الذهب
كم من الأصدقاء والأحباء رافقتهم،
وكثير منهم تركوني في وقت الشدة.
على الرغم من أنهم كانوا سترًا وحجابًا،
إلا أنني في حاجتهم لم أجدهم.
عندما أصبحت العلاقات قائمة على المكاسب،
نسيتني الوجوه التي كنت أثق بها.
كانوا ثلاثة، لكنهم تركوني وحيدًا،
وعلمتهم كيف أحقق الأهداف.
وبمجرد أن قوي ساعدهم، أوصدوا الأبواب في وجهّي،
وأنا أصغرهم سنًا، فتداعت بذلك أخوتهم.
عبر شعري، أغضبوني ويبدو أنني كنت أكثرهم صدقًا،
لأنني زرعت في قلوبهم طمع النجاح.
حتى نصائحهم تخلوا عني،
فالعطايا صار لها دين وثمن.
حتى لو طلبت عذرًا منهم، لن يعطوني شيئًا،
فكأنني أطلب نصيحة من من هو في العذاب.
وإن كانت نصيحة، كيف لو تزوجوني؟!
كان من الأفضل لي أن أكتب لنفسي قصائد وأشعار.
لا أدري إن كانت عقولهم قد انقلبت،
فقد اختلطت الأفكار من دون عذر أو تبرير.
كثيرون أرادوا غيري، وكثيرون أرادوني،
شهدت الليل الذي يسهر على أشعاري وأحلامي.
كأنني حبستني معهم في عيوني،
فإذا رأوا بعضهم، رأوني في كل مكان.
من جهة كانوا ينظرون إليّ،
وكأن وجودي بينهم يحرق الأعصاب.
وانزعج بعضهم من بعضهم إذا ذكرتني،
يا ليتني كنت في عين أحدهم ومرة أخرى شاب.
وهم الكتاب والشعراء، كانوا يحاربوني،
حتى لو نزلت نجوم السماء لن تجرؤ على النجاة.
يكفيني أن اسمي كبير في عيونهم،
كما قال والدي: إن هبتني، قل: “ما هاب.”
لو كانوا يعرفوني كما يعرفوني،
ما دام قبري يحتضن إلى الأبد.
على الرغم من قدرة الناس على دفني،
فلو كنت ذئبًا لأكلوني حيا.
حتى لو لم أستطع إثبات وجودي،
لكانت وصمة العار أسوأ لأنهم كانوا أشرارًا.
جننتهم مثلما جنوني،
فما كنت أريد أن أجعلهم تدور قصائدي وكلامي.
قبلاً قبل أن أهز كبدهم،
يا ويل وفائي وكأن الدموع تحكم بيننا.
لم يتراجعوا ألمهم ولا استحوا من أسرتي،
كلما حدث مكروه لي، لطالما كانت عيني تدمع.
كان الشخص الوحيد الذي يتحرك مشاعري.
قبلتي صلاة وذكر وخشوع وكتاب.
وأمي على سجادة النور دعيت لي،
تطلب من الله أن يفتح لي الأبواب.
تتوكل عليه بأمل حتى يفتح لي أبواب الخيرات،
فقد شعرت بأن أصدقائي يكرهونني.
أخبرتها: “يا أمي، لدي أصدقاء يتمنونني.”
منذ أن حصل قلمي على كل الألقاب،
تتبعوني كأخي وصديقي وعائلتي وأقرابي.
منذ أن جئت، أعجبتهم وأعجبت بهم،
فإعجابهم بي لا يشبه أي إعجاب.
بأسلوبي وشرحي وطروحي ولوني،
إذا قلت عن نفسي “إنسان”، كنت كاذبًا.
وإذا قلت: “دمي من ذهب”، صدقوا،
لو كانت بيدهم، لزرعوا لي حدائق من الأعشاب.
لكنهم كانوا يريدون مني أن أكون مثله،
لأنني أصبحت جزءًا من طبيعتهم.
حتى في ملابسهم، قلدوني،
تصرّفوا وكأن الأبواب أغلقوا أمامي.
وكثير من الناس بكيت لهم، لكنني لن أكون بعدها،
لو طالت لي حدّ الهدم وسكنوا قلبي.
وكانوا أغلى هوائنهم من زمن طويل، لذا دمروني،
ولا يزال هناك ما يؤلمني.
قفيت عنهم كما قافوا عني،
فلو كان هناك عيب، سيصبح علامة.
ذبحت نفسي قبل أن يذبحوني،
إني فعلاً لو كتبت إن جاء قد تيبست.
أنا أتيت دون دعوة أو ترحاب،
لكن يعيب أن أردّ إذا دعوني.
ما دمت أتيت ولم يحتسبوا لي حساب.
قد حرمت من الذهاب إذا أرادوني، سنجني.
غدر الخناجر
عفى الله عن خطايا غدر الخناجر والقلوب المظلمة.
سامحني وتركني في ظلِّ الليل وحيدًا.
أرجوك، لا تبكِ، فبكاءك ذلة.
ولا أحد يتحمل مثلي مرارة الألم.
إنه عيب عليَّ أن أُنقض كلامي، والرجل أفعاله،
وإذا قلت سأقطع قدرتك، تعال، سأقطع عروقك.
لأكسب عينيك، كنت أشرب العذاب.
أشكالاً، ولتكن طيبا بحالي، لأرأف بحالك.
لقد فعلت شيئًا في حياتي لا يُذكر ولا يُقال.
إن العدو لا يقوم بما تفعله.
تمسيني حزنًا وتوقظيني على العذاب.
قليلاً ما أختار فينا، فهنا أنت تبتعد عن حناني.
تحملت الألم لأجلك، ليتني أثقل الجبال.
رحلت من عذابي، ولم أقف إلا عند حاجتك.
علامك كلما جئت، متواضعًا، جئتني تتكبر؟
معك، متى سأصبر؟ صبري ينفد معك.
مثلما انتظرت لعيونك، يجب أن تستقبلني في الحياة.
كما أنك أكرمتني يجب أيضًا أن تحترم قلبي.
أنا لا أبيع لك، ولا أنا أصغر أمالك،
بل أتيت لأحبك بمشاعري، لا لأكون تمثالاً.
أريد أن أسكن في قلبك وأبقى معك،
أريد أن أمحو عذابي لأجلك، تاركًا سراب اللامبالاة.
جئت لأستفز رضاك من غيابك.
لم تهمني عاقل، لأنني أحببتك على جنوني.
لم أحبك حيًّا، كنت أُعجب بك،
تخيّل كم كنت أخاف أن عواطفك تفر مني.
أخاف أن أُخطئ أمامك وأدوس بخطواتي على خيالك.
كنت أتابعك والعرب تتبع رعودًا.
قد رأيت المطر يتبعك في حضنك وترحالك.
كأن الذي خلق جمالك، خلقني ظلاً مع جسدك.
أنا أقرب جسد يرافقك.
أريد لقلبك أن يشعر أنه فقد أحد أعزائه.
لقد ملكته من أجل عينيك، ثم خسرت رضاه بأهمالك.
صحيح أن الفراق أسوأ، لكن التواصل مستحيل.
لقد كان من الصعب على نفسي غرورك، وضعفك أمامي.
بعدما رأى عيني، فإن بعدك يجعلني أحلم.
هل سأعود للسهر يا رفيقي؟ اللهم لا.
سأغير نظرتك لي وأأتيك كل يوم بطريقة جديدة.
تكون قريبة أكثر من ملابسك ولا تتصور ذلك.
سأجمعك لأسكنك وأرجعك وأعيد جمعك بالإهمال.
سأخونك وأزعلك، ثم أرضيك، وأزعل منك، ثم أرضى لك.
سأرسم وجهك على الأرض وأدفن وجهك في الرمال.
سأشتكي للعرب عن فراقك.
أهديك فراقا، تهدي فراقا وصالا.
سأفعل كما تفعل، وأقوم بما تفعل،
حتى تعرف من هو الأحمق ومن صاحب الروح الواسعة.
أريدك أن تتذوق فنجاني وأنا أتذوق فنجانك.
نصيحة احتفظ بها: الزمن قصير، لا تنساه.
أريدك أن تستمع لكلامي جيدًا وتحفظه.
إذا كان حبك طفوليًا، فلي عندي طفولة جديدة!
ولكن، لن أعدك بحبٍ غير حبك.
وإذا كنت تريد إهانة اسمي لأن تشمت الأعادي،
فلا أنت ولا شخص آخر و لا عشرة مثلك.
الأم
قصيدتي تنمو بأكثر جمالًا في عيني،
وأنا أنقي المعاني لأجّلها.
أكتب معانيها من الشوق والمحبة،
لأمي التي أنا أصغر الشعراء بينهم.
كتبتها في غربتي يوم رحلتي،
عندما جاء السفر بعيدًا عنها.
أمي، إذا كنت أصفها، أزيد حبها،
وإن لم أخبرها بقصيدي، فستفهم حبَّها.
أمي لها مكانة في قلبي وجوفي،
لا يضاهيها أحد من البشر.
أكثر قربًا من ظلالي وأنا في غربتي،
فإن عيوني لم ترى غيرها.
ولا يوجد في العالم مثل مثالها،
أغلى بشر بين الجميع كلهم.
وأكرم من أيدي السحاب حين تمطر.
أتبعه رضاها وأتمنى قربها،
ما طلبته في حياتي هو وصالها.
الصدق أساسها، والأشواق بحرها،
أسير معها بابتسامة حين يسأل قلبها.
إن طلبتني في شيء، سأجيء بسرعة.
أموت، لكنني أحمل تعبها وأنا مكانها.
أصبر على كل شيء حتى التعب.
أحمل على عاتقي جبالها من المآسي،
وأسهر لأعذّب قلبي بالشقاء.
أعيش بعذاب في سبيل أن ترتاح نفسُها.
تربية والدي كانت على الطيبة،
الذي وهبني الحياة وسعادتنا.
هو الذي ينير طريقي وأنا طفل مُبتدئ،
حتى تركني واحد من رجالها الكبار.
الأبوان أحق بالإحسان لهم،
وأجدر بتكريم النفوس وعدلها.
أقول ذلك وأنا على الله متوكل،
والله عالم بقدرتي وقدرتهم.
يا لكمة أغلى من البشر إن أتى كلهم.
يا شمس تُضيء في قلبي إلى زوالها.
يا فرحة تملأ لي الأرجاء بأكملها،
يا شجرة تنمو وتكبر ظلالها.
تضحك لي الدنيا حين أرى ظلك.
مثل السماء تتألق بقد صورتها.
أما بعدك، فلا يمكن العيش بدونك،
لا شك أن النار تتزاحم في اشتعالها.
لا أستطيع العيش في بلادٍ لا فيها،
ولا أحلام في عينيك لم أشمها.
أرض تدوس عليها أمي برمالها،
أموت في حبها وأدفن في رمالها.
أول الغيث
باسم الله، أكبر وأول الغيث فرسان،
جادت الغيوم وانبنت السور من الطين.
كأن الثرى ينبت منازل وجدران،
وكأن السماء تمطر شيوخًا وسلاطين.
نعمة من الله تعصرك يا قصر دسمان،
وأمطرت يا غيث الضّعاف المساكين.
يا شيخ جابر، يا سلايل كحيلان،
أشهد أن ما قدمته قليل.
أقولها بوضوح بلا ندم،
إذا عدت للرجال الأوفياء،
سافرت أعتمي البلدان.
ورأت الأعين بالكثير من الشجعان،
لكنها لم ترى مثل الشيخ جابر حتى الآن.
الله قد جمع طيبة هؤلاء البشر فيك.
قرمٍ فطره الله على العقل والدين،
سلطان كأنك لا بمسلك السلطان.
واحد، لكن وحيد في نظرنا ملايين.
يا شيخ، طيبك يرهق العقول والأذهان.
نظرة طموحك تتعب العقل والعين،
مدت يديك بين الإنس والجان.
وأعمال خيرك أوصلت شيب البث.
من شبه أسياد العرب فيك مغلط،
أنت الوحيد الذي قلبت المقاييس.
والله لو مدحت طيبة أي شخص،
لفزعتهم وقور ربيعهم في ذاك المكان.
يا درعاً لنا، لم تمزقنا في صمودك،
يا سيف العدل الذي سلت لسنين.
يا فزعة من هو جائع ليقدّم لك،
يا شوق للمشاق على الأعناق.
من لا ينظر لوجهك الطاهر لا يُقدّر،
ومن لا يدعوك لم يعرف قيمتك بشكل صحيح.
ومن لا يشرف بالمحادثة معك حقق الخسران،
ولولاك ما كنا ولا استطعنا سبيلاً.
ومن دون عدلك، الأمر لا يستمر.
المدح لغيرك نقص فينا.
والخير غيرك كفالة لفترة الدين،
يا كويت نكرّهم على الخرايط والأوطان.
واهتم لمجادك تواريخ وسنه.
وترخص على شآنك تدفة أكفان.
ويحلى رملك بدموع الشرايين.
يا كويت، نحن للشدايد والأحزان.
جئنا من أجل الموت وأنت تستمرين،
كرامتك تبقى تقوى وتحفظ وتنزان.
وإن ضاعت نفوس العرب، فأنت لا تضيعين،
الله خلقنا لنكون خصومًا.
وصدورنا تبرأ من طعن السكاكين،
حتى لو ضُربت حسادك تزعزع بالأجساد.
نحن بضربة نقسم الجمع نصفين،
وإن كان بيندية قد تبدو مررة.
نحن القشر فينا بلا ميادين،
إذا عادت الحميا، فهي حمية الأخوان.
نحن حميتنا حمية جنون،
للهرج ميدان وللأفعال ميدان.
وللمجد درب وللشهامة عناوين،
وللفخر ناس وللتواريخ أبواب.
وللموت سوق وللتجارب عناوين،
يا أبو مبارك، والله أنك كحيلان.
وأشهد أن ما فعلته قليل.
مرت بي الطيبة بأنماط وألوان،
وقابلت حكامًا وملوكًا وسلاطين.
على كثرة ما رأيت حكام شجعان،
لم أرى مثل الشيخ جابر حتى اليوم.
فراق الأكابر
اللهم على العقل وثبّته في الدين،
في حزن لا يُنسى ولا يُغفَر.
في صدورنا كأنها طعْنٌ للسكاكين،
وعيوننا مثل الأكفان والمقابر.
لقد حزنّا لشيوخنا الغائبين،
وكيف لا نحزن على الشيخ جابر؟
يا أكبر غلا تدمع على شأنك الأعين،
يا أغلى من بكيت عليه منابر.
يا واجب لطيف شموخ السلاطين،
ومثبت بزهدك سمو المخابر.
أنت الذي خلق الله وطنًا للمساكين،
يا أصدق قصيدة سطّرتها المحابر.
رحت وتركت محبتك عندنا دين،
علمتنا معنى فراق الأكابر.
يا سيدي، من سيلقانا مثل طيبتك؟
أنت الذي تكبر وسط الجميع وبدون مراوغة،
فإذا غاب جابرنا، يأتي جابر آخر من بعيد.
وإحنا ملاهيفك كما أنت تخبر.
نحن نبكي على فراق الغائبين.
وكيف لا نبكي على موت جابر؟
الجريمة
حين ثار جنون الجاهلية،
عاتبتني حتى شبت في شراييني نيران.
واستفزتني، جعلتني أشعر بالزعل عليه،
واستدارت على قولي حتى زعلتني بكلامك.
بعد ذلك، لم يبق لي شيء في انتظاري.
أسدلت دمع المحاجر أطلقه على البكاء،
والله إني لم أنوِ ابتدأ الخطأ معها.
ولكن هي التي تعدّت الواجب في لحظة الغضب.
والله إني كنت أتكابر في عتابي نية جيدة.
لكن أبدري، أنا الوحيد الذي تعجبها.
قد أكون قاسياً معها أكثر من اللازم.
فقد كانت تتمنى راحتي، وأنا أُعجب تعاني.
جرحتني بكلامها وكبرت القضية،
وخسرتني كل عرق في شراييني بسببه.
ولا هي لم تكن تستحق قوة العناد.
كان الجفا تعافى، لكن لا أدري ما قلبها.
ليتني لم أضع قياس محبتها أمام البدوية.
قد عدت لي بكل عرقٍ أحبها ولا نهبها.
وعلمتني كيف تنتصر مع الجفا.
وعلمتني قلبي إن غلبني لا أحولها.
وعلمتني في الأجودية عن العنف ما كان.
لا تلوح لوجهك لو سلبها أو سلبها.
رابية بين القبائل والعرب وأهل الحمية.
عاقلة، لا تبذر إلا نخلة تعرف بثمرها.
إن تهادت، ذكرتني في خفوق العامرية.
وإن تمادت، تردت أيضا تقايد إبليس.
جفنها، إن سهرمتُ بها لا أستطيع الفراق.
تسحبني برضائها عيني، وإن سهت عيني سحبتها.
وإن نظمت تعطي مكانها حروف الأبجدية.
كن كلمتها مرزوبة، والكلام الذي يليها.
والحروف إذا مرت تنساب بالشفاه النرجسية.
كأنها قصيدة، لكن ربي لم يكتبها.
وما وصف من حلاها وأخفيت ما غطته.
ما في الحسن عيب، إلا خجول،
وشفاه لو تتذوق، تختلط بحلوها.
كأن ضمة شفاهها جمر بنار حية.
من حس بدفاها واحترق صدّه.
كتبتها مثل الجريمة، وأبتليت بها.
غلطة فيها، جئت لأتحاشاها ووقعت فيها.
كل شيء فيها يُضفي لمسة جاذبية.
موهبة منحها الله، وأشهد أن الله وهدها.
كلما أنظر، من تقدمني إلى أسفل كعبها.
حتى إذا تبادلت شعوري هدية بهدية.
لم توفيني لو بيعت ثيابها وأكثر من ذهبها.
هملتني، وقلوب الجرهدية تجرهدية.
وراحتني، والمحبة تأكل حطبها.
لا، لم أكابر، والليالي السرمدية.
ربما كان ما اضطرني شغفي إليها.
يا خوفوقي، وأعرف أنك لا تحتاج وصية.
انظر مكاني، وتدري أين هي؟
رح لها، وإن كان في قلبها راحة لرؤيتي.
انظر في عروقها، وإن حصل، أتمم طلبها.
واسألها، وإن قالت أمرًا فيه هدر دمي، لا تفعل.
قلي إنني لم أتحمل العتب، فليتني فعلت.
وإن قال إني أنا المبتدي في الخطايا،
قل هي التي تعدت حدها، لحظة غضبها.