كفُّ دموعي بَلسمٌ كالغدر
كفُّ دموعي، ولا تقسى عيونكما
ألا تبكيان للصخر القوي؟ ألا تبكيان الشجاع الوسيم؟
ألا تبكيان الفتى الذي كان يفتخر؟
طويل النجاد، رفيع القامة،
انطلق بأمره ليقود عشيرته بشجاعة
عندما مدَّ القوم أيديهم جاهدين
إلى المجد، مدَّ لهم يده
فنال ما كان يتجاوز قدرتهم
من المجد، ثم رحل نحو الرفعة
يتحمل القوم ما يضحك من ضحكهم
وإن كان أصغرهم حديث العهد
ترى المجد يشيد في منزله
أرى أفضل المكاسب أن يُشكر
وإذا ذُكر المجد، يجدونه
قد تجمع حوله المجد ثم ارتدى.
لا أرى في الناس نظيراً لمعاوية
ألا أرى في الناس كمعاوية
إذا دعته الليالي بمكيدة
بمكيدة تأسر القلوب بحسيسها
وتخرج من دفء الأحاديث علانية
لا أجد مثل الفارس، فارسا حقيقياً
إذا ما علاه جراءة وأمانة
وكان زعماؤه عند الاشتداد
إذا استعدَّت الحرب بكل قواها
وأحلام في روعها تصهرها
وكأنها نسور تراقب بالأحوال
بليت وما تبلت أحاديث الزمن
على نفوس الأيام إلا كما هي
فأقسمت لا ينقطع دمعي وعويلي
عليك بحزنٍ ما دعا لله داعياً.
دعوني أبكي على صخر وصخرنا المفقود
دعوني أبكي على صخرٍ وصخرٌ كان أهلنا
إذا هزمت الحرب واستمرت جروحها
أقاموا جناحيهم على صعوبتها حتى استقام عسرها
بأشدَّة للموت فيها ديناميت
مناكبهم تمتص عذاب الدماء والرعد
أهل البأس، قليلٌ من قتالهم
فصخرٌ لديهم منارة الحرب كلها
وصخرٌ إذا شهد أحدهم بائداً طيرته
من الهضبة العليا، التي لا تُشبه الصخر
صُخورها اللامعة، التي تقدم شموخا
لها مآثر لا تُنال، ومنكبٌ عظيمٌ
مرمياً على من يثيرها، لها أمجادٌ كريمة
وأخرى بأطراف القناة ألوانها
من حاربُ إن ربا عليه ليس بغيرٍ
إذا ملَّ عنها ذات يومٍ ضجورها
إذا ما انقلبت للمغاريب وأيقنت
به عن حال فالحالة مستمرة بلا نهاية.
يؤرقني الحنين عندما يحل المساء
يؤرقني الحنين عندما يحل المساء
فأصبح قد بليت بفراق عزيزٍ
على صخرٍ، وأي فتى قد يكون كمثل صخرٍ
ليومٍ عابسٍ وطعناتٍ قاسية
وللخصم العدو إذا تعدى الطرف
ليأخذ حق مظلومٍ بقسر
فلم أرى مثل رزيته لجنٍ
ولم أرى مثل رزيته لإنسٍ
أشدَّ على صروف الدهر أيدٍ
وأفصل في المواقف بدون تردد
وطيفٍ طارقٍ أو مستجيرٍ
يُرعب قلبه من كل جرس
فأكرمه وآمَنه، فأصبح
خالي البال من كل شقاء
يذكرني طلوع الشمس صخراً
وأذكره عند كل غروب
ولولا كثرة الذين يبكون حولي
على إخوانهم، لقتلت نفسي
ولكن لا أزال أرى عيوني
وباكيةً تنوح ليوم نحس
أراها متألمة تبكي أخاها
في مساء المأساة أو ما تلا
ما يبكون مثل أخي، ولكن
أعزي نفسي عنه بالتحسر
فلا والله، لا أنساك حتى
أرحل عن نفسي وتشق رمسي
فقد ودعت يوم الفراق صخراً
أبي حسان لذاتي ورفيقي
فيا لَهفاي عليه، ولَهَف أمّي
أيستقر في الضريح لمدة طويلة.
ألا يا عيني، فانهري بغزارة
ألا يا عيني، فانهري بغزارة
وانفثي فيضاً من غير انقطاع
ولا تعزّي بعد صخر،
فقد غلبت العزا، وأفليت صبري
لمربًأ كان الجوّ منه
بعد النوم يُحس بحر جمر
على صخرٍ، وأي فتىً كمثل صخرٍ
الأب العائل الذي حُبِس بمصير
وللخصم العدو إذا تعدى
ليأخذ حق مقهور بالضغط
وللزائرين إذا زاروا بخفضٍ
وللكلام الثقيل، وكل سفرٍ
إذا نزلت بهم سنة مجدبة
أبي بالدرب لم تُسحج بغبار
هناك سيكون غيثاً حياً يلتقي
نداه في جوٍ غير وعر
وأحيا من مخبئة كالعاصف
وأشجع من أبي شبل الزبر
حارث الشدق رئبال إذا ما
عاد لم تضعف عزيمته بالزجر
من أسود يتوسد ساعديه
على طرق الغزاة وكل بحرٍ
تدين المعاني له إذا ما
سمعت زئيره في كل فجرٍ
فهي قواعد ما يلحق بها قريب
لعسر في الزمان ولا ليُسرف
إما أن يُمسِي في قبرٍ مقيمٍ
بمُعتسرٍ من الأرواح القاحلة
فقد يسقط الجادون منه
بأروع ماجدٍ من الأعراق الراقية
إذا ما الضيق حل نحو ذروته
تلقاه بوجهٍ غير بشرٍ
تُفرغ الأبواب عنه بنقاء
ولا يكتنف دونهم بستار
هدتني الحوادث به، فأمست
علي همومها تأتي وتذهب
لو أن الدهر متخذٌ خليلاً
لكان خليلُه صخر بن نعمر.