تعتبر قصيدة “إذا رأيت نيوب الليث بارزة” إحدى أبرز إبداعات الشاعر أبو الطيب المتنبي. في هذا المقال، سنستعرض معاني أبيات هذه القصيدة ونستكشف جمالها الفني.
أبيات القصيدة “إذا رأيت نيوب الليث بارزة”
الأبيات الأولى
- واحَرَّ قلباه ممَّن قلبه شَبِم ** وَمَن بِجِسمي وَحالي عِندَه سَقَم.
- مالي أكَتِّم حبّاً قَد بَرى جَسَدي ** وَتَدَّعي حبَّ سَيفِ الدَولَةِ الأمَم.
- إِن كانَ يجمعن حبّ لِغرَّتِهِ ** فَلَيتَ أَنّا بِقَدرِ الحبِّ نَقتَسِم.
- قَد زرته وَسيوف الهِندِ مغمَدَةٌ ** وَقَد نَظَرت إِلَيهِ وَالسيوف دَم.
- فَكانَ أَحسَنَ خَلقِ اللهِ كلِّهِمِ ** وَكانَ أَحسَنَ ما في الأَحسَنِ الشِيَم.
- فَوت العَدوِّ الَّي يَمَّمتَه ظَفَر ** في طَيِّهِ أَسَف في طَيِّهِ نِعَم.
- قَد نابَ عَنكَ شَديد الخَوفِ وَاِصطَنَعَت ** لَكَ المَهابَة مالا تَصنَع البهَم.
- أَلزَمتَ نَفسَكَ شَيئاً لَيسَ يَلزَمها ** أَن لا يوارِيَهم أَرض وَلا عَلَم.
- أَكلَّما رمتَ جَيشاً فَاِنثَنى هَرَباً ** تَصَرَّفَت بِكَ في آثارِهِ الهِمَم.
- عَلَيكَ هَزمهم في كلِّ معتَرَكٍ ** وَما عَلَيكَ بِهِم عار إِذا اِنهَزَموا.
- أَما تَرى ظَفَراً حلواً سِوى ظَفَرٍ ** تَصافَحَت فيهِ بيض الهِندِ وَاللِمَم.
- يا أَعدَلَ الناسِ إِلّا في معامَلَتي ** فيكَ الخِصام وَأَنتَ الخَصم وَالحَكَم.
- أعيذها نَظَراتٍ مِنكَ صادِقَةً ** أَن تَحسَبَ الشَحمَ فيمَن شَحمه وَرَم.
- وَما اَنتِفاع أَخي الدنيا بِناظِرِهِ ** إِذا اِستَوَت عِندَه الأَنوار وَالظلَم.
- سيعلم الجمع ممن ضمَّ مجلسنا ** بأنني خير من تسعى به قَدَم.
- أَنا الَّذي نَظَرَ الأَعمى إلى أَدَبي ** وَأَسمَعَت كَلِماتي مَن بِهِ صَمَم.
- أَنام مِلءَ جفوني عَن شَوارِدِها ** وَيَسهَر الخَلق جَرّاها وَيَختَصِم.
- وَجاهِلٍ مَدَّه في جَهلِهِ ضَحِكي ** حَتّى أَتَته يَد فَرّاسَة وَفَم.
- إِذا رأيتَ نيوبَ اللَيثِ بارِزَةً ** فَلا تَظنَّنَّ أَنَّ اللَيثَ يبتَسِم.
- وَمهجَةٍ مهجَتي مِن هَمِّ صاحِبِها ** أَدرَكتها بِجَوادٍ ظَهره حَرَم.
- رِجلاه في الرَكضِ رِجل وَاليَدانِ يَد ** وَفِعله ما تريد الكَفّ وَالقَدَ.
الأبيات الثانية
- وَمرهَفٍ سِرت بَينَ الجَحفَلَينِ بِهِ ** حَتّى ضَرَبت وَمَوج المَوتِ يَلتَطِم.
- الخَيل وَاللَيل وَالبَيداء تَعرِفني ** وَالسَيف وَالرمح وَالقِرطاس والقَلَم.
- صَحِبت في الفَلَواتِ الوَحشَ منفَرِداً ** حَتّى تَعَجَّب مِنّي القور وَالأَكَم.
- يا مَن يَعِزّ عَلَينا أَن نفارِقَهم ** وِجداننا كلَّ شَيءٍ بَعدَكم عَدَم.
- ما كانَ أَخلَقَنا مِنكم بِتَكرمَةٍ ** لَو أَنَّ مِن أَمرِنا أَمَم.
- إن كانَ سَرَّكم ما قالَ حاسِدنا ** فَما لِجرحٍ إِذا أَرضاكم أَلَم.
- وَبَينَنا لَو رَعَيتم ذاكَ مَعرِفَة ** إنَّ المَعارِفَ في أَهلِ النهى ذِمَم.
- كَم تَطلبونَ لَنا عَيباً فَيعجِزكم ** وَيَكرَه الله ما تَأتونَ وَالكَرَم.
- ما أَبعَدَ الَعيبَ وَالنقصانَ عَن شَرَفي ** أَنا الثرَيّا وَذانِ الشَيب والهَرَم.
- لَيتَ الغَمامَ الَّذي عِندي صَواعِقه ** يزيلهنَّ إِلى مَن عِندَه الدِيَم.
- أَري النَوي تَقتَضيني كلَّ مَرحَلَةٍ ** لا تَستَقِلّ بِها الوجادة الرسم.
- لَئِن تَرَكنَ ضمَيراً عَن مَيامِنِنا ** لَيَحدثَنَّ لِمَن وَدَّعتهم نَدَم.
- إِذا تَرَحَّلتَ عَن قَومٍ وَقَد قَدَروا ** أَن لا تفارِقَهم فَالراحِلونَ هم.
- شَرّ البِلادِ مَكانٌ لا صَديقَ بِهِ ** وَشَرّ ما يَكسِب الإِنسان ما يَصِم.
- وَشَرّ ما قَنَصَته راحَتي قَنَصٌ ** شهبٌ البزاةِ سَواءٌ فيهِ وَالرَخَم.
- بأَيِّ لَفظٍ تَقول الشِعرَ زِعنِفَةٌ ** تَجوز عِندَكَ لا عربٌ وَلا عَجَم.
- هَذا عِتابكَ إِلاّ أَنَّه مقه ** قَد ضمِّنَ الدرَّ إِلّا أَنَّه كَلِم.
الصور الفنية في القصيدة
أولاً
- واحَرَّ قلباه: يتضمن تشبيه الشاعر لاحتراق قلبه نتيجة الاشتياق لسيف الدولة باللهيب.
- فيمن في قلبه شبم: يمثل تشبيهاً للشاعر بعدم اشتياق سيف الدولة له بالبرودة.
- مالي أكتم حباً قد برى جسدي: يتمثل في وصف الحب كما لو كان مادة مذيبة لها قوة على إذابة الجسد وتركه ضعيفاً.
- فيك الخصام وأنت الخصم والحكم: يماثل التشبيه بسياق قانوني، حيث الشاعر هو المدعي والمدعى عليه في آن واحد، مما يؤكد على عدم وجود انصاف.
- كذلك فيمن شحمه ورم: يشبه الشاعر أخطاء الآخرين بما يشبه الخطأ في فهم المظاهر.
- وما انتفاع أخي الدنيا بناظره إذا استوت عنده الأنوار والظلم: يوضح الشاعر كيف أن سيف الدولة مثل الأعمى الذي لا يميز بين النور والظلام.
- أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي: يبين كيف أن شعره قادر على إيصال المعاني حتى لمن لا يرى.
ثانياً
- أسمعت كلماتي من به صمم: يشبه جودة شعره بقدرة الصوت على الوصول إلى الصم.
- إذا رأيت نيوب الليث بارزة فلا تظنن أن الليث يبتسم: يؤكد على حقيقة أن المظهر الخارجي لا يعكس ما بداخل النفس.
- فالخيل والليل والبيداء تعرفني والسيف والرمح والقرطاس والقلم: يبني على فكرة الشهرة التي تميز الشاعر عن غيره، حيث يُعتبر جزءاً من البيئة المحيطة به.
- إن كان سركم ما قال حاسدنا فما لجرح إذا أرضاكم ألم: يشير إلى أن رضا سيف الدولة قد لا يعالج الجروح الحقيقية.
- كذلك أنا الثريا وذان الشيب والهرم: يظهر ثقته بنفسه، مشبهاً نفسه بنجمة لا يمكن الإضرار بها.
- ليت الغمام الذي عندي صواعقه يزيلهن إلى من عنده الديم: يعبر عن ألمه واحتياجه إلى الإحسان.
- هذا عتابك إلا أنه مقه قد ضمن الدر إلا أنه كلم: يشير إلى براعة الشاعر في صياغة كلماته كالدرر المتلألئة.
الأساليب
- مالي أكتم حباً قد برى جسدي: أسلوب استفهام يعبر عن الدهشة.
- يا أعدل الناس إلا في معاملتي: أسلوب نداء يُظهر طلب العدل.
- واحر قلباه ممن قلبه شبم: تعبير عن الشوق.
- كذلك إن كان سركم ما قال حاسدنا فما لجرح إذا أرضاكم ألم: أسلوب شرط يعكس حالة التوتر.
- إذا رأيت نيوب الليث بارزة فلا تظنن أن الليث يبتسم: أسلوب شرط يوضح أهمية عدم الانخداع بالمظاهر.
- ما أبعد العيب والنقصان عن شرفي: أسلوب تعجب يُظهر الكبرياء.
- شر البلاد مكان لا صديق به: أسلوب نفي يبين أهمية الصداقة.
كما يمكنكم التعرف على:
معاني الكلمات
- حر: حرارة.
- شبم: بارد.
- سقم: مرض.
- كذلك بري: هزله وأَوهنه.
- الحكم: قاضي.
- الخصام: النزاع أو الخلاف.
- الخصم: العدو.
- الليث: الأسد.
- مهجة: الروح أو النفس أو دم القلب.
- البيداء: صحراء وفلاة.
- شواردها: نوادرها وغريبها.
- القور: ساكني القرى.
- عتابك: لومك.
- كذلك المهابة: عظمة وجلال أو خوف.
- معترك: ساحة القتال أو ميدان الاعتراك.
- أعيذها: أحصنها.
- صمم: فقدان حاسة السمع.
- القرطاس: الصحيفة التي يكتب عليها.
- يكسب: ينال.
دلالات الألفاظ
- واحر قلباه: تشير إلى الشوق الشديد.
- ممن قلبه شبم: يدل على عدم شوق سيف الدولة للمتنبي.
- كذلك مالي أكتم حباً قد برى جسدي وتدعى حب سيف الدولة الأمم: المدح والإستنكار.
- يا أعدل الناس إلا في معاملتي: تعكس استياء الشاعر من تباين المعاملة.
- وأنت الخصم والحكم: تعبر عن إحباط الشاعر من فقدان العدالة.
- أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي: تظهر جودة شعر المتنبي.
- كذلك أسمعت كلماتي من به صمم: تدل على فعالية شعره.
- ويسهر الخلق جراها ويختصم: تعكس عمق المعاني في شعره.
- فلا تظنن أن الليث يبتسم: تنبه إلى عدم الانخداع بالمظاهر.
- الخيل والليل والبيداء تعرفني والسيف والرمح والقرطاس والقلم: تدل على شهرة المتنبي.
- ما أبعد العيب والنقصان عن شرفي: تشير إلى عدم تأثير العيوب على مكانته.
الفكرة العامة
- يعاتب المتنبي سيف الدولة ويحذر من الانخداع بالمظاهر.
الأفكار الرئيسية في القصيدة
تتضمن القصيدة الأفكار الرئيسية التالية:
- عتاب المتنبي لسيف الدولة بسبب سماعه لحديث الواشين.
- حث المتنبي لسيف الدولة على أن يكون عادلاً في معاملته.
- تأكيد المتنبي أن عتابه يأتي من محبة وود.
الأفكار الجزئية
- حب المتنبي لسيف الدولة.
- عتاب المتنبي بدافع المحبة.
- فخر واعتزاز المتنبي بنفسه.
- القيمة الحقيقية للصداقة.
القيم والاتجاهات
- العدل في المعاملة.
- حذر من الانخداع بالمظاهر.
- الشجاعة والكرامة.
- الالتزام بالنقاء والشرف.
- الفصاحة والبلاغة في التعبير.