أشعار الشاعر القاضي الفاضل في الغزل
- يقول الشاعر:
تجسدت أمامي الدار عن مدار ناظري
فغلبتُ خيالي ودخلت بفكري
التقيتُ بآثار الفراق هنا وهناك
لكنني لم أستطع الفراق من أعماقي
عجيبٌ كيف كنت أتردد بالأمس لزيارتها
واليوم أجد نفسي بين جدرانها أتنقل
لا تشكري الدنيا على حالتها الأولى
فالحكم في النهاية مع الآخرة
ففي معركة الربح والخسارة كم انتهى
فكان الرابح ذو حصانة عن الخاسر
لا تقتربي من تحطيمها وهي انطوت
فما يسكن الفاني ليس بعامرٍ بالتأكيد
- ويقول أيضاً:
تتأمل أعينٌ بِلذاتها في جنانها
وفيها ما تتمناه الأنفس السامقة
لها نظرة عندما تحيي بها
تتوارى عندها أعينُ النرجس خجلاً
وهي تحمل عوداً ينشده المحبين
فيتسلم مجلس الاحترام لهيبتها
إذ لجست ملامحها بلمسة الصدر
فالنّاس من بعدها حبسوا الأنفاس
إن تأملتها اصطف معجزاتها
فما سر معجزاتها إلا الجمال
أما العود قبلها فكان صامتاً
وبيدها يتحدث بلكنة السحر
كأن الشراب من عينيها
ونيران الغرام تشتعل بها
وتتعطل مع نور ما يجمل
وتبقى عارية من حسن ما يُلبس
- ويقول أيضاً:
يا غزالاً سيوفُك حجابٌ يشدني
في فؤادي دوائر من تلك الحجُب
ما عرفنا والنائبات كثيرات
أن ضيفاً يضع تحت العًرَب رقوده
أغزالةٌ والماءُ فِي الثنيات
ووهناً بين القنا والعشب
أين تلك الرسوم؟ أين يمكن رؤيتها
تبع في الرحيل أثر الركب
أتراك يا زمانُ تطرقنا معاً
برُباها مثل قلب العاشق
سالت الأنفاس في ليالي الغرام
وبكت بغبطة أعين الشهب
قصيدة يا أم مَن تستصرخين من الذي
- يقول الشاعر إبراهيم ناجي:
يا أم مَن تستصرخين، من الذي
أوقد نيران الألم في عينيكِ
يا أم، هل تمضين نحو النار أم
فتحت الحرب مشيتها لعنق الزمن
ما حلَّ بحرية الحرية، هل
سال الدم القاني على قدميكِ
يا ويلها من صرخة مجنونة
ضجت لها الآفاق من شفتيكِ
لا تجزعي يوم الفداء، فكلنا
أرواحٌ تحلق كالنسور من أجلكِ
فالتفتي، ستجدين عرينك عامراً
واسمعي إلى من يناديكِ بلبيك
وقف الشباب فداء لمحراب الحمى
وتجمع الأشبال بين يديكِ
والصقر تاجك تاج فرعون الذي
أحاط الشموس الزهر في كفيكِ
والمجد تاجك، والسهى موطنك
والشهب والأقمار في نعليكِ
يا مصر، أنت الكون والدنيا معاً
وعظائم الأجيال متوجة بتاجكِ
قصيدة إِذا خَدِرَت رِجلي تَذَكَّرتُ مَن لَها
- يقول الشاعر قيس بن ذريح:
إذا خدرت رجلي، تذكرت مَن لها
فناديت لبنى باسمها وشرعت أدعو
دعوتُ التي لو أن نفسي تخدمني
لفارقتُ الحب وبددت هويتي
بَرَت نبلها للصيد، لبنى ورَيَّشت
ورَيَّشتُ أخريات مثلها، برَيتُ
فلما رمتني، أقصدتني بسهمها
وخطأتُها بالسهم حين رميتُ
وفارقتُ لبنى ضلّةً، فصرتُ
كأنما أُقِيت أُعُوقٍ ثُم هويتُ
فيا ليت أني قد مت قبل فراقها
وهل ترجعين ما فات، القضية يا ليتُ
صرتُ وشيخي كمن لاقى عداوة
بين العداء، كأني قد مُتُ
فوقعت ولم تتأذَّ هناك سوياً
وفرسانها تحت السُرُر ميتون
فإن يكن تهيامي بلبنى غوايةً
فقد يا ذريح بن الحب وَهُنتُ
فلا أنتَ ما أملتُ فيه رأيتُه
ولا أنا لبنى، والحياة احتضنتُ
فوطّن لهلكي منكَ نفساً، فإنني
كأنكَ بي يا ذريح قد قضيتُ
قصيدة مِنَ الفَرنسيسِ قَيدَ العَينِ صورَتَها
- يقول الشاعر إيليا أبو ماضي:
مِن الفَرنسيس، قيد عينكَ صورَتها
عذراء قد مُلِئَت أَجفانُها حَوَراً
كَأنما وهبَتها الشمس صفحتها
وجها، وحاكت لَها أسلاكَها شَعَرا
يدُ المنية طاحت غبَّ مولِدِها
بأمِّها، وأبوها مات مُنتحِراً
في قريةٍ من قُرى باريس ما صغرَت
عن الفتاة، ولكن همُّها كبرَ
والنفس تعشق في الأهلين موطنها
وليس تعشقُه يُحويهم حفراً
وتعظم الأرض في عينيك مُحتَرماً
وليس تعظم في عينيك مُحتَقَراً
فغادرتها وما في نفسها أثرٌ
منها، ولا تركت في أهلها أثراً
إلى التي تفتن الدنيا محاسنها
وحسن من ساكنيها يفتن البشر
إلى التي تجمع الأضداد دارتها
ويحرس الأمن في أرجائها الخطر
إذا رآها تقي ظنها عدناً
وإن رآها شقي ظنها سقرا
تود شمس الضحى لو أنها فلكٌ
والأفق لو طلعت في أوجه قمرا
والغرب لو كان عوداً في منابرها
والشرق لو كان في جدرانها حجرا
في كل قلب هويٌ منها كأنه
في أهلها صاحباً في أرضها وطرا
باريس، أعجوبة الدنيا وجنتها
وربة الحسن مطروقا ومبدعا
حلّت عليها فلم تنكر زخارِفَها
فطالما أبصرَت أَشباهَها صوراً
ولا خَلائِقَ أهليها وزيّهمُ
فطالما قرأت أخلاقهم سِيَراً
وإنما أنكرَت في الأرض وحدتها
كَذلِكَ الطير، إمّا فارَقَ الوكرا
يتيمةٌ ما لها أمٌ تلوذ بها
ولا أبٌ إن دعاها نحوها حَضُرا
غريبةٌ يقتفيها البؤس كيف مشَت
ما عَزَّ في أرض باريسَ منِ افتقرَ
مرّت عليها ليالٍ وهي في شغلٍ
عن سابِقِ الهم بالهم الذي ظهرَ
حتّى إذا عضّها نابُ الطوى نفرَت
تستنزل الرزقَ فيها الفرد والنفرَ
تجني اللجين ويجني الباذلُ لها
من كفّها الوردَ منظوماً ومُنتثَراً
لا تتقي الله فيه وهو في يدها
وتتقي فيه فوق الوَجنَة النظرا
تغارُ حتى من الأرواح ساريةً
فلو تمر قُبولٌ أطرقت خَفِرا
أذالت الوردة قانيه وأصفَرَتْ
كيما تصون الذي في خدها نظرا
حمته عن كل طرفٍ فاسقٍ غزِلٍ
لو استطاعت حمته الوهم والفكرا
تُضاحكُ الخلق لا زهوا ولا لعباً
وتجحد الفقرَ لا كِبراً ولا أشرَا
فإن خَلَت هاجت الذكرى لواعجها
فاستنفدَت طرفَها الدمعَ الذي ادخرَا
تعَلقتُهُ فتىً كالغصن قامةً
حلوَ اللسان أَغرَّ الوجه مُزدَهِرا
وهامَ فيها تُريهِ الشمس غُرَّتُها
والفجر مرتصفاً في ثغرها درراً
إذا دنا رغبت أن لا يفارقها
وإن نأى أصبحت تَشتاقُ لو ذُكِرا
تغالِبُ الوجدَ فيه وهو مُقتربٌ
وتَهجُرُ الغَمضَ فيه كُلّما هَجرَا
كانت تتوقّى الهوى إذ لا يُخامِرُها
فأصبحت تتوقّى في الهوى الحذرا
قد عرضت نفسها للحب واهيةً
فنال منها الهوى الجبّار مُقتدِراً
والحب كالسارق لا يدريك موعِده
لكنه قلّما كالسارق استترا
وفي ليلة من ليالي الصيف مُقمِرَةٍ
لا تَسأمُ العين فيها الأنجُمَ الزهرا
تلاقيا، فشكاها الوجد فاضت بــ
ثم استمرَّ، فبات كمن سُحِرا
شَكا، فحَرَّكَ بالشَكوى عَواطفَها
كما تُحَرِّكُ كَفُّ العازف الوَتَرا
وزادَ حتى تَمَنَّت كل جارِحَةٍ
لو أصبحت مسمَعاً أو أصبحت بَصراً
رانَ الهيامُ على الصبّينِ فاعتنقا
لا يملكانِ النُهى ورداً ولا صَدرا
وكان ما كان مما لستُ أذكُرُهُ
تكفي الإشارةُ لأهل الفطنة الخُبَرا
هامَت به وهي لا تَدري لشَوقَتها
بأنها قد أحَبَّت أرقاماً ذَكرا
رأتْهُ خشفاً، فأدنَتهُ، فراهَ بها
شاةً، فأَنشَبَ فيها نابَهُ نَمِراً
ما زال يُؤمِنُ فيها غَيْرَ مُكتَرِثٍ
بالعاذلين، فلما آمنَ كَفَرَا
جَنى عَلَيها الذي تَخشى وقاطَعَها
كأنما قد جَنَت ما ليسَ مُغتَفَرا
كانت وكان يرى في خدِّها صعراً
عنه فباتت ترى في خَدِّهِ صعراً
فكلما استعطَفَتهُ ازوَرَّ مُحتَدِماً
وكلما ابتسمت في وجههِ كَشَرا
قالَ النفار وفيرجيني على مضَضٍ
تَجَرَعُ الأَنقَعَينِ الصاب والصَبرا
قالَت وقد زارَها يوماً مُعَرَّضةً
مَتى لعَمرك يجني الغارسُ الثَمَرا
كم ذا الصُدود ولا ذنبٌ جَنَتهُ يَدِي
أَرِو بَكَ الصَفوَ لا أرجو بِكَ الكَدَرا
تَرَكَتني لا أذوق الماءَ مِن وَلَهي
كما تَرَكَتْ جُفوني لا تَذوقُ كَرى
أشفِق عَلَيَّ ولا تَنْسَ وُعودَكَ لي
فإنّ ما بِيَ لو بالصخرِ لا انفطَرَا
أطالَتِ العتب تَرجو أن يرقَّ لها
فؤادُهُ، فأطالَ الصمتَ مُختَصِراً
وأحرَجَتهُ لأن الحَمّ أحرَجَها
وكلما أحرَجَتهُ راغَ مُعتَذِراً
وضاق ذرعاً بما يُخفي فقالَ لها
إلى ماذا أُلزِمُ فيكِ العَي والحَصَرا
أهواكِ صاحبةً، أما اقترانُكِ بي
فليس يخطُرُ في بالي ولا خَطَرا
أهوى رِضاكَ، ولكن إن سَعَيتُ له
أغضبتُ نفسي والدَيّان والبشَرا
عنيتُ مالِيَ من قلبين في جسَدي
وليس قلبي إلى قسمَيْنِ مُشَطِراً
تُطالِبيني فؤادي وهوَ مُرتَهَنٌ
في كف غَيْرِكِ رُمتي المَطلَبَ العَسِرا
يَكفيكِ أني فيكِ خُنتُ إمرأَتي
ولم يَخُن قلبَها عَهدي ولا خَفَرا
قد كان طَيشاً هِيامي فيك بَل نَزَقاً
وكان حُبُّكِ ضَعفاً مِنك بَل خَوَرَا
قالت متى صرتَ بَعلاً، قال مِن أَمَدٍ
لا أَحسَبُ العُمرَ إلا وَإن قَصُرا
يا هول ما أبصَرتَ، يا هول ما سمِعَتْ
كادَت تُكَذِّبُ فيهِ السمعَ والبصرا
لولا بَقِيّةُ صبرٍ في جوانبها
طارَت لها نَفسُها مِن وقعِهِ شَذَرا
يا للخيانة صاحَت وهي هائِجةٌ
كَمَا تَهَيَّجَ لَيثٌ بابنهِ وُتِراً
الآنَ أيقَنتُ أني كُنتُ وَاهِمةً
وأنّ ما كُلَّ برقٍ يَصحَبُ المَطَرا
وهَبَتْ قَلبي غَيْري وهو مِلكُ يَدي
ما خِفتِ شَرعًا ولا بالَيتِ مُزدَجَرا
لَيسَت شَرائِعُ هَذهِ الأَرْضُ عادِلَةً
كانَ الضَعيفُ وَلا يَنفَكُّ مُحتَقَرا
قد كُنتُ أَخشى يَدَ الأقدارِ تَصدَعُنا
كانَ أَجدَرَ أن أَخشاكَ لا القَدَرا
وصلتني مِثلَ شمسِ الأُفقِ ناصِعَةً
وعففتني مِثلَ جُنحِ اللَيلِ مُعتَكِرَةً
كَما تعافُ السَراةُ الثوبَ قَد بَلِيَت
خُيوطُهُ والرُواةُ المَوردَ القَذِرَة
خِفتَ الاقاويلَ بي قد نامَ قائِلُها
هلّا خشيتَ انتقامي وهو قد سَهَرَ
يا سالِبِي عفَتي مِن قَبل تَهجُرَني
أُرُدَّ عَلَيَّ عَفافي وَأرُدِ الطهرا
هيهاتَ هيهاتَ ما مِن عفَّتي عِوَضٌ
لاحَ الرشاد وبان الغي وانحسَرَا
وأقبلت نحوه تغلي مَراجلِها
كَأنها بُركانٌ ثار وانفَجرَا
في صدرها النار نارُ الحقد مُضرمةً
لكنما مُقلتاها تقذِف الشررا
وأبصرَ النصل تُخفيه أَنامِلُها
فراح يركض نحو الباب مُنذَعِراً
لكنها عاجَلَته غير وَانيَةٍ
بطعنةٍ فَجرَت في صدرهِ نهراً
فخرَّ في الأرض جسمًا لا حراكَ بِهِ
لكنّ فرجينَ ماتت قبله بِإحتِضَارٍ
جُنّ مِنَ الرعب والأحزان فانتَحَرَت
ما حبَّتِ الموتَ لكن خافَتِ الوَضَرا
كانت قبيلَ الردى مِنسيَّةً فغَدَت
بعد الحِمام حديث القوم والسَمَرَا
تتلو الفتاة عِظاتٍ في حكايَتها
كما يُطالِعُ فيها الناشئُ العِبَرا