أشعار عن الفراق
تتعدد القصائد التي تجسد مشاعر الفراق التي عاشها الشعراء، فأخذنا نختار من بينها ما يلي:
قصيدة ألا ليت ريعان الشباب يعود لجميلي بثينة
ألا ليت ريعان الشباب يعود
ويا بثينة، عُد إلى أيامٍ مضت
فنبقى كما كنا، وأنتم قربٌ لنا
وما أنسى ما قد قيل في الرسائل
وقد قُربت نضوي: هل لمصر تعودين؟
ولا أذكر قولها: لولا العيون التي تحرسني
لزرتك، فاعذري، فإني أسير معك
أخي، ما ألقاه من الشوق في صدري
ودمعي بين خفاءاته، شهيدٌ لا يُرَى
ألا قد أرى، والله، أن تلك الدموع
ستزيد إذا دار الزمان بيننا
إذا قلت: ما بي يا بثينة قاتلي،
قالت: ثابتٌ، ولا يزال تزيد العذابات
وإن قلت: ردي جزءًا من عقلي فأعيش به
تولّت، وقالت: فذاك أمرٌ بعيد!
فلا أنا مردود بما جئت طالبًا،
ولا حبها ينتهي كما ينتهي الأمر
جزاكِ الجوار، يا بثينة، سلامة
إذا نفد خليلٌ بانَ وهو محسن
وقلت لها، بيني وبينك، أعلِمي
من الله ميثاقٌ له وعهود
وقد كان حُبكما طريفًا ومتجددًا
فما الحب إلا طارفٌ وتليد
وإن الوصل بيني وبينها،
إنْ سَهّلته الأمجاد، لهو عسر ورثي
وأمضيتُ عمري في انتظار وعدها،
وأنا أعيش الزمن الجديد في شوقي
فليت شتات الناس، بيني وبينها
يشهد لهم على الحب، ويجعل السُم لا يتسلل
وليتهُم، كل مساء وصباحٍ،
تُضاعف عليهم القيود والأغلال
ويعتقد بعض النساء من جهلِهم
أنني إذا أتيتُ، كنتُ أدعي
فأقسم أصبحت مشاعري بينهم
وفي صدري مسافةٌ بعيدة
ألا ليتني، هل سأقضي ليلةً
في وادي القرى؟ وحدي سأكون سعيد!
وهل سأهبط إلى أرضٍ تُظلـلها الرياح
لها بالثنايا الوداع، بجميل العطاء؟
وهل سألتقي سعدى من الدهر مرةً
وطيفها من حبل الصفاء جديـد؟
وقد تلتقي الأرواح بعد فراقٍ
وقد تُدرَكُ الحاجاتُ رغم البعد
وهل سأخبرُ يوماً تعانيت لقاءً
بذكرى تباري الشوق في مسعاه؟
على ظهرِ عالمٍ، كأن نشوتهُ،
إذا جاز هلاك الطريق، رقاد
دعني بعيني جؤذرٍ في وسط الكلام
وصدرٌ كفاثور البيانات موجود
تُزيف منعها إلى سقاتها
مُباهيةٌ، طيَّ الوشاحِ، مثيرة
إذا جئتُها، يوماً زائراً،
لا بد أن يُعرض من صفاتها الكثير
تصد وتغض عن الشوق، وتجمع
ذنوبًا عُليها، إنه لعنيد!
فأبتعد منها خائفًا، وكأني مُجافٍ،
وتغفل عن مرة، نعود دومًا
ومَن يُعطى في الحياة رفيقًا كمثلها،
فذاك في الدنيا خير حياة
يموت الهوى مني حين ألقاها،
ويحيا، إن فرقتها، فيعود
يقولون: اجتهد يا جميل في غزوٍ،
وأي غزو، غيرهن، أريد؟
لكل حديثٍ بينهن بشاشةٌ
وكل قتيلٍ يحسب عندهن شهيدًا
وأحسن أيامي، وأبهج عيشتي،
إذا هاج بي يوم، وهنَّ قعود
تذكرت ليلى، فقلبي معتمد،
وشطت نواها، والزمن بغيض
علقت الهوى منها وليدًا، فلم يزلْ
إلى اليوم ينمو حبه، ويزيد
فما ذُكر الأحبابُ إلا ذكرتُها،
ولا البخل إلا قلتُ سوف تجود
إذا فكرت قالت: قد أدركتُ ودهُ
وماذا جنيت، فكيف أجود!
فلو تُكشف الأحشاء تحت ما صادف
لبثنة حب طريف وتليد
ألم تعلمي يا أمُ ذي الودعِ أنني
أبتسمُ لذكراكم، رغم صداها؟
فهل سألقي فردًا بثينة ليلاً
تُحيي الود وتجهد دمعًا؟
ومن كان في حبي بثينة يرتاب،
فبرقاءُ ضونٍ عليّ شهدتُ.
قصيدة فراق لطالب همّاش
ملأوا قلبي بالبكاء وفارقوني
كالسنين التي تمر!
والليل لولا حزنهم
لا نجم يضيء الخطايا
ولا هلال يتوب
على أغاني التماثيل الحزينة من خطاياها
فيحدب فوق صومعة الحنين!
تركوا النياحة للقصائد واستراحوا!
والخريف يهز رياح المغرب الحزين
على شباك غربتهم
كالأنشودة الحزينة!
لا زلت مثل حمامهم في الدار،
مثل طيورهم
أراقب رسائلهم على الأبواب
للذكرى
وأشتو كالغيوم فوق فلة حزنهم زهرًا
وفوق كتابهم
كالغصن زيتوناً وتينًا!
لا ريح إلا ترجع على جذوع الحور
ما تركوا من الحسرات!
لا صفصافة إلا تتهدل كلما غابوا
لأسراب العصافير التي
تركت دواليها بلا عنب،
وعادوا تائبين!
قصيدة بطاقة من نيويورك: الفراق لغادة السّمان
لا تقُل لي إننا افترقنا لأنني رحلت…
لقاؤنا أصبح فراقًا.
الفراق هو أن نجلس متلاصقين في “كارنيجي هول”، نصفق
لأغاني الحب، ويحتضن كل منا عود قلبه، ويتابع عزفه
المنفرد، وحيدًا في غرفة عمره.
الفراق هو أن نجلس إلى مائدة واحدة في الـ “غرينتش
فيلاج”، وكل منا يهيم وحيدًا في مجرّته، كوكبًا تكسوه الثلوج،
مهرولًا في مدارات الظلمة الصامتة.
لم أقتل شيئًا برحيلي، كان كل شيء قد مات، فحرّرتُ به
شهادة وفاة! أنا الصرخة لا القاتل…
من القاتل؟ أنت؟ أنا؟ الآخرون؟ ما الفرق؟
جثة الحب ثقيلة، والرحيل ولادة…
قصيدة غصصُ الفراقِ مُزِجنَ بالحسَراتِ للخبز أرزي
غصصُ الفراق مُزِجن بالحسرات،
وفراق مَن أهوى فراق حياتي
عجب لمَن يبقى لبعد حبيبه
أن لا يموت بكثرة الزفراتِ
موت البريّة عند وقت وفاتها
والعاشقون لهم فنون مماتِ
مَن لم يَذُق طعم الصبابة والهوى
ويكون صباً عُدَّ في الأمواتِ
بعد الفراق
محمد مهدي الجواهري
خليلي، سلِّ القلب عن هذه البلوى
وناجِ فان الهم يدفعه النجوى
ألا لو وجدنا عن أذانا مُحاميًا
أقمنا على الدهر الذي ضامنا الدعوى
سل الفلك الدوار يرفق بسيره
فإنا بلغنا للأذى الغاية القصوى
نأت دجلة عنّي وبانت ضفافُها
وأبعد ذاك الروض ذو المنبت الأحوى
فوالله، لا أقوى على ما تُهيجه الذكرى
وياليتني أقوى
أما الفراق فإنه ما أعهد
المتنبي
أما الفراق فإنه ما أعهد
هي توأمي لو كان بَيْنٌ يُولد
ولقد علمنا أننا سنطيع
لما علمنا أننا لا نخلد
وإذا الجياد طاعت البهي
نقلتنا منكم فأردأ ما ركبت الأجود
من خص بالذم الفراق فإنني
من لا يرى في الدهر شيئًا يُحمد
صد الحبيب لعرقلة الكلبي
صد الحبيب، وذاك دون فراقه
ومن الذي يبقى على ميثاقه
رشأ غار عليه من أجفانه
وأظنها للسقم من عشاقه
وأقول من سكري بخمرة ثغره
ويدي تلم بحل عقد نطاقه
يا ساقي الصهباء، اصرفًا تجر
ومزج لنا الصهباء من درياقه
جل الذي أعطاه في الحسن المنى
وأضاف خلقته إلى أخلاقه
كالغصن في حركاته، والظبية في
لفتاته، والبدر في إشراقه
قد ذُبت من شوقي إليه صبابة
وكذا المحبوب يذوب من أشواقه
قصيدة تمهّل قليلاً لفاروق جويدة
تمهّل قليلاً فإنك يوم
ومهما أطلت وقام المزار
ستشطرنا خلف شمس الغروب
وترحل بين دموع النهار
وتترك فينا فراغاً وصمتاً
وتلقي بنا فوق هذا الجدار
وتشتاق كالناس ضيفاً جديداً
وينهي الرواية صمت الستار
وتنسى قلوبًا رأت فيك حلماً
فهل كل حلم ضياءٌ ونار
ترفّق قليلاً ولا تنس أنّي
أتيت إليك وبعضي دمار
لأني انتظرتك عمراً طويلاً
فّتش عنك خبايا البحار
وغيرت لوني وأوصاف وجهي
لبست قناع المنى المستعار
وجئت إليك بخوفٍ قديمٍ
لألقاك قبل رحيل القطار
تمهّل قليلاً…
ودعني أسافر في مقلتيها
وأمحو عن القلب بعض الذنوب
لقد عشت عمراً ثقيل الخطايا
وجئت بعشّي وخوفي أتوب
ظلال من الوهم قد ضيعتنا
وألقت بنا فوق أرض غريبة
على وجنتيها عناء طويل
وبين ضلوعي جراح كئيبة
وعندي من الحب نهر كبير
تناثرتُ حزنًا على راحتيه
ويوماً صحوت رأيت الفراق
يكبّل نهر الهوى من يديه
وقالوا أتى النهر حزنًا عجوزاً
تلال من اليأس في مقلتيه
توارت على الشط كل الزهور
ومات الربيع على ضفتيه
تمهّل قليلاً…
سيأتي الحيارى جموعًا إليك
وقد يسألونك عن عاشقين
أحبّا كثيرًا وماتا كثيرًا
وذابا مع الشوق في دمعتين
كأنّا غدونا على الأفق بحرًا
يطوف الحياة بلا ضفتين
أتيناك نسعى ورغم الظلام
أضأنا الحياة على شمعتين
تمهّل قليلاً…
كلانا على موعد بالرحيل
وإن خدعتنا ضفاف المنى
لماذا نهاجر كالعصافير
ونهرب من حلم في صمتنا
يطاردنا الخوف عند الممات
ويكبر كالحزن في مهدنا
لماذا نطارد من كل شيء
وننسى الأمان على أرضنا
ويحملنا اليأس خلف الحياة
فنكره كالموت أعمارنا
تمهّل قليلاً.. فإنك يوم
غدا في الزحام ترانا بقايا
ونسبح في الكون ذرات ضوء
وينثرنا الأفق بعض الشظايا
نحلّق في الأرض روحًا ونبضًا
برغم الرحيل.. وقهر المنايا
أنام عبيرًا على راحتيها
وتجري دماها شذى في دمايا
وأنساب دفئًا على وجنتيها
وتمضي خطاها صدى في خطايا
وأشرق كالصبح فجراً عليها
وأحمل في الليل بعض الحكايا
وأملأ عيني منها ضياءً
فتبحث عن عمري.. وتحيي صبايا
هي البدء عندي لخلق الحياة
ومهما رحلنا لها منتهايا
تمهّل قليلاً.. فإنك يوم
وخذ بعض عمري وأبقى لديك
ثقيل وداعك لكننا
ومهما ابتعدنا فإنّا إليك
ستغدو سحابًا يطوف السماء
ويسقط دمعًا على وجنتيك
ويمضي القطار بنا والسفر
وننسى الحياة وننسى البشر
ويشطرنا البعد بين الدروب
وتعبث فينا رياح القدر
ونبقيك خلف حدود الزمان
ونبكيك يوماً كل العمر.