا المولود هو نبي أرسله الله لهم.
استمرت السيدة مريم في حياتها مع أسرتها واعتنت بوليدها حتى كبر.
أنزل الله الإنجيل عليه وأيده بمعجزات عديدة، فكان يشفي الأبرص والأعمى بمجرد لمسة من يده.
كما كان يصنع من الطين طائرًا فينفخ فيه فيصبح طائرًا بإذن الله، وأحيا الأموات أيضًا بفضل الله.
وعندما رأى اليهود انتشار دعوته، وشاءوا أن يتخلصوا منه، أرادوا قتله. وعندئذٍ، رفعه الله إليه.
وألقى الله شبهه على يهوذا الإسخريوطي، حيث صلب وقتل وهذا يعتبر عقيدة المسلمين.
مكان قبر السيدة مريم
سنتناول في هذا القسم الحديث عن وفاة السيدة مريم ومكان دفنها من خلال النقاط التالية:
- تجمع معظم الطوائف المسيحية على أن السيدة مريم العذراء قد رفعت إلى السماء بجسدها وروحها.
- ولم يبق جسدها على الأرض لأنّها خالية من الخطيئة.
- لكن هناك اختلافات في التفاصيل بين الطوائف، وخاصة الكاثوليكية والأرثوذكسية.
- يعتقد الأرثوذكس أن السيدة مريم توفيت ودفنت ثم رفعت إلى السماء.
- ويزعمون أنها دفنت في بستان الزيتون بالقرب من بيت المقدس، وما يزال قبرها موجودًا حسب اعتقادهم، ويزورونه.
- وفقًا للعقيدة الإسلامية، ورغم كون السيدة مريم شخصية مميزة، فإنها تبقى بشرًا.
- فهي تأكل وتشرب وتمرض وتنام وتموت، ولهذا فإن السيدة مريم في نظر المسلمين قد ماتت ودفنت كما ينطبق على بقية البشر، لكن موقع قبرها غير معروف.
قبر السيدة مريم حسب الطوائف المسيحية
تختلف الطوائف المسيحية، خاصة الكاثوليك والأرثوذكس، بشأن كيفية انتقال السيدة مريم إلى السماء، وسنقوم بتلخيص ذلك بالنقاط التالية:
- تحتفل معظم الطوائف المسيحية بصيام خاص يُعرف بصيام انتقال العذراء مريم إلى السماء، والذي يبدأ في الأول من أغسطس وينتهي في الخامس عشر من الشهر ذاته.
- أما بالنسبة للطائفة الكاثوليكية، فترى أن العذراء مريم قد رفعت قريبًا من جسمها وروحها إلى السماء، كما أعلن البابا بيوس الثاني عشر عام 1950 م بعد دراسات لاهوتية، لأن موت الجسد حاصل بسبب وراثته للخطيئة الأولى، وبالتالي، ليس هناك ما يبرر موت جسد مريم.
- بينما تؤمن الأرثوذكسية بأن السيدة مريم عاشت عدة سنوات بعد وفاة المسيح، وفارقت الحياة في بستان الزيتون ودفنت هناك، قبل أن تعود لها الروح بعد ثلاثة أيام وترفع إلى السماء.
- لكن بعض كهنة الكنيسة الأرثوذكسية احتجوا على هذا بقولهم إنها رفعت بعد ثلاثة أيام من وفاتها، لكن بدون عودة الروح إليها.
يتعلق موضوع قبر السيدة مريم بقضايا مختلفة بين العلماء، حيث يستند العديد من الروايات حول موقع قبرها إلى مصادر غير إسلامية، ومنها الإسرائيليات، وبالتالي فهي ليست مثبتة إسلاميًا. في المقابل، هناك بعض الروايات التي نقلت عن أهل الكتاب وتاريخيات مختلفة، ومنها:
رواية ابن بطوطة
- ذكر ابن بطوطة في كتابه “رحلة ابن بطوطة” أن قبر السيدة مريم العذراء يوجود في القدس في بطن الوادي، حيث يوجد كنيسة يُعظمها النصارى.
رواية المقدسي
- في كتابه “البديع في تفضيل الإسلام”، أشار المقدسي إلى أن الكنيسة المبنية على قبر السيدة مريم في القدس هي كنيسة الجسمانية وأن قبرها تحت قبّتها.
رواية ابن الجوزي
- نقل ابن الجوزي في كتابه “فضائل بيت المقدس” بعض الروايات التي تذكر أن قبر السيدة مريم العذراء يقع على يسار المسجد الأقصى، ولكن هذه الرواية ليست مؤكدة.
رواية عز الدين ابن شداد
- وصف ابن شداد في مؤلفاته المكان الذي يحتوي على القبر بأنه يحتوي على 36 درجة، وفيه أعمدة كثيرة مصنوعة من الحجر، بينما تحت القبة هناك 16 عمودًا.
رواية ابن الوردي
- أشار ابن الوردي إلى أن قبر السيدة مريم موجود في الكنيسة قرب باب يُعرف بباب الأسباط.
رواية العليمي
- ذكر العليمي أن قبر السيدة مريم يقع في طرف جبل الطور في فلسطين.
