تفسير قصيدة “تجري الرياح بما لا تشتهي السفن” للشاعر أبو الطيب المتنبي

تُعرف هذه القصيدة باسم “تجري الرياح بما لا تشتهي السفن”، حيث تعبر عن خيبة الأمل التي شعر بها الشاعر أثناء كتابتها، مما يعكس بعض الأقدار. وكان الاسم الأصلي للقصيدة هو “بم التعلل”، وقد قيلت على لسان الشاعر أبو الطيب المتنبي. وفي هذا المقال، سنتناول شرح أبيات هذه القصيدة للشاعر المتنبي.

شرح قصيدة المتنبي “تجري الرياح بما لا تشتهي السفن”

لم يبدأ المتنبي في قصيدته بالطريقة التقليدية المتمثلة في الوقوف على الأطلال، بل قدّم شكواه، مما يدل على حالته النفسية التي كانت تسيطر عليه في ذلك الوقت.

انتهت هذه القصيدة بعدد من خيبات الأمل المتكررة، وكانت نقطة تحول كبيرة في علاقته بسيف الدولة. لذا، سنقوم بشرح بعض الأبيات من هذه القصيدة:

الجزء الأول من القصيدة

تقول الأبيات:

بِمَ التَعَلُّلُ لا أَهلٌ وَلا وَطَنُ

وَلا نَديمٌ وَلا كَأسٌ وَلا سَكَنُ

أُريدُ مِن زَمَني ذا أَن يُبَلِّغَني

ما لَيسَ يَبلُغُهُ مِن نَفسِهِ الزَمَنُ

لا تَلقَ دَهرَكَ إِلّا غَيرَ مُكتَرِثٍ

مادامَ يَصحَبُ فيهِ روحَكَ البَدَنُ

فَما يَدومُ سُرورٌ ما سُرِرتَ بِهِ

وَلا يَرُدُّ عَلَيكَ الفائِتَ الحَزَنُ

مِمّا أَضَرَّ بِأَهلِ العِشقِ أَنَّهُمُ هَوُوا

وَما عَرَفوا الدُنيا وَما فَطِنوا

شرح الجزء الأول من القصيدة

في مطلع قصيدته “تجري الرياح بما لا تشتهي السفن”، يعبّر المتنبي عن افتقاده للسعادة والأشياء التي تمنحه الراحة النفسية، حيث كان يعيش بعيدًا عن أهله ووطنه، مما زاد شعوره بالغربة بسبب فقدانه لأحد أصدقائه الأعزاء.

يستخدم المتنبي كلمات مؤلمة للتعبير عن ضياع بعض مقومات الحياة الإنسانية والاجتماعية، وكأنما يتحدث إلى الزمن، يطلب منه المساعدة في تحقيق الأحلام التي لم يستطع الزمن الوفاء بها.

ثم يتوجه المتنبي إلى المتلقي، مشيرًا إلى ضرورة عدم الاكتراث بالزمن الغريب ما دام الحيوية لا تزال ترافق الروح، حيث كل شيء في الحياة زائل، والعنصر الوحيد الذي لا يعوض هو الروح ذاتها.

هكذا، يظهر أن الفرح والحزن أشياء متقلبة لا تدوم مع مرور الزمن، تأكيدًا من خلال الأمثال المستمدة من قصص العاشقين.

الجزء الثاني من القصيدة

تقول الأبيات:

تَحَمَّلوا حَمَلَتكُم كُلُّ ناجِيَةٍ

فَكُلُّ بَينٍ عَلَيَّ اليَومَ مُؤتَمَنُ

ما في هَوادِجِكُم مِن مُهجَتي عِوَضٌ

إِن مُتُّ شَوقاً وَلا فيها لَها ثَمَنُ

يا مَن نُعيتُ عَلى بُعدٍ بِمَجلِسِهِ

كُلٌّ بِما زَعَمَ الناعونَ مُرتَهَنُ

كَم قَد قُتِلتُ وَكَم قَد مُتُّ عِندَكُمُ

ثُمَّ اِنتَفَضتُ فَزالَ القَبرُ وَالكَفَنُ

قَد كانَ شاهَدَ دَفني قَبلَ قَولِهِمِ

جَماعَةٌ ثُمَّ ماتوا قَبلَ مَن دَفَنوا

شرح الجزء الثاني من القصيدة

في هذا الجزء، يخاطب المتنبي سيف الدولة الحمداني بعد أن نشرت الشائعات حول وفاة المتنبي، مؤكداً أن الموت أمر لا مفر منه، حيث تعرض المتنبي في حياته للعديد من الشائعات حول وفاته، ولكنه في الواقع ما يزال حيًا.

يؤكد المتنبي من خلال هذه الأبيات تقبل فكرة الموت ويظهر أنه قد تحرر من الأذى الذي تسببت فيه تلك الشائعات.

الجزء الثالث من القصيدة

تقول الأبيات:

ما كُلُّ ما يَتَمَنّى المَرءُ يُدرِكُهُ

تَجري الرِياحُ بِما لا تَشتَهي السُفُنُ

رَأَيتُكُم لا يَصونُ العِرضَ جارُكُمُ

وَلا يَدِرُّ عَلى مَرعاكُمُ اللَبَنُ

ظل الشاعر يسخر من عجز

كُلِّ قَريبٍ مِنكُمُ مَلَلٌ

وَحَظُّ كُلِّ مُحِبٍّ مِنكُمُ ضَغَنُ

وَتَغضَبونَ عَلى مَن نالَ رِفدَكُمُ

حَتّى يُعاقِبَهُ التَنغيصُ وَالمِنَنُ

فَغادَرَ الهَجرُ ما بَيني وَبَينَكُمُ

يَهماءَ تَكذِبُ فيها العَينُ وَالأُذُنُ.

شرح الجزء الثالث من الأبيات

في هذه الأبيات، يرى المتنبي أن الأحداث أحيانًا قد تعوق التقدم وتمنع تحقيق الآمال، مما يعكس الأوقات الصعبة التي قد يواجهها البعض في حياتهم. رغم أن البعض يتمنى له الشر، فإنه يظل محصنًا ضد تلك الأماني.

يستمر المتنبي في استهزائه بسيف الدولة وأعوانه، موضحًا أن النعم تنطوي على صعوبات وتحديات، مما يعني أنه لا يمكن لأحد الاستمتاع بحياة كاملة دون مواجهة المشاكل.

وفي الختام، أبرزنا بعض الأجزاء المهمة من قصيدة “تجري الرياح بما لا تشتهي السفن”، إلى جانب شرح الأبيات التي تم تناولها سابقًا. نأمل أن يكون هذا المقال قد أفادكم.

Related Posts

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *