فهم الرزق
يعتبر الرزق الحقيقي ما يمنحه الله تعالى للإنسان في قلبه، ويتمثل في القناعة بما يُعطى والرضا بفضل الله. من تمتع بالقناعة والرضا، فقد حاز على خير الدنيا والآخرة. وكل رزق هو من عند الله، فعلى من وسع الله له في الرزق أن يشكره ويثني عليه، كما يقول الله تعالى: (كُلُوا وَاشْرَبُوا مِن رِّزْقِ اللَّهِ). ومن المهم أن لا يغرّ الإنسان نفسه بسعيه وعمله، بل يجب عليه أن يتذكر أن الرزق قد يكون استدراجاً له إن كان في معصية، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (إذا رأيتَ اللهَ يُعطي العبدَ من الدنيا ما يحبُّ وهو مقيمٌ على معاصيه، فإنما ذلك استدراجٌ له). وفي حال عدم اتساع الرزق، فإنه ينبغي للإنسان أن يحمد الله على ما لديه، وأن يعرف أن الحياة الدنيا لا تثبت على حال، فقد يكون الفقير اليوم غنياً غداً. ويجب التوبة من الفقر كما كان يفعل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، مع اليقين بأن النفس لن تموت قبل استكمال رزقها وأجلها. وبالتالي، يجب على المسلم أن يبتعد عن كسب الحرام، إذ إن الكثير من الناس يلجأ إلى الحرام عندما تفشل مصادر الرزق الحلال، فيتزايد طمعهم في الرزق. علاوة على ذلك، يجب أن يدرك المسلم أن الرزق ليس محصوراً في المال فقط، فكل النعم التي وهبها الله تعالى للإنسان تعد من رزقه.
العوامل المؤدية إلى سعة الرزق
تعتبر سعة الرزق أمراً يسعى إليه الجميع، ولا يتحقق ذلك إلا بتوفيق من الله تعالى، فهو وحده الرازق. فالرزق الواسع من زينة الحياة الدنيا، كما ورد في القرآن الكريم: (الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ). وقد عيّن الله تعالى أسباباً مختلفة تؤدي إلى تحقيق هذا الرزق، حيث يمكن تحصيل الأجر والثواب من خلال اتباعها. وفيما يلي بعض هذه الأسباب:
- التقوى: هي مفتاح كل خير، وتقي من الوقوع في المحرمات. هي زاد المؤمن فيما بعد، ومن أسباب تفريج الكروب وجلب الرزق، كما قال الله تعالى: (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ). فمن أراد سعة في رزقه فليتقِ الله، والتقوى تعني الخوف من الله، والالتزام بشرعه، والرضا بالقليل، والاستعداد ليوم الحساب.
- الاستغفار: من أسهل الأمور التي يمكن القيام بها، وله فوائد عظيمة. الاستغفار هو وسيلة لجلب الرزق، كما أوضح الله على لسان نوح عليه السلام: (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا).
- الدعاء: هو وسيلة التواصل مع الله، حيث يُطلب منه كل ما يشاء الإنسان، ويجب أن يكون العبد مخلصاً في قلبه وممارساً للتوحيد، بالإضافة إلى ضرورة أن يكون طعامه وشرابه حلالاً، لأن الله طيّب لا يقبل إلا الطيّب.
- التسبيح: ينصح المسلم بممارسته بشكل دائم، حيث يمكن لذلك أن يجلب له الرزق بركة التسبيح.
- التوكّل على الله: يجب اعتقاد المسلم بأن الله هو من يعطي ويمنع، وبالتالي يجب عليه السعي للأسباب ثم التوكل على الله.
- صلاة الضحى: هي من السنن التي دعا إليها الرسول صلّى الله عليه وسلّم، وتُعتبر من طرق جلب الرزق، كما جاء في الحديث القدسي: (ابنَ آدمَ اركعْ لي أربعَ ركَعاتٍ من أولِ النهارِ أكفِك آخرَه).
- حفظ القرآن وطلب العلم: يمثلان باباً عظيماً للرزق، حيث يُعطَون مكانة عالية لدى الله.
- الزواج: هو نعمة عظيمة، وقد وعد الله بإغناء الفقراء الذين يتزوجون، كما يقول: (وَأَنكِحُوا الْأَيَامَىٰ مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ ۚ إِن يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ).
- الولد: حيث أن الرزق مع كل مولود، وقد نهانا الله عن منع الإنجاب خوفاً من الفقر.
- صلة الرحم: تعتبر من أهم وسائل جلب الرزق، حتى وإن دعت الحاجة للصبر على بعض الأذى من الأقارب.
- الصدقة: هي طريق عظيم للخير وتعكس تكافل المجتمع، حيث يساعد الأغنياء الفقراء، وأيضاً فالصدقة لا تُنقص المال بل تزيده بركة.
ضوابط ومعالم الرزق
حددت الشريعة المعايير المفاهيمية للرزق بوضوح، نظرًا لأنه ملك لله وحده، وقد يقيّده عن البعض لحكمة قد تعلمها. فيما يلي بعض هذه المعالم:
- الرزق مكفول من عند الله تعالى؛ فلا خالق ولا رازق سواه. كان بمقدوره أن يستجب لمطالب الجميع في وقت واحد، دون أن يتناقص من ملكه شيء؛ كما قال: (إِنَّ هَٰذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِن نَّفَادٍ)، فعلى الإنسان السعي لطلب رزقه، ويجب أن يتوكل على الله، الذي يغمره برزقه الواسع.
- عدم الهواجس: فالرزق مكفول، وقد انتقد الله أولئك الذين يقتلون أولادهم خوفاً من الفقر، لأنه يضمن لهم ما يعينهم على حياتهم.
- كثرة الرزق ليست دليلاً على حب الله؛ فقد يوسع الله على من يشاء، بينما يقتر على عباد صالحين، وذلك لتعليم المؤمن شكر الله في السراء والضراء.
- الله هو المتصرف بأرزاق العباد؛ حيث يعين من يشاء قليلاً ويغني من يشاء كثيراً، فالتوازن الإلهي في ذلك يُعبر عن حكمته ورحمته.
- الرزق يبارك بالطاعة ويمحق بالمعصية.
- الرزق آتٍ حتماً؛ فالذي كتبه الله لعباده سيصل إليهم لا محالة، ولن يستطيع أحد من خلق الله منعه، مهما اجتهد في ذلك.