قصائد شاعر جميل بن معمر

جميل بن معمر

جميل بن عبد الله بن معمر يُعتبر أحد أبرز عشاق العرب وأشهر شعراء العصر الأموي. عُرف بلقب “جميل بثينة” وعاش في قبيلة عذرة التي تقع بين بلاد الشام والمدينة. كان يُحب ابنة عمه، بثينة بنت حيان، وأبدع في تأليف العديد من قصائد الحب لها. وقد تمتع بجودة فصاحة لا مثيل لها، حيث جمع بين الشعر والرواية. وُلِد في السنوات الأخيرة من خلافة عثمان بن عفان، وكان متصفًا بالمرهف الإحساس ورقة المشاعر.

زيارة بثينة في غياب الحبيب

تُعتبر هذه القصيدة واحدة من أجمل قصائد جميل بن معمر، حيث عبر فيها عن مشاعره لشقيقَي العم، روقا ومسعدة، بعد أن لامته عائلته بسبب حبه لبثينة وهددوه بالبراءة منه:

زوروا بُثَينَةَ فَالحَبيبُ مَزورُ
إنَّ الزِيارَةَ لِلمُحِبِّ يَسيرُ
إِنَّ التَرَحُّلَ أَن تَلَبَّسَ أَمْرُنا
وَعتاقَنا قَدَرٌ أُحِمَّ بَكورُ
إِنّي عَشِيَّةَ رُحتُ وَهيَ حَزينَةٌ
تَشكو إِلَيَّ صَبابَةً لَصَبورُ
وَتَقولُ بِتُعْندي فَدَيتُكَ لَيلَةً
أَشكو إِلَيكَ فَإِنَّ ذاكَ يَسيرُ

غَرّاءُ مِبسامٌ كَأَنَّ حَديثُها
دُرٌّ تَحَدَّرَ نَظمُهُ مَنثورُ
مَحطوطَةُ المَتنَينِ مُضمَرَةُ الحَشا
رَيّا الرَوادِفِ خَلقُها مَمكورُ

لا حُسنِها حُسنٌ وَلا كَدَلالِها
دَلٌّ وَلا كَوَقارِها تَوقيرُ
إِنَّ اللِسانَ بِذِكرِها لَمُوَكَّلٌ
وَالقَلبُ صادٍ وَالخَوَاطِرُ صُورُ
وَلَئِن جَزَيتِ الوُدَّ مِنّي مِثلَهُ
إِنّي بِذَلِكَ يا بُثَينَ جَديرُ

عتاب بثينة

  • من أروع قصائد جميل بن معمر، تلك التي يُعاتب فيها محبوبته بثينة بعد أن ظلمته وصدقت الوشاية ضده:

صَدَّت بُثَينَةُ عَنّي أَن سَعى ساعِ
وَآيَسَت بَعدَ مَوعِدٍ وَإِطماعِ
وَصَدَّقَت فيَّ أَقوالاً تَقَوَّلَها
واشٍ وَما أَنا لِلواشي بِمِطواعِ
فَإِن تَبيني بِلا جُرمٍ وَلا تِرَةٍ
وَتولَعي بِيَ ظُلماً أَيُّ إيلاعِ
فَقَد يَرى اللَهُ أَنّي قَد أُحِبُّكُمُ
حُبّاً أَقامَ جَواهُ بَينَ أَضلاعي
لَولا الَّذي أَرتَجي مِنهُ وَآمُلُهُ
لَقَد أَشاعَ بِمَوتي عِندَها ناعي
يا بَثنُ جودي وَكافي عاشِقاً دَنِفاً
وَاِشفي بِذَلِكَ أَسقامي وَأَوجاعي
إِنَّ القَليلَ كَثيرٌ مِنكِ يَنفَعُني
وَما سِواهُ كَثيرٌ غَيرُ نَفّاعِ
آلَيتُ لا أَصطَفي بِالحُبِّ غَيرَكُمُ
حَتّى أُغَيَّبَ تَحتَ الرَمسِ بِالقاعِ

ذكريات بلا نسيان

قال جميل بن معمر هذه القصيدة عندما استرجع ذكرياته وحن قلبه لمحبوبته بثينة:

تذكّرَ أنساً من بثينة ذا القلبُ
وبثنة ُ ذكراها لذي شجنٍ نصبُ
وحنّتْ قَلوصي فاستمعتُ لسَجْرها
برملة ِ لدٍّ وهيَ مثنيّة ٌ تحبو
أكذبتُ طرفي أم رأيتُ بذي الغضا
لبثنة ناراً فارفعوا أيها الركّبُ
إلى ضوءِ نارٍ ما تَبُوخُ كأنّها
من البُعدِ والإقواء جَيبٌ له نَقْب
ألا أيها النُّوّامُ ويحكُمُ هُبّوا
أُسائِلكُمْ هل يقتلُ الرجلَ الحبّ
ألا رُبّ ركبٍ قد وقفتُ مطيَّهُمْ
عليكِ ولولا أنتِ لم يقفِ الرّكبُ
لها النّظرة ُ الأولى عليهم وبَسطة ٌ
وإن كرّتِ الأبصار كان لها العقبُ

ذكريات خالدة

من قصائد جميل بن معمر تلك التي تتناول تفاصيل الحوار بينه وبين محبوبته بثينة عندما طلب رؤيتها لكنها كانت تخاف من عيون الواشيين:

تذكرَ منها القلبُ ما ليسَ ناسياً
ملاحة َ قولٍ يومَ قالتْ ومعهداً
فإن كنتَ تهوى أوْ تريدُ لقاءنا
على خلوةٍ فاضربْ لنا منكَ موعدا
فقلتُ ولم أملِكْ سوابِقَ عَبْرة ٍ
أأحسنُ من هذي العيشة ِ مقعدا
فقالت أخافُ الكاشِحِينَ وأتّقي
عيوناً من الواشينَ حولي شهدًا

سؤال للربع

يعتبر هذا النص من أفضل قصائد جميل بن معمر، الذي عاش في مصر معظم حياته حتى رحيله في عام 82 هجري. هذه القصيدة تنقل لنا أرقى الكلمات التي تصف الحب النقي:

ألم تسألِ الرّبعَ الخلاءَ فينطقُ
وهل تخبرنكَ اليومَ بيداءُ سملقُ
وقفتُ بها حتى تجلتْ عمايتي
وملّ الوقوفَ الأرحبيُّ المنوّقُ
بمختَلَفِ الأرواحِ بين سُوَيْقَة ٍ
وأحدبَ كادت بعد عهدكَ تخلقُ
أضَرّتْ بها النّكباءُ كلَّ عشيّة ٍ
ونفخُ الصبا والوابلُ المتبعّقُ
وقال خليلي إنّ ذا لَصَبابَة ٌ
ألا تَزجُر القلبَ اللّجوجَ فيُلحَق
تعزوإنْ كانتْ عليكَ كريمةً
لعلَّكَ من رِقّ لبَثْنَة َ تَعتِقُ

تقول بثينة بعدما رأته

تُعتبر هذه القصيدة من أجمل قصائد جميل بن معمر التي صنفها القراء كقصيدة شوق، ونوعها عامودية ذات بحر متقارب:

تقولُ بثينة ُ لما رأتْ
فُنُوناً مِنَ الشَّعَرِ الأحْمَرِ
كبرتَ جميلُ وأودى الشبابُ
فقلتُ بثينَ ألا فاقصري
أتَنسيَنَ أيّامَنَا باللّوَى
وأيامَنا بذوي الأجفَرِ
أما كنتِ أبصرتني مرّة ً
لياليَ نحنُ بذي جَهْوَر
لياليَ أنتم لنا جيرة ٌ
ألا تَذكُرينَ بَلى فاذكُري
وإِذْ أَنَا أَغْيَدُ غَضُّ الشَّبَابِ
أَجرُّ الرِّداءَ مَعَ المِئْزَرِ
وإذ لمتني كجناحِ الغرابِ
تُرجَّلُ بالمِسكِ والعَنْبَرِ
فَغَيّرَ ذلكَ ما تَعْلَمِينَ
تغيّرَ ذا الزمنِ المنكرِ
وأنتش كلؤلؤة ِ المرزبانِ
بماءِ شبابكِ لم تُعصِري
قريبانِ مَربَعُنَا واحِدٌ
فكيفَ كَبِرْتُ ولم تَكْبَري

ألا ليت ريعان الشباب جديد

تمنى جميل بن معمر أن تعود أيام الشباب، حيث كان يلتقي ببثينة. وتسائل في نفسه إذا ما كان هجر الحب يمكن أن يتبدد عند اللقاء، ولكنه أدرك أنه سرعان ما يعود ليشتعل عندما يتفرقان:

ألا ليتَ ريعانَ الشبابِ جديدُ
ودهراً تولى يا بثينَ، يعودُ
فنبقى كما كنّا نكونُ وأنتمُ
قريبٌ وإذ ما تبذلينَ زهيدُ
وما أنسَ مِ الأشياء لا أنسَ قولها
وقد قُرّبتْ نُضْوِي أمصرَ تريدُ
ولا قولَها لولا العيونُ التي ترى
لزُرتُكَ فاعذُرْني فدَتكَ جُدودُ

خليلي ما ألقى من الوجدِ باطنٌ
ودمعي بما أخفيَ الغداة شهيدُ
ألا قد أرى واللهِ أنْ ربّ عبرة ٍ
إذا الدار شطّتْ بيننا ستَزيد
إذا قلتُ ما بي يا بثينة ُقاتِلي
من الحبّ قالت ثابتٌ ويزيدُ

وإن قلتُ رديّ بعضَ عقلي أعشْ بهِ
تولّتْ وقالتْ ذاكَ منكَ بعيد
فلا أنا مردودٌ بما جئتُ طالباً
ولا حبها فيما يبيدُ يبيدُ
جزتكَ الجواري يا بثينَ سلامةً
إذا ما خليلٌ بانَ وهو حميد

وقلتُ لها بيني وبينكِ فاعلمي
من الله ميثاقٌ له وعُهود
وقد كان حُبّيكُمْ طريفاً وتالداً
وما الحبُّ إلاّ طارفٌ وتليدُ
وإنّ عَرُوضَ الوصلِ بيني وبينها
وإنْ سَهّلَتْهُ بالمنى لكؤود

وأفنيتُ عُمري بانتظاريَ وَعدها
وأبليتُ فيها الدهرَ وهو جديد
فليتَ وشاة َ الناسِ بيني وبينها
يدوفُ لهم سُمّاً طماطمُ سُود

وليتهمُ في كلّ مُمسًى وشارقٍ
تُضاعَفُ أكبالٌ لهم وقيود
ويحسَب نِسوانٌ من الجهلِ أنّني
إذا جئتُ إياهنَّ كنتُ أريدُ

فأقسمُ طرفي بينهنّ فيستوي
وفي الصّدْرِ بَوْنٌ بينهنّ بعيدُ
ألا ليتَ شعري هلَ أبيتنّ ليلةً
بوادي القُرى إني إذَنْ لَسعيد

وهل أهبِطَنْ أرضاً تظَلُّ رياحُها
لها بالثنايا القاوياتِ وئِيدُ
وهل ألقينْ سعدى من الدهرِمرةً
وما رثّ من حَبلِ الصّفاءِ جديدُ

وقد تلتقي الأشتاتُ بعدَ تفرقٍ
وقد تُدرَكُ الحاجاتُ وهي بعِيد
وهل أزجرنْ حرفاً علاةً شملةً
بخرقٍ تباريها سواهمُ قودُ
على ظهرِ مرهوبٍ كأنّ نشوزَهُ
إذا جاز هُلاّكُ الطريق رُقُود

سبتني بعيني جؤذرٍ وسطَ ربربٍ
وصدرٌ كفاثورِ اللجينَ جيدُ
تزيفُ كما زافتْ إلى سلفاتها
مُباهِية طيَّ الوشاحِ مَيود
إذا جئتُها يوماً من الدهر زائراً
تعرّضَ منفوضُ اليدينِ صَدود

يصُدّ ويُغضي عن هواي ويجتني
ذنوباً عليها إنّه لعَنود
فأصرِمُها خَوفاً كأني مُجانِبٌ
ويغفلُ عن مرةً فنعودُ

ومن يُعطَ في الدنيا قريناً كمِثلِها
فذلكَ في عيشِ الحياةِ رشيدُ
يموتُ الْهوى مني إذا ما لقِيتُها
ويحيا إذا فرقتها فيعودُ

يقولون جاهِدْ يا جميلُ بغَزوةٍ
وأيّ جهادٍ غيرهنّ أريدُ
لكلّ حديثِ بينهنّ بشاشةٌ
وكلُّ قتيلٍ عندهنّ شهيدُ
وأحسنُ أيامي وأبهجُ عِيشَتي
إذا هِيجَ بي يوماً وهُنّ قُعود

تذكرتُ ليلى فالفؤادُ عميدُ
وشطتْ نواها فالمزارُ بعيدُ
علقتُ الهوى منها وليداً فلم يزلْ
إلى اليومِ ينمي حبه ويزيدُ

فما ذُكِرَ الخُلاّنُ إلاّ ذكرتُها
ولا البُخلُ إلاّ قلتُ سوف تجود
إذا فكرتْ قالت قد أدركتُ ودهُ
وما ضرّني بُخلي فكيف أجود

فلو تُكشَفُ الأحشاءُ صودِف تحتها
لبثنة َ حبُ طارفٌ وتليدُ
ألمْ تعلمي يا أمُ ذي الودعِ أنني
أُضاحكُ ذِكراكُمْ وأنتِ صَلود
فهلْ ألقينْ فرداً بثينة َ ليلةً
تجودُ لنا من وُدّها ونجود
ومن كان في حبي بُثينة َ يَمتري
فبرقاءُ ذي ضالٍ عليّ شهيدُ

فيا رب حببني إليها

من أجمل ما قال جميل بن معمر في بثينة، هي قصيدته التي يقول فيها “فيا رب حببني إليها”، حيث صنفها القراء كقصيدة عامودية من البحر الطويل، وأشار فيها إلى هضاب بأرض بيضاء كانت تسكن فيها قبيلة بثينة:

أهاجَكَ أم لا بالمداخِلِ مَربَعُ
ودار بأجراعِ الغَديرَينِ بَلقَعُ
ديارٌ لسَلمى إذ نحِلّ بها معاً
وإذ نحن منها بالمودة ِ نطمعُ
وإن تكُ قد شطّتْ نواها ودارُها
فإنّ النوى ّ مما تشتُ وتجمعُ
إلى الله أشكو لا إلى الناس حبَّها
ولا بُدّ من شكوى حبيبٍ يُروَّع
ألا تَتّقِينَ الله فيمَن قتلتهِ
فأمسى إليكم خاشعاً يتضرّع
فإنْ يكُ جثماني بأرضِ سواكم
فإنّ فؤادي عندكِ الدهرَ أجمع
إذا قلتُ هذا حين أسلو وأَجْتَري
على هجرها ظلّتْ لها النفسُ تَشفَع
ألا تَتّقِينَ الله في قَتْلِ عاشقٍ
له كَبِدٌ حَرّى عليكِ تَقَطّع
غريبٌ مَشوقٌ مولَعٌ بادّكاركُمْ
وكلُّ غريبِ الدارِ بالشّوقِ مُولَع

Related Posts

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *