قصيدة نزار قباني
سوف تُفاجئين عزيزتي إن علمتِ
أنني لا أعرف ما هو تعريف الحبّ
وستشعرين بالحزن الشديد حين تعلمي
أن الشاعر ليس عالماً بالأسرار
أنا آخر رجل في هذا الكون
يستطيع أن يتنبأ بحال القلب
عزيزتي،
عندما أحبكِ
لا أحتاج إلى أداة التعريف
فقد أكون غائباً إن حاولت ذلك،
وهل يمكن للشمس أن تتسلل من ثقب؟
إذا كان لديك تعريف للشعر
فأنا أملك تعريفاً للحبّ،
ستُفاجئين عزيزتي إن علمتِ
أنني أجهل كثيراً في علوم التفسير،
حتى لو كنت قد نجحتُ في التعبير عن الحب
فما نفع العلم النظري؟
هل يصدق أحدٌ أن ملك الحب،
وصيّاد الألفاظ،
لا يعرف أين وكيف
بللنا بمطر الشوق؟
ولماذا تُدخلنا هند في عالم الشعر
بينما تبعدنا دعد؟
هل يصدق أحدٌ أن فقيه الحب
لا يجيد تفسير الآيات؟
ستُفاجئين عزيزتي إن علمتِ
أنني لا أهتم بالحصول على الدرجات،
وأنني رجل لا يُخيفني مرور السنين،
وسوف تُفاجئين أكثر
حين تعلمي أني برغم الشيب، وبرغم الخبرة،
لم أتخرج من جامعة الحب.
أنا تلميذٌ عزيزتي،
أنا تلميذكِ عزيزتي،
وسأبقى دائماً طالب علم،
وسأظل دوماً طائراً
يتعلم في مدرسة الحلم.
قصيدة أديب كمال الدين
يا فاء فراغي، يا راء رعودي وطفولة برقي، يا ألف لذائذي
القصوى، يا غيماً يتجلّى حرفاً يعشق ثوب أميرتي الطفلة في وقت
البهجة، يقدم لها باقات الورد البري، يقبّلها برذاذ الأمطار
البيضاء ويأخذها للأرجوحة الواسعة بحدائق من أخضر ما يمكن في
كأسٍ من ضوء لا يفنى، يأخذها للريح ويضرب من أجل إشارتها الدهر الجبار،
ويرسم لوحتها غامضةً بخيوط الوحشة والزرقة، فجر الشفتين،
ويخلط أقواس الحب بثوب مسرّتها، يشعل نهديها كي يخطفها للأعلى
ويحلّق مذهولاً ثملاً وشديد المعنى. أنتِ معي، كفّك كفّي، عيناك بعيني
والليل يموء ويفتح عينيه بعيداً نحو الأقصى. يا لطفولة أعضائي
ونعومة أغنيتي حد دخول المعنى في اللامعنى، يا وصل لذائذي القصوى:
يا لمسرّاتي يا لعواصف تترى. انقلبتْ فينا الأرجوحة سرّاً
وسقطنا في الأسود والأحمر، في الموت المرّ فضائح كاملة
وجراراً كُسِرتْ في عيد الحرمان ومقتل شمس طفولتي الكبرى.
لم تأخذنا الأرض إليها. لم تحملنا الريح وكفّك ضاعت في البحر
وكفي. جسدي قربك وقريب منك ولا أمسكه، وسقطنا في
العتمة وسط فراغ الفاء، غباء الراء وألف القسوة، غين الغفلة.
ألقانا الهجران بعيداً أبعد مما هو أعلى وقريباً مما هو أدنى،
ضعنا طفلين بسوق ذئاب غاضبة فارتجفت دمعتنا في الليل،
الطين، الجسد الفاضح والمدن الموءودة حتى ظهرت في جسدينا
كلمات الموت فمتنا.
قصيدة بدر شاكر السياب
سألتني ذات يوم عابرة
عن غرامي وفتاتي الساحرة،
لم تكن تعلم أنني شاعر
ملهم أهوى فتون الطاهرة،
وحبيب لا أهوى عاتباً
إنما أهوى العيون الآسرة،
وقواماً أهيفا جلّفني
ساهما خلف روحي سادرة،
ووفاء لم أكن أنكره،
أترى ينكر غصن طائرة؟
سألتني والربى مزدانة
في شروق والأماني زاهرة،
ليتها تدرك أنني ها هنا
شاعر لابد لي من شاعرة.
قلت يا أختاه لا تسالي
أنا ذاك الصب أهوى نادرة.
قصيدة محمد درويش
على الأنقاض وردتنا
ووجهانا على الرمل
إذا مرّت رياح الصيف
أشرعنا المناديل
على مهل.. على مهل
وغبنا طيّ أغنيتين، كالأسرى
نراوغ قطرة الطل
تعالي مرة في البال
يا أختاه
إن أواخر الليل
تعرّيني من الألوان والظلّ
وتحميني من الذل
وفي عينيك، يا قمري القديم
يشدني أصلي
إلى إغفاءه زرقاء
تحت الشمس.. والنخل
بعيداً عن دجى المنفى..
قريباً من حمى أهلي
تشهّيت الطفولة فيك
مذ طارت عصافير الربيع
تجرّد الشجر
وصوتك كان يا ما كان،
يأتي
من الآبار أحياناً
وأحياناً ينقطه لي المطر
نقياً هكذا كالنار
كالأشجار.. كالأشعار ينهمر
تعالي
كان في عينيك شيء أشتهيه
وكنت أنتظر
ووشدّيني إلى زنديك
شديني أسيراً
منك يغتفر
تشهّيت الطفولة فيك
مذ طارت
عصافير الربيع
تجرّد الشجرّ
ونعبر في الطريق
مكبلين..
كأننا أسرى
يدي، لم أدر، أم يدك
احتست وجعاً
من الأخرى؟
ولم تطلق، كعادتها،
بصدري أو بصدرك..
سروة الذكرى
كأنّا عابرا درب،
ككل الناس،
إن نظرا
فلا شوقاً
ولا ندماً
ولا شزراً
ونغطس في الزحام
لنشتري أشياءنا الصغرى
ولم نترك لليلتنا
رمادا يذكر الجمر
وشيء في شراييني
يناديني
لأشرب من يدك ترمد الذكرى
ترجّل مرة، كوكب
وكتب على أناملنا
ولم يتعب
وحين رشفت عن شفتيك
ماء التوت
أقبل، عندها، يشرب
وحين كتبت عن عينيك
نقّط كل ما أكتب
وشاركنا وسادتنا..
وقهوتنا
وحين ذهبت ..
لم يذهب
لعلي صرت منسياً
لديك
كغيمة في الريح
نازلة إلى المغرب..
ولكني إذا حاولت
أن أنساك
حطّ على يدي كوكب
لك المجد
تجنّح في خيالي
من صداك..
السجن، والقيد
أراك، استند
إلى وساد
مهرة.. تعدو
أحسك في ليالي البرد
شمساً في دمي تشدو
أسميك الطفولة
يشرئب أمامي النهد
أسميك الربيع
فتشمخ الأعشاب والورد
أسميك السماء
فتشمت الأمطار والرعد
لك المجد
فليس لفرحتي بتحيري
حدّ
وليس لموعدي وعد
لك.. المجد
وأدركنا المساء..
وكانت الشمس
تسرّح شعرها في البحر
وآخر قبلة ترسو
على عينيّ مثل الجمر
خذي مني الرياح
وقبّليني
لآخر مرة في العمر
وأدركها الصباح
وكانت الشمس
تمشط شعرها في الشرق
لها الحناء والعرس
وتذكرة لقصر الرق
خذي مني الأغاني
واذكريني..
كلمح البرق
وأدركني المساء
وكانت الأجراس
تدق لموكب المسبية الحسناء
وقلبي بارد كالماس
وأحلامي صناديق على الميناء
خذي مني الربيع وودّعيني