الحب
تعتبر مشاعر الحب من الأسس التي تشكل وجود الإنسان، حيث تُغرس هذه المشاعر في القلوب لتمنح الأمان والراحة للأرواح. الحب يعيننا على تجاوز صعوبات الحياة ومآسيها، وهو الشعور الذي يربط بين المحبين ويعتمد فيه الطرفان على بعضهما، مما يعزز التفاؤل والاحترام المتبادل. وقد أبدع الشعراء في التعبير عن الحب من خلال العديد من القصائد المعبرة.
يا ما أنت وحشني وروحي فيك
أحمد شوقي هو شاعر مصري بارز، وُلد في القاهرة لأب شركسي وأم ذات أصول يونانية. نشأ تحت رعاية جدته وذاق الثراء في طفولته، وقد لُقب بـ “أمير الشعراء”. تجاوزت قصائد شوقي 23500 بيت، ولديه العديد من القصائد الرائعة في الحب، منها القصيدة التالية:
يا ما أنت وحشني وروحي فيك
يا مُؤانِس قلبي لمَن أشكيك
أشكيك للذي قادر يهديك
ويبلغ الصابر أمله
أنا حالي في بعدك لم يرضيك
كان عقلك فين لما حبيت
ولغير منصف ودّك ودّيت
تنوي الهجران ولقاك حنيت
يا قلب أنت معمول لك إيه
هو سحري جرى وإلا انجنّيت
كيد العوازل كايدني
بس إسمع شوف
دا أنت مالكني من قلبي
والاّ بالمعروف
حبك كواني تعالى شوف
ستر العذول دايمًا مكشوف
وأنا بالصبر أبلغ أملي
يا ما نسمع بكره وبعده نشوف
في زهرتي ذا العود من أهل الهوى
يمثل أحمد شوقي جزءًا من شعراء مدرسة الإحياء والبعث الشعري، حيث اتبع منهج الشعراء القدامى، خصوصًا من العصر الجاهلي حتى العباسي. ومن أجمل قصائده في الحب نعرض لكم الأبيات التالية:
في زهرتَي ذا العود من
أهل الهوى جُمعت صفات
كالعاشقين تقابلا
لكن على سُرر النبات
متآنسين يلاقيان الحب من كل الجهات
هذا على هذا حنا
ولذا إلى هذا الالتفات
لكن في الفجر الحياة وفي الضحى لهما الممات
قسما لقد عاشا ولما يأملا أملا ففات
من لي بسوق للحياة يقال فيها خذ وهات
فأبيع عمرا في الهموم بساعة في الطيبات
مضناك جفاه مرقده
نشأ أحمد شوقي على حفظ القرآن الكريم وعيناه على التعلم في سن مبكرة. بعد إكمال تعليمه الابتدائي، اكتشف شيخه موهبته الشعرية، واحتفل الأدباء بمنحه لقب أمير شعرائهم في حفل بالقاهرة. ومن أبرز قصائده في الحب القصيدة الآتية:
مُضناك جفاهُ مَرْقَدُه
وبكاه ورَحَّمَ عُوَّدُهُ
حيرانُ القلبِ مُعَذَّبُهُ
مقروح الجفنِ مسهَّدُه
أودى حرفاً إلا رمقاً
يُبقيه عليك وتُنْفِدهُ
يستهوي الوُرْق تأوُّهه
ويذيب الصخرَ تنهُّدهُ
ويناجي النجمَ ويُتعبه
ويُقيم الليلَ ويُقْعِدهُ
ويعلم كلَّ مُطوَّقةٍ
شجناً في الدَّوحِ تُردِّدهُ
كم مدّ لِطَيْفِكَ من شَرَكٍ
وتأدّب لا يتصيَّدهُ
فعساك بغُمْضٍ مُسعِفهُ
ولعلّ خيالك مُسعِدهُ
الحسنُ حَلَفْتُ بيُوسُفِهِ
والسُّورَة إنك مُفرَدهُ
قد وَدَّ جمالك أو قبساً
حوراءُ الخُلْدِ وأَمْرَدُه
وتمنَّت كلٌّ مُقطَّعةٍ
يدَها لو تُبْعَث تَشهدُهُ
جَحَدَتْ عَيْنَاك زَكِيَّ دَمِي
أكذلك خدُّك يَجْحَدُه؟
قد عزَّ شُهودي إذ رمَتا
فأشرت لخدِّك أشهده
وهممتُ بجيدِك أشرَكُه
فأبى، واستكبر أصيَدُه
وهزَزْتُ قَوَامَك أَعْطِفهُ
فَنَبا، وتمنَّع أَمْلَدُه
سببٌ لرضاك أُمَهِّده
ما بالُ الخصْرِ يُعَقِّدُه؟
بيني في الحبِّ وبينك ما
لا يَقْدِرُ واشٍ يُفْسِدُه
ما بالُ العاذِلِ يَفتح لي
بابَ السُّلْوانِ وأُوصِدُه؟
ويقول: تكاد تجنُّ به
فأَقول: وأُوشِكُ أَعْبُده
مَوْلايَ ورُوحِي في يَدِه
قد ضَيَّعها سَلِمتْ يَدُه
ناقوسُ القلبِ يدقُّ لهُ
وحنايا الأَضْلُعِ مَعْبَدُه
قسماً بثنايا لؤلُئِها
قسم الياقوت منضده
ورضابٍ يوعدُ كوثرهُ
مَقتولُ العِشقِ ومُشْهَدُه
وبخالٍ كاد يحجُّ له
لو كان يقبَّل أسوده
وقَوامٍ يَرْوي الغُصْنُ له
نَسَباً، والرُّمْحُ يُفَنِّدُه
وبخصرٍ أوهَنَ مِنْ جَلَدِي
وعَوَادِي الهجر تُبدِّدُه
ما خنت هواك، ولا خطرتْ
سلوى بالقلب تبرده
سلوا قلبي غداة سلا وثابا
عند رحلته إلى إسبانيا، أصرَّ أحمد شوقي على إتقان اللغة الإسبانية واستفاد من قراءته للكتب المتعلقة بالأندلس، كما قام بزيارة العديد من معالم الحضارة هناك. كانت ثمرة جهوده تأليف أرجوزته “دول العرب وعظماء الإسلام” التي تضم 1400 بيت موزعة على 24 قصيدة، وقد تناول الحب أيضًا في قصائد متعددة، منها:
سَلو قَلبي غَداةَ سَلا وَثابا
لَعَلَّ عَلى الجَمالِ لَهُ عِتابا
وَيُسأَلُ في الحَوادِثِ ذو صَوابٍ
فَهَل تَرَكَ الجَمالُ لَهُ صَوابا
وَكُنتُ إِذا سَأَلتُ القَلبَ يَومًا
تَوَلّى الدَمعُ عَن قَلبي الجَوابا
وَلي بَينَ الضُلوعِ دَمٌ وَلَحمٌ
هُما الواهي الَّذي ثَكِلَ الشَبابا
تَسَرَّبَ في الدُموعِ فَقُلتُ وَلّى
وَصَفَّقَ في الضُلوعِ فَقُلتُ ثابا
وَلَو خُلِقَتْ قُلوبٌ مِن حَديدٍ
لَما حَمَلَتْ كَما حَمَلَ العَذابا
وَأَحبابٍ سُقيتُ بِهِمْ سُلافًا
وَكانَ الوَصلُ مِن قِصَرٍ حَبابا
وَنادَمنا الشَبابَ عَلى بِساطٍ
مِنَ اللَذاتِ مُختَلِفٍ شَرابا
وَكُلُّ بِساطِ عَيشٍ سَوفَ يُطوى
وَإِن طالَ الزَمانُ بِهِ وَطابا
كَأَنَّ القَلبَ بَعدَهُمُ غَريبٌ
إِذا عادَتهُ ذِكرى الأَهلِ ذابا
وَلا يُنبيكَ عَن خُلُقِ اللَيالي
كَمَن فَقَدَ الأَحِبَّةَ وَالصَحابا
أَخا الدُنيا أَرى دُنياكَ أَفعى
تُبَدِّلُ كُلَّ آوِنَةٍ إِهابا
وَأَنَّ الرُقطَ أَيقَظُ هاجِعاتٍ
وَأَترَعُ في ظِلالِ السِلمِ نابا
وَمِن عَجَبٍ تُشَيِّبُ عاشِقيها
وَتُفنيهِمْ وَما بَرِحَتْ كَعابا
فَمَن يَغتَرُّ بِالدُنيا فَإِنّي
لَبِستُ بِها فَأَبلَيتُ الثِيابا
لَها ضَحِكُ القِيانِ إِلى غَبِيٍّ
وَلي ضَحِكُ اللَبيبِ إِذا تَغابى
جَنَيتُ بِرَوضِها وَردًا وَشَوكًا
وَذُقتُ بِكَأسِها شَهدًا وَصابا
فَلَم أَرَ غَيرَ حُكمِ اللهِ حُكمًا
وَلَم أَرَ دونَ بابِ اللَهِ بابا
وَلا عَظَّمتُ في الأَشياءِ إِلا
صَحيحَ العِلمِ وَالأَدَبَ اللُبابا
وَلا كَرَّمتُ إِلّا وَجهَ حُرٍّ
يُقَلِّدُ قَومَهُ المِنَنَ الرَغابا
وَلَم أَرَ مِثلَ جَمعِ المالِ داءً
وَلا مِثلَ البَخيلِ بِهِ مُصابا
فَلا تَقتُلكَ شَهوَتُهُ وَزِنها
كَما تَزِنُ الطَعامَ أَوِ الشَرابا
وَخُذ لِبَنيكَ وَالأَيّامِ ذُخرًا
وَأَعطِ اللهَ حِصَّتَهُ احتِسابا
فَلَو طالَعتَ أَحداثَ اللَيالي
وَجَدتَ الفَقرَ أَقرَبَها انتِيابا
وَأَنَّ البِرَّ خَيرٌ في حَياةٍ
وَأَبقى بَعدَ صاحِبِهِ ثَوابا
وَأَنَّ الشَرَّ يَصدَعُ فاعِليهِ
وَلَم أَرَ خَيِّرًا بِالشَرِّ آبا
فَرِفقًا بِالبَنينَ إِذا اللَيالي
عَلى الأَعقابِ أَوقَعَتِ العِقابا
وَلَم يَتَقَلَّدوا شُكرَ اليَتامى
وَلا ادَّرَعوا الدُعاءَ المُستَجابا
عَجِبتُ لِمَعشَرٍ صَلّوا وَصاموا
عَواهِرَ خِشيَةً وَتُقى كِذابا
وَتُلفيهُمْ حِيالَ المالِ صُمًّا
إِذا داعي الزَكاةِ بِهِمْ أَهابا
لَقَد كَتَموا نَصيبَ اللهِ مِنهُ
كَأَنَّ اللهَ لَم يُحصِ النِصابا
وَمَن يَعدِل بِحُبِّ اللهِ شَيئًا
كَحُبِّ المالِ ضَلَّ هَوًى وَخابا
أَرادَ اللَهُ بِالفُقَراءِ بِرًّا
وَبِالأَيتامِ حُبًّا وَارتِبابا
فَرُبَّ صَغيرِ قَومٍ عَلَّموهُ
سما وَحَمى المُسَوَّمَةَ العِرابا
وَكانَ لِقَومِهِ نَفعًا وَفَخرًا
وَلَو تَرَكوهُ كانَ أَذًى وَعابا
فَعَلِّمْ ما استَطَعتَ لَعَلَّ جيلاً
سَيَأتي يُحدِثُ العَجَبَ العُجابا
وَلا تُرهِقْ شَبابَ الحَيِّ يَأسًا
فَإِنَّ اليَأسَ يَختَرِمُ الشَبابا
يُريدُ الخالِقُ الرِزقَ اشتِراكًا
وَإِن يَكُ خَصَّ أَقوامًا وَحابى
فَما حَرَمَ المُجِدَّ جَنى يَدَيهِ
وَلا نَسِيَ الشَقِيَّ وَلا المُصابا
وَلَولا البُخلُ لَم يَهلِكْ فَريقٌ
عَلى الأَقدارِ تَلقاهُمْ غِضابا
تَعِبتُ بِأَهلِهِ لَومًا وَقَبلي
Dُعاةُ البِرِّ قَد سَئِموا الخِطابا
وَلَو أَنّي خَطَبتُ عَلى جَمادٍ
فَجَرْتُ بِهِ اليَنابيعَ العِذابا
أَلَم تَرَ لِلهَواءِ جَرى فَأَفضى
إِلى الأَكواخِ وَاختَرَقَ القِبابا
وَأَنَّ الشَمسَ في الآفاقِ تَغشى
حِمى كِسرى كَما تَغشى اليَبابا
وَأَنَّ الماءَ تُروى الأُسدُ مِنهُ
وَيَشفي مِن تَلَعلُعِها الكِلابا
وَسَوّى اللهُ بَينَكُمُ المَنايا
وَوَسَّدَكُمْ مَعَ الرُسلِ التُرابا
وَأَرسَلَ عائِلاً مِنكُمْ يَتيمًا
دَنا مِن ذي الجَلالِ فَكانَ قابا
نَبِيُّ البِرِّ بَيَّنَهُ سَبيلاً
وَسَنَّ خِلالَهُ وَهَدى الشِعابا
تَفَرَّقَ بَعدَ عيسى الناسُ فيهِ
فَلَمّا جاءَ كانَ لَهُمْ مَتابا
وَشافي النَفسِ مِن نَزَعاتِ شَرٍّ
كَشافٍ مِن طَبائِعِها الذِئابا
وَكانَ بَيانُهُ لِلهَديِ سُبلاً
وَكانَت خَيلُهُ لِلحقِ غابا
وَعَلَّمَنا بِناءَ المَجدِ حَتّى
أَخَذنا إِمرَةَ الأَرضِ اغتِصابا
وَما نَيلُ المَطالِبِ بِالتَمَنّي
وَلَكِن تُؤخَذُ الدُنيا غِلابا
وَما استَعصى عَلى قَومٍ مَنالٌ
إِذا الإِقدامُ كانَ لَهُمْ رِكابا
تَجَلّى مَولِدُ الهادي وَعَمَّتْ
بَشائِرُهُ البَوادي وَالقِصابا
وَأَسدَتْ لِلبَرِيَّةِ بِنتُ وَهبٍ
يَدًا بَيضاءَ طَوَّقَتِ الرِقابا
لَقَد وَضَعَتهُ وَهَّاجًا مُنيرًا
كَما تَلِدُ السَماواتُ الشِهابا
فَقامَ عَلى سَماءِ البَيتِ نورًا
يُضيءُ جِبالَ مَكَّةَ وَالنِقابا
وَضاعَت يَثرِبُ الفَيحاءُ مِسكًا
وَفاحَ القاعُ أَرجاءً وَطابا
أَبا الزَهراءِ قَد جاوَزتُ قَدري
بِمَدحِكَ بَيدَ أَنَّ لِيَ انتِسابا
فَما عَرَفَ البَلاغَةَ ذو بَيانٍ
إِذا لَم يَتَّخِذكَ لَهُ كِتابا
مَدَحتُ المالِكينَ فَزِدتُ قَدرًا
فَحينَ مَدَحتُكَ اقتَدتُ السَحابا
سَأَلتُ اللهَ في أَبناءِ ديني
فَإِن تَكُنِ الوَسيلَةَ لي أَجابا
وَما لِلمُسلِمينَ سِواكَ حِصنٌ
إِذا ما الضَرُّ مَسَّهُمُ وَنابا
كَأَنَّ النَحسَ حينَ جَرى عَلَيهِمْ
أَطارَ بِكُلِّ مَملَكَةٍ غُرابا
وَلَو حَفَظوا سَبيلَكَ كان نورًا
وَكانَ مِنَ النُحوسِ لَهُمْ حِجابا
بَنَيتَ لَهُمْ مِنَ الأَخلاقِ رُكنًا
فَخانوا الرُكنَ فَانهَدَمَ اضطِرابا
وَكانَ جَنابُهُمْ فيها مَهيبًا
وَلَلأَخلاقِ أَجدَرُ أَن تُهابا
فَلَولاها لَساوى اللَيثُ ذِئبًا
وَساوى الصارِمُ الماضي قِرابا
فَإِن قُرِنَت مَكارِمُها بِعِلمٍ
تَذَلَّلَتِ العُلا بِهِما صِعابا
وَفي هَذا الزَمانِ مَسيحُ عِلمٍ
يَرُدُّ عَلى بَني الأُمَمِ الشَبابا