أشعار المتنبي التي تتناول موضوع الحب

قصيدة الحبّ ما منع الكلام الألسنا

الحبّ لا يمنع الكلام بين الألسنة،

وألذّ شكوى عاشق لم تُعلن بعد.

ليت الحبيب الهاجر قد هجر النوم،

من دون أن يكون له ذنب يصلني بآلامي.

بتنا معًا، وإذا مسنا، لم تعرف ما

ألواننا من عواطفنا المتجددة،

وقد اشتعلت أنفاسنا حتى أنني

أشفقت على أن تسحب العواذل بيننا.

أفدي المودّعة التي أتبعتها

نظراتٍ فردية بين زفرات أنفاسي.

أنكرت الزمان في أحد المرات،

ثم اعترفت بها وصارت عادات.

وقطعت في هذه الدنيا المسافات،

بين طريقي وبيني الواهن.

فوقفت على ما أوقفني حظي،

وبلّغت من حلمي ما لا يمكن نيله.

لأبي الحسين هناك وجود يتسع،

وعن هذا العالم مهما كانت الحواجز.

وشجاعة تغنيه عن ذكرها،

وكلمات الجبان تمنعه من الإجابة.

ارتفعت حمائل الفخر على أكتافه،

ما كرّ قط، فهل يكرّ، وما انحنى؟

فكأنّه والطعن من أمامه،

متخوفٌ من خلفه أن يصيبه.

نفت التوهم عنه حدة ذهنه،

فقد قرر غيبيّات الأمور يقينًا.

يتفزع الجبّار من المفاجآت،

فلا زال في وحدته متكفّنًا.

أراد أن تكون له قوة سيصبح لها مكان،

واستقرب الأقصى، فها هنا يجد.

يستشعر القوة على جلد رقيق،

ثوبًا أخفّ من الحرير وأرقى.

وهو أملّ من فراق الأحبّة عنده،

فقد فقد السيوف التي غابت عنه.

لا تستقرّ الرّعبة في صدره يومًا،

ولا الإحسان أن لا يشعر بنا.

مستنبطٌ من علمه ما في الغد،

فكأنّ ما سيكون فيه تدقيق.

الأذهان تتقاصر عن إدراكه،

مثل الذي الأفلاك فيها والدنيا.

من ليس من بين قتلاه أو أصدقائه،

لمّا قفلت من السواحل نحونا،

قفلت إليها الوحدة التي بانت منا.

أرج الطّريق فما مررت بموضع،

إلاّ وأقيم فيه الشذى مستوطنا.

لو تعقل الأشجار التي قابلتها،

مدّت إليك بالأغصان المحيّية.

سلكت بحكمة تماثيل القباب،

جنّ بٍشغفها، فأدارت فيك العيون.

رقصت مراكبنا ظننا أنّها،

لولا حياءٌ قد عاقها، رقصت بنا.

أقبلت مبتسمة، والجياد غاضبة،

تعيبنا من حول الحلق والسيوف.

عقدت سنابكها عليها بوثاقة،

لو أنك تسعى نحوها، لأمكنك.

وأنت الأمر والقلوب تأتينا،

بين الموت والمنى، فتعجبت حتى ما عجبني.

ورأيت ما رأيت من النور،

إنّي أراك من المكارم عسكرًا.

في عسكر ومن المعالي مجموع.

فطن القلب لما أتيت على النوى،

ولمّا تركت مخافة من أن تفطن.

أصبح فراقك لي عقوبة،

ليس الذي قاسيت منه هيّنًا.

فاغفر فدًى لك، وأحبني من بعد،

لتخصّني بعطيّة منها، أعطيني.

وانظر، المشير عليك فيّ بظلّة،

فالحرّ ممتحنٌ بأولاد الزنى.

وإذا الشاب طرح الكلام معرّضًا،

في مجلس أخذ الكلام اللّذ منّي.

ومكايد السّفهاء واقعةٌ بهم،

وعداوة الشعراء بئس المقتنى.

لعنت مقارنة اللئيم، فإنّها،

ضيفٌ يجلب من الندامة ضيفنا.

غضب الحسود إذا لقيتك راضيًا،

رزءٌ أخفّ عليّ من أيّة مصيبة.

أمسى الذي أمسى بربّك كافرًا،

من غيرنا، معنا بفضلك مؤمنًا.

خلت البلاد من الغزالة لياليها،

فأعاضها الله كي لا تحزنا.

قصيدة لعينيك ما يلقى الفؤاد وما لقي

لعينيك ما يعاني الفؤاد وما ألقى،

وللحبّ ما لم يبق منّي وما بقي.

وما كنت ممّن يدخل العشق قلبه،

لكن من يبصر جفونك يعشق.

بين الرضى والسخط والقرب والنوى،

مجالٌ لدمع المقلة المختنق.

وأحلى الهوى ما شَكّ في الوصل ربّه،

سقى الله أيّام الصّبا، ما يسرّها.

ويفعل فعل البابليّ العتيق،

إذا ما لبست الدّهر مستمتعًا به،

تخرّقت والملبوس لم يتخرّق.

ولم أر كالألحاظ يوم رحيلهم،

بعثن بكلّ القتل من كلّ مشفق.

أدرن عيونًا حائرات كأنّها،

مركّبةٌ أحداقها فوق زئبق.

عشيّة يعدونا عن النظر البكاء،

وعن لذّة التوديع خوف التفرّق.

نودّعهم والبين فينا كأنّه،

قَنا ابن أبي الهيجاء في قلب فيلق.

قواضُ مواضعٍ نسج داود عندها،

إذا وقعت فيه كنسج الخدرنق.

هوادٌ لأملاك الجيوش كأنّها،

تخيّر أرواح الكماة وتنتقي.

تقدّم عليهم كلّ درع وجوشن،

وتفري إليهم كلّ سور وخندق.

يغير بها بين اللّقان وواسط،

ويركزها بين الفرات وجلّق.

ويرجعها حمراً كأنّ صحيحها،

يبكّي دماً من رحمة المتدقّق.

فلا تبلغاه ما أقوله فإنّه،

شجاعٌ متى يذكر له الطّعن يشتق.

ضروبٌ بأطراف السيوف بنانه،

لعوبٌ بأطراف الكلام المشقّق.

كسائله من يسأل الغيث قطرةً،

كعاذله من قال للفلك ارفق.

لقد جدت حتى جدت في كلّ ملّة،

وحتى أتاك الحمد من كلّ منطق.

رأى ملك الروم ارتياحك للنّدى،

فقام مقام المجتدي المتملّق.

وخلّى الرماح السّمهريّة صاغراً،

لأدرب منه بالطّعان وأحذق.

وكاتب من أرض بعيد مرامها،

قريب على خيل حواليك سبّق.

وقد سار في مسراك منها رسوله،

فلمّا دنا أخفى عليه مكانه،

شعاع الحديد البارق المتألّق.

وأقبل يمشي في البساط فما درى،

إلى البحر يسعى أم إلى البدر يرتقي.

ولم يثنك الأعداء عن مهجاتهم،

بمثل خضوع في كلام منمّق.

وكنت إذا كاتبته قبل هذه،

كتبت إليه في قذال الدّمستق.

فإن تعطه منك الأمان، فسائلٌ،

وإن تعطه حدّ الحسام، فأخلق.

وهل ترك البيض الصّوارم منهم،

حبيساً لفاد أو رقيقًا لمعتق.

لقد وردوا ورد القطا شفراتها،

ومرّوا عليها رزدقاً بعد رزدق.

بلغت بسيف الدولة النور رتبةً،

أنارت بها ما بين غرب ومشرق.

إذا شاء أن يلهو بلحية أحمق،

أراه غباري، ثم قال له الحق.

وما كمد الحسّاد شيءٌ قصدته،

ولكنّه من يزحم البحر يغرق.

ويمتحن الناس الأمير برأيه،

ويغضي على علم بكلّ ممخرق.

وإطراق طرف العين ليس بنافع،

إذا كان طرف القلب ليس بمطرق.

فيا أيّها المطلوب جاوره تمتنع،

ويا أيّها المحروم يمّمه ترزق.

ويا أجبن الفرسان صاحبه تجترئ،

ويا أشجع الشجعان فارقه تفرق.

إذا سعت الأعداء في كيد مجده،

سعى جدّه في كيدهم سعي محنق.

وما ينصر الفضل المبين على العدى،

إذا لم يكن فضل السعيد الموفّق.

قصيدة واحرّ قلباه ممّن قلبه شبم

واحرّ قلباه ممن قلبه شبم،

ومن بجسمي وحالي عنده سقم.

ما لي أكتّم حبًّا قد برى جسدي،

وتدّعي طنّيف سيف الدولة الأمم.

إذا كان يجمعنا حبٌّ لغرّته،

فليت أنّا بقدر الحبّ نقتسم.

قد زرته وسيوف الهند مغمدةٌ،

وقد نظرت إليه والسيوف دم.

فكان أحسن خلق الله كلّهم،

وكان أحسن ما في الأحسن الشيم.

فُوت العدوّ الذي تميمته ظفر،

في طيّه أسفٌ في طيّه نعم.

قد ناب عنك شديد الخوف واصطنعت،

لك المهابة ما لا تصنع البهم.

ألزمت نفسك شيئًا ليس يلزمها،

أن لا يواريهم أرضٌ ولا علم.

أكلّما رمت جيشًا فانثنى هربًا،

تصرّفت بك في آثاره الهمم.

عليك هزمهم في كلّ معترك،

وما عليك بهم عارٌ إذا انهزموا.

أما ترى ظفرًا حلواً سوى ظفر،

تصافحت فيه بيض الهند واللّمم.

يا أعدل الناس إلاّ في معاملتي،

فيك الخصام وأنت الخصم والحكم.

أعيذها نظرات منك صادقةً،

أن تحسب الشحم فيمن شحمه ورم.

وما انتفاع أخي الدّنيا بناظره،

إذا استوت عنده الأنوار والظّلم.

سيعلم الجمع ممّن ضمّ مجلسنا،

بأنّني خير من تسعى به قدم.

أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي،

وأسمعت كلماتي من به صمم.

أنام ملء جفوني عن شواردها،

ويسهر الخلق جرّاها ويختصم.

وجاهل مدّه في جهله ضحكي،

حتى أتته يدٌ فرّاسةٌ وفم.

إذا رأيت نيوب اللّيث بارزةً،

فلا تظنّنّ أنّ اللّيث يبتسم.

ومهجة مهجتي من همّ صاحبها،

أدركتها بجواد ظهره حرم.

رجلاه في الركض رجلٌ واليدان يدٌ،

وفعله ما تريد الكفّ والقدم.

ومرهف سرت بين الجحفلين به،

حتى ضربت وموج الموت يلتطم.

الخيل والليل والبيداء تعرفني،

والسيف والرّمح والقرطاس والقلم.

صحبت في الفلوات الوحش منفردًا،

حتى تعجّب مني القور والأكم.

يا من يعزّ علينا أن نُفارِقهم،

وجداننا كلّ شيء بعدكم عدم.

ما كان أخلقنا منكم بتكرمة،

لو أنّ أمركم من أمرنا أمم.

إن كان سرّكم ما قال حاسدنا،

فما لجرحٍ إذا أرضاكم ألم.

وبيننا لو رعيتم ذاك معرفة،

إنّ المعارف في أهل النّهى ذمم.

كم تطلبون لنا عيبًا فيعجزكم،

ويكره الله ما تأتون والكرم.

ما أبعد العيب والنقصان من شرفي،

أنا الثّريّا وذان الشيب والهرم.

ليت الغمام الذي عندي صواعقه،

يزيلهنّ إلى من عنده الديم.

أرى النوى يقتضيني كلّ مرحلة،

لا تستقلّ بها الوخّادة الرّسم.

لئن تركن ضميرًا عن ميامننا،

ليحدثنّ لمن ودّعتهم ندم.

إذا ترحلت عن قوم وقد قدروا،

أن لا تفارقهم، فالرّاحلون هم.

شرّ البلاد مكانٌ لا صديق به،

وأشرّ ما يكسب الإنسان ما يصم.

وأشرّ ما قنصته راحتي قنصٌ،

شهب البزاة سواءٌ فيه والرّخم.

بأيّ لفظ تقول الشعر زعنفةٌ،

تجوز عندك، لا عربٌ ولا عجم.

هذا عتابك إلاّ أنّه مقةٌ،

قد ضمّن الدّرّ إلا أنّه كلم.

قصيدة أتظعَنُ يا قلبُ مع من ظعَنْ

أتظعَنُ يا قلبُ مع من ظعَنْ،

حبيبَينِ أندُبُ نفسي إذن.

ولم لا أصابُ وحربُ البسوس،

بينَ جفوني وبينَ الوسن.

وهل أنا بعدكم عائشٌ،

وقد بنت عنّي وبان السكّن؟

فدى ذلك الوجه بدرُ الدجى،

وذاك التثنّي تثنّي الغصن.

فما للفراق وما للجميع،

وما للرياح وما للدمن؟

كأن لم يكن بعد أن كان لي،

كما كان لي بعد أن لم يكن.

ولم يسقني الراح ممزوجةً،

بماء اللّثى لا بماء المزّن.

لها لون خدّيه في كفّه،

وريحك يا أحمدَ بنَ الحسن.

ألم يُلفِكَ الشرفُ اليعربيّ،

وأنت غريبَةُ أهل الزمَنْ؟

كأن المحاسن غارت عليك،

فسَلّلت لديك سيوفَ الفتن.

لذكرِكَ أطيب من نشرها،

ومدحُكَ أحلى سماع الأذن.

فلم يرَكَ الناس إلا غنوا،

برؤياكَ عن قولِ هذا ابنُ من.

ولو قصِدَ الطفلُ من طيّئ،

لشاركَ قاصده في اللبن.

فما البحر في البرّ إلا نداكَ،

وما الناس في الباسِ إلا اليمن.

قصيدة لا تَحسَبوا رَبعَكُم وَلا طَلَلَه

لا تَحسَبوا رَبعَكُم وَلا طَلَلَه،

أَوَّلَ حَيٍّ فِراقُكُم قَتَلَه.

قَد تَلِفَت قَبلَهُ النُّفُوسُ بِكُم،

وَأَكثَرَت في هَواكُمُ العَذَلَه.

خَلا وَفيهِ أَهلٌ وَأَوحَشَنا،

وَفيهِ صِرمٌ مُرَوِّحٌ إِبِلَه.

لَو سارَ ذاكَ الحَبيبُ عَن فَلَكٍ،

ما رَضِيَ الشَمسَ بُرجُهُ بَدَلَه.

أُحِبُّهُ وَالهَوى وَأَدأُرَهُ،

وَكُلُّ حُبٍّ صَبابَةٌ وَوَلَه.

يَنصُرُها الغَيثُ وَهيَ ظامِئَةٌ،

إِلى سِواهُ وَسُحبُها هَطِلَه.

واحَرَبا مِنكِ يا جَدايَتَها،

مُقيمَةً فَاِعلَمي وَمُرتَحِلَه.

لَو خُلِطَ المِسكُ وَالعَبيرُ بِها،

وَلَستِ فيها لَخِلتُها تَفِلَه.

أَنا اِبنُ مَن بَعضُهُ يَفوقُ أبا ال،

باحِثِ وَالنَجلُ بَعضُ مَن نَجَلَه.

وَإِنَّما يَذكُرُ الجُدودَ لَهُم،

مَن نَفَروهُ وَأَنفَدوا حِيَلَه.

فَخراً لِعَضبٍ أَروحُ مُشتَمِلَه،

وَسَمهَرِيٍّ أَروحُ مُعتَقَلَه.

وَليَفخَرِ الفَخرُ إِذ غَدَوتُ بِهِ،

مُرتَدِياً خَيرَهُ وَمُنتَعِلَه.

أَنا الَّذي بَيَّنَ الإِلَهُ بِهِ ال،

أَقدارَ وَالمَرءُ حَيثُما جَعَلَه.

جَوهَرَةٌ يَفرَحُ الكِرامُ بِها،

وَغُصَّةٌ لا تُسيغُها السَفِلَه.

إِنَّ الكِذابَ الَّذي أَكادُ بِهِ،

أَهوَنُ عِندي مِنَ الَّذي نَقَلَه.

فَلا مُبالٍ وَلا مُداجٍ وَلا،

وانٍ وَلا عاجِزٌ وَلا تُكَلَه.

وَدارِعٍ سِفتُهُ فَخَرَّ لَقىً،

في المُلتَقى وَالعَجاجِ وَالعَجَلَه.

وَسامِعٍ رُعتُهُ بِقافِيَةٍ،

يَحارُ فيها المُنَقِّحُ القُوَلَه.

وَرُبَّما أُشهِدُ الطَعامَ مَعي،

مَن لا يُساوي الخُبزَ الَّذي أَكَلَه.

وَيُظهِرُ الجَهلَ بي وَأَعرِفُهُ،

وَالدُرُّ دُرٌّ بِرَغمِ مَن جَهِلَه.

مُستَحيِياً مِن أَبي العَشائِرِ أَن،

أَسحَبَ في غَيرِ أَرضِهِ حُلَلَه.

أَسحَبُها عِندَهُ لَدى مَلِكٍ،

ثِيابُهُ مِن جَليسِهِ وَجِلَه.

وَبيضُ غِلمانِهِ كَنائِلِهِ،

أَوَّلُ مَحمولِ سَيبِهِ الحَمَلَه.

ما لِيَ لا أَمدَحُ الحُسَينَ وَلا،

أَبذُلُ مِثلَ الوُدِّ الَّذي بَذَلَه.

أَأَخفَتِ العَينُ عِندَهُ خَبَراً،

أَم بَلَغَ الكَيذُبانُ ما أَمَلَه.

Related Posts

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *