قصائد حكمة ومواعظ عن الحياة
يتحدث أبو البقاء الرندي عن طبيعة الحياة:
لكل شيءٍ إذا تم نقصانٌ
فلا يُخدع بعيش طيب إنسانٌ
إنها الأيام كما رأيتها دولٌ
من سرّه زمنٌ أساءت به أزمانٌ
وهذه الدار لا تترك أحدًا
ولا تدوم على حالٍ بها شأنٌ
يُمزق الدهر حتمًا كل سابغةٍ
إذا نبت مشرفياتٌ وخُرصانٌ
وينتضي كل سيف للفناء حتى لو
كان ابن ذي يزن والغمد غمدانٌ
فجائع الدهر أنواعٌ متعددةٌ
وللزمان مسراتٌ وأحزانٌ
وللأحداث سلوى يسهلها
وما احترق بالإسلام سلوى
قصائد حكمة ومواعظ متنوعة
يقول طرفة بن العبد:
إذا كنت في حاجة مرسلاً
فأرسل حكيمًا ولا تشير عليه
وإن ناصحٌ لك يومًا دنَا
فلا تنأَ عنه ولا تُقصهِ
وإن جاءك بابٌ أمرٍ ملتويًا
فشاور لبيبًا ولا تعصه
وذي الحق لا تنتقص حقه
فإن القطيعة في نقصه
ولا تذكر الدهر في مجلسٍ
حديثًا إذا أنت لم تحصه
وانقل الحديث إلى أهله
فإن الوثيقة في نصه
ولا تحرصن، فرب امرئٍ
حريصٍ مضيعٍ على حرصه
وكم من فتى ساقطٍ عقله
وقد يُعجب الناس من شخصه
وآخر تحسبه أنوكًا
ويأتيك بالأمر من فصه
لبست الليالي، فأفنينني
وسربلني الدهر في قميصه
قصائد حكمة ومواعظ عن رقابة الله
يقول أبو العتاهية عن رقابة الله:
إذا خلوتَ في الدهر يومًا، فلا تقل
خلوتَ ولكن قل علي رقيبٌ
ولا تحسبنّ الله يغفل ساعة
ولا أن ما يخفى عليه يغيب
لهوْنا، لعمر الله، حتى تتابعت
ذنوبٌ على آثارهن ذنوبٌ
فيا ليت أن الله يغفر ما مضى
ويأذن في توبتنا فنتوبُ
إذا ما مضى القرن الذي كنت فيهم
وخُلّفت في قرنٍ فأنت غريبٌ
وإن أمرءًا سار خمسين حجةً
إلى منهلٍ من وردٍ لقريبٌ
نسيبك من ناجاك بالود قلبه
وليس لمن تحت التراب نسيبٌ
فأحسن جزاءً ما اجتهدتَ فإنما
بقرضك تُجزى والقرود ضروبٌ
قصائد حكمة ومواعظ عن الصديق
يقول الإمام الشافعي عن الصديق:
إذا المرء لا يرعاك إلا تكلفًا
فدعه ولا تكثر عليه التأسفًا
ففي الناس أبدالٌ وفي الترك راحةٌ
وفي القلب صبرٌ للحبيب ولو جفى
فما كل من تهواه يهواك قلبه
ولا كل من صافيتَه لك قد صفا
إذا لم يكن صفو الوداد طبيعةً
فلا خير في ودٍ يجيء تكلّفًا
ولا خير في خلٍ يخون خليلَه
ويلقاه من بعد المودة بالجفا
وينكر عيشًا قد تقدّم عهده
ويظهر سرًا كان بالأمس قد خفا
سلامٌ على الدنيا إذا لم يكن بها
صديقٌ صدوقٌ صادق الوعد منصفًا
قصائد حكمة ومواعظ عن الدنيا
يقول الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه عن الدنيا:
النفس تبكي على الدنيا وقد علمت
إن السلامة فيها ترك ما فيها
لا دار للمرء بعد الموت يسكنها
إلا التي كان قبل الموت بانيها
فإن بناها بخير طاب مسكنها
وإن بناها بشر خاب بانيها
أين الملوك التي كانت مسلطنةً
حتى سقاها بكأس الموت ساقيها
أموالنا لذوي الميراث نجمعها
ودورنا لخراب الدهر نبنيها
كم من مدائن في الآفاق قد بُنيت
أمست خرابًا ودان الموت دانيها
لكل نفسٍ وإن كانت على وجلٍ
من المنيّة آمالٌ تقويها
فالمؤرخ يبسطها والدهر يقبضها
والنفس تنشرها والموت يطويها
قصائد حكمة ومواعظ عن الفراق في الدنيا
يقول المتنبي عن الفراق في الدنيا:
نبكي على الدنيا وما من معشرٍ
جمعتهم الدنيا فلم يتفرقوا
أين الأكاسرة الجبابرة الألى
كنزوا الكنوز فما بقين ولا بقوا
من كل من ضاق الفضاء بجيشه
حتى ثوى فحواه لحدٌ ضيقٌ
خرسٌ إذا نودوا كأن لم يعلموا
أن الكلام لديهم حلالٌ مطلقٌ
فالموت آتٍ والنفوس نفائسٌ
والمستعز بما لديه الأحمقُ
والمؤرخ يأمل والحياة شهيةٌ
والشيخوخة أوقر والشبيبة أنزقُ
ولقد بكيت على الشباب ولمتي
مسودّةٌ ولماء وجهي رونقُ
حذرًا عليه قبل يوم فراقه
حتى لكِدت بماء جفني أشرقُ
قصائد حكمة ومواعظ عن الصبر
يقول علي بن أبي طالب عن الصبر:
ترد رداء الصبر عند النوائب
تنل من جميل الصبر حسن العواقب
وكن صاحبًا للحلم في كل مشهدٍ
فما الحلم إلا خير خدنٍ وصاحبِ
وكن حافظًا عهد الصديق وراعيًا
تذُق من كمال الحفظ صفو المشارب
وكن شاكراً لله في كل نعمةٍ
يثبكَ على النعما جزيل المواهب
وما المرء إلا حيث يجعل نفسه
فكن طالبًا في الناس أعلى المراتب
وكن طالبًا للرزق من باب حلةٍ
يضاعف عليك الرزق من كل جانبِ
وصن منك ماء الوجه لا تبذلنه
ولا تسأل الأرذال فضل الرغائب
وكن موجبًا حق الصديق إذا أتى
إليك ببرٍ صادقٍ منك واجبِ
وكن حافظًا للوالدين وناصرًا
لجارك ذي التقوى وأهل التقارُبِ
قصائد حكمة ومواعظ عن العلم
يقول محمود سامي البارودي عن العلم:
بقوة العلم تقوى شوكة الأمم
فالحق في الدهر منسوبٌ إلى القلم
كم بين ما تلفظ الأسياف من علقٍ
وبين ما تنفث الأقلام من حكمٍ
لو أنصف الناس كان الفضل بينهم
بقطرةٍ من مدادٍ لا بسفك دم
فاقعف على العلم تبلغ شأو منزلةٍ
في الفضل محفوطةٍ بالعز والكرم
فليس يجني ثمار الفوز يانعةً
من جنة العلم إلا صادق الهمم
لو لم يكن في المساعي ما يبينُ به
سبق الرجال تساوى الناس في القيمِ
وللفتى مهلةٌ في الدهر إن ذهبت
أوقاتها عبثاً لم يخلو من ندمِ
لو لا مداولة الأفكار ما ظهرت
كنوز الأرض بين السهل والعلمِ
كم أمةٍ درست أشباحها وسارت
أرواحها بيننا في عالم الكلمِ
فانظر إلى الهرمين الماثلين تجد
غرائب لا تراها النفسُ في الحلمِ
صرحان ما دارت الأفلاك منذ جرت
على نظيريهما في الشكل والعظمِ
تضمنت حكمًا بادرت مصادرها
لكنها بقيت نقشًا على رظمِ
قومٌ طوتهم يد الأيام فانقرضوا
وذكرهم لم يزل حيًا على القدمِ
فكم بها صور كادت تخاطبنا
جهراً بغير لسانٍ ناطقٍ وفمِ
تتلو لهيرمس آياتٍ تدل على
فضلٍ عظيمٍ ومجدٍ باهذٍ القَدَمِ
آيات فخرٍ تجلى نورها فغدت
مذكورةً بلسان العرب والعجمِ
ولاح بينهما بلهيب متجهٍ
للشرق يلحظ مجرى النيل من أممِ
كأنه رابضٌ للوثب منتظرٌ
فريسةً فهو يرعاها ولم ينمِ
رمزٌ يدل على أن العلوم إذا
عمت بمصر نَزَتْ من وهدة العدمِ
فاستيقظوا يا بني الأوطان وانتصبوا
للعلم فهو مدار العدل في الأممِ
ولا تظنوا نماء المال وانتسبوا
فالعلم أفضل ما يحويه ذو نسَمِ
فرب ذي ثروةٍ بالجهل محتقرٌ
ورب ذي خلةٍ بالعلم محترمِ
شيدوا المدارس فهي الغرس إن بسقت
أفنانها أثمرت غضاً من النعمِ
مغنى علومٍ ترى الأبناء عاكفةً
على الدروس به كالطيور في الحرمِ
من كل كهل الحجا في سن عاشرةٍ
يكاد منطقُه ينهل بالحكمِ
كأنها فلكٌ لاحَتْ به شُهُبٌ
تغني برونقها عن أنجم الظلمِ
يجنون من كل علمٍ زهرةً عبقت
بنَفحةٍ تبعث الأرواح في الرممِ
فكم ترى بينهم من شاعرٍ لسِنٍ
أو كاتبٍ فطينٍ أو حاسبٍ فهيمِ
ونابغٍ نال من علم الحقوق بها
ميزةً ألبسته خِلعة الحكمِ
ولجِّ هندسةٍ تجري بحكمته
جداول الماء في هالٍ من الأكمِ
بل كم خطيبٍ شفى نفسًا بموعظةٍ
وكم طبيبٍ شفى جسمًا من السقمِ