أحدث نفسي بالفراق لأروضها
- ينقل قيس بن الملوح:
أحدثت نفسي بالفراق لأروضها
فقالت رويداً لا تخدعك من صبري
فقلت لها فالهجر والبُعد واحدٌ
فقالت أأنت تأمل الفراق والهجر؟
أزمات الفراق تصعب تحملها
- يقول ابن الأبار البلنسي:
غلبت عليَّ بسبب بُعدكم أشجاني
وجفّى الكرى بعدكم أجفاني
وتضرمت بين جوانحي لوعةٌ
إطفاؤها عجزت أمام الطوفان
هيهات أن يقترب الصبر مني بعدها
وأنا بعيد عن أهلي وأوطاني
لو أن ثهلاناً تحمل بعض ما
حملته خارت ذرى ثهلان
أسرٌ وقهرٌ لا قرار لهما
وتغربٌ عن عائلتي ومكاني
وهذا وكم كنت أستشعر الأسى
أخذ العزاء ورده من الهوى والهوان
ويهون ذلك من الفراق ومذاقه
إنَّ الفراق هو لمح البصر الثاني
ألم الفراق يمنع النوم ويفرق الأحباب
- يقول الملك الأمجد:
ألم الفراق منع الرقاد وفرق الأحبة
لذا فإن جفني لا يناسبه النوم
جسدٌ يذوب من الحنين وعينٌ
قد حكم علينا البعاد وجوره أن نسهر
يا منزلاً أستشف روح صعيدك
فكأنني أستنشق مسكاً ضافراً
وكأنني حين استنشقت عبيره
أودعت أسراب الخياشم عنبراً
جادت السحب بثرى ربوعك وارتدت
فيها السحاب كدموع عيني مُنهمرة
ومع دموعي كلما نهنهتُ بها
تجددت ذكريات الغرب فتدفقت
إني أُجلّ ترابكِ بأن يُرَى
يوماً بلا غطاء مُغلف بمطر
ولقد شكرتُ الطيف حين زارني
بعد الهدوء وحقه شكراً يُقال
أسرى إليّ وقد ذبلتُ فليشهد الهوى
لولا الأنين لقلت إنّني قد تعثرت
ومن المحنة أن تنهمر دموعي
وهي تعبر عن السر المصون
ومولع في الوجد أخبر دمعه
بما يلقيه فيه ويُخبر
ما ومض البرق اليماني على السهل
إلا واشتاق لعهد قد تذكر
قلب المحب مكلوم من الهجر
- يقول سليمان بن سحمان:
قلب المحب مكلوم بسبب الهجران
ودمعه من فراق الرفاق مسجَوم
وصبره قد نفد وعانت جوارحه
كأنه من جواء الفراق محموم
يشكو البعاد ولن يشفيه من أحد
سوى أمون تسلي همي الجاثوم
تدفع الهجير إذا ما احتضنت فرقاً
كأنها كوكب في السماء مرجوم
أو كالمها قد أحست ركض مقتنص
يسعى بصحة لحماية الصيد العسوم
أقول للراكب العابر لمائره
كأنها غارة بين الأهل مزموم
يا أيها الراكب العابر بمطيته
يطوي المضايق بين الأقدار مهموم
بالله عرج على الأحباب إذا تيسرت
بك قدرت، واستحقتك الجموع
وبلغن على شط النوى قلقاً
من شوق مؤلم في البين المغموم
فقدتكِ يا كنيزة بكل فقد
- يقول ابن الرومي:
فقدتكِ يا كنيزةُ بكل فقدٍ
وقدّ ذقت الموت قبل من يموت
فقد أوتيتِ رحب فمٍ وفرجٍ
كأنك من طرفيك حوت
ويابسة الأسافل والأعالي
كأنكِ في المجالس عنكبوت
عظامٌ قد بُراها السُُّلُ في أرضها
فما فيها لبعض الطير قوتُ
وإن غنّيتِ زُنت الندامى
فلا عَمِرتْ بحضرتك البيوت
رُزقتُك ليلةً فرُزقتُ رزقًا
بما وددتُ أنه أبداً يفوت
سأقترح السكوت عليك دهري
فأفضل ما تُغنّين السكوتُ
هجر الحب وإن أصبح جاراً
يقول ابن قلاقس:
هجر الحب وإن أصبح جاراً
وقد طغى الوجد على ضعفي جاراة
ففي قلبي نارُ أسًى
من عذابات أشعلت الأحشاء ناراً
إذا نجت العاذلة في الهوى
قلت قد أفصحت عن اللوم جهاراً
لا تَلُم كل امرئٍ ذو صبوة
في حالةٍ تخجِل الشمس نهاراً
ومتى حاولتَ صباً في الهوى
قد يقيم الحسن للصب اعتذارا
خصوصاً إذا قابلتَ خَوْدٍ
خيّلت لك ماءً وناراً وعقاراً
ومتى غازلتها بالنظر
خلتَ في أجفانها سُكراراً
وإذا ألمحتَ بالنظرة لها
أثّر البصر في خدّيها احمراراً
أطلتْ صباحاً وليلاً ضوءاً
وحمت في وجنتيها خلراً
ذات قوامٍ كقدٍّ ناعمٍ
أثمر البدر عندما استدارا
جرّدتْ من نظرها سيفاً على
محبٍ قد شحذت منه الغراراً
آه قد ذُبْتُ غراماً وجُوى
وعُدمت الصبر وعدوً آخر
إن لي قلباً إذا قلبته
لسلوٍ لم أجد منه اصطبارا
يا سائق العيس امهل فأنا
بين الأقدام قلبي مستطارا
أخطأت يا دهر في تفرقنا
يقول ابن المعتز:
أخطأتَ يا دهر في تفريقنا
ويلك تُب بعد ذلك ولا تعُد
يا شَري فالله أخّر أجلي
لا تقتلني بالهم والكمد
ما لي أرى الليل لا صباحَ لهُ
ما الهجر إلا ليلٌ بلا غَدِ
يا جامع الهجر والفراق ألا
تجمع بين الفؤاد والجسد
أما الفراق فإن موعده غداً
يقول ابن دنينير:
أما الفراق فإن موعده غد
فلم عاذلٍ يلوم وينفي
قد أزموا للبين حتى أصبح
البعاد قريب وحان الموعد
دموع عيني ليست تقف منهم
ولهيب قلبي في الهوى لا ينطفئ
أورثتموني بالنوى من عزكم
ذلاً ومثل الذل يتعود
يا جيرة العلمين قلّ صبراً
عن وصلكم حقاً وعزّ تجلّد
أنّى ذكرتكم فصبري غائر
عنكم وقلب في حبكم مُمنَد
أوشمت بارقة الشام فإنما
بين الأضلاع زفرة تتوقد
يا حبذا ربع بمنبج إذ غدا
فيه يغازلني الغزال الاغيد
ربع يروح القلب فيه ماصمة
والشوق نحو لقائه يزداد
ما لطيف لي عيش بغير ربوعه
إلا به عيشٍ ألطف وأغد
يا من نأوا والشوق يدنيهم إلينا
قلبي وإن بعدوا وإن لم يبتعدوا
أصفَى كُلَّي في الحب مُحض مُودتي
ولها وليس لكم سوى تودد
ولربما لاح في حبكم لم يبت
والعَين منه للفراق مَسهَّد
قد زاد في عذابي بكم حتى أصبح
كأن سيفاً يمسني مع الزمان
همُ لا أزاول وأنغام وشعور
والشيب في رأسي يلوح والشمل
بسب محن الزمان المتبدد
لقد حان الرحيل وآن التفراق
- يقول إيليا أبو ماضي:
لقد حان الرحيل ووقت التفرق
فإلى اللقاء يا صاحبي إلى اللقاء
إن بكينا فقد بكيتُ من الأسا
حتى كاد أن تسقط دموعي
وتراخى عند الوداع أضالعي
ناراً خشيت بحرها أن تحرق
ما زلت أخشى الفراق قبل وقوعه
حتى أصبحت لا أستطيع الفراق
يا يوم النوى ما أأقسى النوى
لولا النوى ما أبغضت نفسي البقاء
رحلنا حائرين صامتين كأنما
نحاذر عنده أن نتكلم
أكبادنا متأججة وعيوننا
لا تستطيع من البكاء أن تلتقط
تتجاذب النظرات وهي ضعيفة
ونغالِب الأنفَاس كي لا تُزهق
لو لم نعزّي باللقاء نفوسنا
كادت مع العبرات أن تنسكب
يا صاحبَيَ تصبرّا فربما
عدنا وعاد الشمل بأبهى رونق