أشعار الشافعي
ندعوكم لاستكشاف مجموعة متميزة من أشعار الإمام الشافعي، رحمه الله:
قصيدة التوكل على الله
تَوكلتُ في رزقي على الله خالقي
وأيقنتُ أن الله لا شك رازقي
وما يكون من رزقي فليس يفوتني
ولو كان في قاع البحار الغوامق
سيأتي به الله العظيم بفضله
ولو لم يكن مني اللسان بناطق
ففي أي شيء تذهب النفس حسرة
وقد قسم الرحمن رزق الخلائق
قصيدة دعوة إلى التعلم
تعلم، فليس المرء يولد عالماً
وليس أخو علم كمن هو جاهل
وإن كبير القوم لا علم عنده
صغير إذا التفتت عليه الجحافل
وإن صغير القوم إن كان عالماً
كبير إذا ردت إليه المحافل
قصيدة دع الأيام تفعل ما تشاء
دع الأيام تفعل ما تشاء
وطب نفساً إذا حكم القضاء
ولا تَجزع لحادثة الليالي
فما لحوادث الدنيا بقاء
وكن رجلاً على الأهوال جلداً
وشيمتك السماحة والوفاء
وإن كثرت عيوبك في البرايا
وسَرك أن يكون لها غطاء
تستر بالسخاء فكل عيب
يغطيه كما قيل السخاء
ولا تر للأعداء قط ذلاً
فإن شماتة الأعداء بلاء
ولا ترجُ السماحة من بخيل
فما في النار للظمأ ماء
ورزقك ليس ينقصه التأنّي
وليس يزيد في الرزق العناء
ولا حزن يدوم ولا سرور
ولا بؤس عليك ولا رخاء
ومن نزلت بساحته المنايا
فلا أرض تقيه ولا سماء
وأرض الله واسعة ولكن
إذا نزل القضاء ضاق الفضاء
دع الأيام تغدر كل حين
فما يغني عن الموت الدواء
قصيدة بلوت بني الدنيا
بلوت بني الدنيا فلم أَرَ فيهم
سوى من غدا والبخل ملء إهابه
فجرّدتُ من غمد القناعة صارماً
قطعتُ رجائي منهم بذبابه
فلا ذا يراني واقفاً في طريقه
ولاَ ذا يراني قاعداً عند بابيه
غني بلا مال عن الناس كلهم
وليس الغنى إلا عن الشيء لا به
إذا ما ظالم استحسن الظلم مذهباً
ولج عتوّاً في قبيح اكتسابيه
فكله إلى صرف الليالي فإنها
ستبدي له ما لم يكن في حسابه
فكم قد رأينا ظالمًا متمرداً
يرى النجم تيهاً تحت ظل ركابه
فعما قليل وهو في غفلاته
صروف الحوادث ببابيه
فأصبح لا مالٌ ولا جاهٌ يُرتَجى
ولا حسنات تلتقي في كتابه
وجزي بالأمر الذي كان فاعلاً
وصب عليه الله سوط عذابه
قصيدة فإذا سمعت بأن مجدودا حوى
فإذا سمعت بأن مجدودا حوى
عوداً فأثمر في يديه فصدّقِ
وإذا سمعت بأن محرومًا أتى
ماءً ليشربه فغاض فحققِ
لو كان بالحيل الغنى لوجدتني
بنجوم أقطار السماء تعلقي
لكن من رزق الحجا حرم الغني
ضدّان مفتراقان أيّ تفرّقِ
وأحق خلق الله بالهمّ امرؤٌ
ذو همّة يُبلى برزق ضيقِ
ومن الدليل على القضاء وحكمه
بؤسُ اللبيب وطيب عيش الأحمق
إن الذي رزق اليسار فلم ينل
أجرًا ولا حمدًا لغير موفّقِ
والجدّ يُدني كلّ أمر شاسعٍ
والجد يفتح كلّ بابٍ مُغلقِ
قصيدة كن سائراً
كن سائراً في ذا الزمان بسيره
وعن الورى كن راهباً في ديره
واغسل يديك من الزمان وأهله
واحذر مودتهم تنل من خيره
إني اطلعت فلم أجد لي صاحباً
أصحبه في الدهر ولا في غيره
فتركتُ أسفلهم لكثرة شره
وتركتُ أعلاهم لقلة خيره
قصيدة خبت نار نفسي باشتعال مفارقي
خبت نار نفسي باشتعال مفارقي
وأظلم ليلي إذ أضاء شهابها
أيا بومة قد عششت فوق هامتي
على الرغم مني حين طار غرابها
رأيتِ خراب العمر مني فزرتني
ومأواك من كل الديار خرابها
أأنعم عيشاً بعد ما حل عارضي
طلائع شيب ليس يغني خضابها
إذا اصفر لون المرء وابيض شعره
تنغصت من أيامه مستطابها
فدع عنك سوآت الأمور فإنها
حرام على نفس التقي ارتكابها
وأدِ زكاة الجاه واعلم بأنها
كمثل زكاة المال تم نصابها
وأحسن إلى الأحرار تملك رقابهم
فخير تجارات الكرام اكتسابها
ولا تمش في منكِب الأرض فاخرًا
فعما قليل يحتويك ترابها
ومن يذق الدنيا فإنّي طعمتها
وسيق إلينا عذبها وعذابها
فلَم أرها إلا غُرورًا وباطلاً
كما لاح في ظهر الفلاة سرابها
وما هي إلا جيفة مستحيلة
عليها كلاب همّهن اجتذابها
فإن تجتنبها كنت سلمًا لأهلها
وإن تجتذبها نازعتك كلابها
فطوبى لنفس أولعت قعر دارها
مغلقة الأبواب مرخى حجابها
قصيدة ولما قسا قلبي وضاقت مذاهبي
ولما قسا قلبي وضاقت مذاهبي
جعلتُ الرجا مني لعفوك سلّما
تعاظمني ذنبي فلما قرنته
بعفوك ربّي كان عفوك أعظم
فما زلت ذا عفو عن الذنب لم تزل
تجود وتَعفومنة وتكرما
فلولاك لم يصمد لإبليس عابدٌ
فكيف وقد أغوى صفيك آدما
فلله در العارف الندب إنه
تفيض لفَرط الوجد أجفانه دمًا
يقيم إذا ما الليل مد ظلامه
على نفسه من شدة الخوف مئتماً
فصيحًا إذا ما كان في ذكر ربه
وفي ما سواه في الورى كان أعجما
ويذكر أياماً مضت من شبابه
وما كان فيها بالجهالة أجرما
فصار قرين هم طول نهاره
أخا الشهد والنجوى إذا الليل أظلم
يقول حبيبي أنت سؤلي وبغيتي
كفى بك للراجين سؤلاً ومغنماً
أَلَستَ الذي غذيتني وهديتني
ولا زلتَ منّاناً عليّ ومنعما
عسى من له الإحسان يغفر زلتي
ويستُر أوزاري وما قد تقدما