أسباب ضعف الدولة في العصر العباسي الثاني
بدأ العصر العباسي الثاني مع خلافة المتوكل على الله العباسي في عام 232هـ، وانتهى مع ظهور الدولة البوليسية في عام 334هـ خلال خلافة المستكفي. شهد هذا العصر نشأة الحركة العلمية، فضلاً عن حركة الترجمة والتأليف في مجالات متعددة.
ومع ذلك، تميز هذا العصر بانحدار السلطة المركزية وفقدان هيبة الخلافة، حيث برزت حركات انفصالية متعددة، وأحكم الأتراك سيطرتهم على شؤون الدولة، مما جعل البعض يصفون العصر العباسي الثاني بعصر الحرس التركي. اتسم هذا العصر بعدم استقرار الخلفاء وطول فترة غيابهم عن الحكم، حيث كانت سلطتهم رمزية، تُستخدم فقط في الأسماء على العملات والدعاء لهم في خطبة الجمعة. وفيما يلي نستعرض أسباب ضعف الدولة في العصر العباسي الثاني:
نظام الحكم وتولي العهد
كانت هناك عادة متبعة بأن يوصي الحكام والخلفاء بتولي من بعدهم، مما أدى إلى نشوب نزاعات وخلافات بين أبناء الخلفاء والقيادات السياسية. كما استغل أعداء الأمة هذه الخلافات لتفتيت وحدة الأمة وإضعاف الروابط بينها. بالإضافة إلى ذلك، تولى بعض الخلفاء الغير مؤهلين الحكم، الأمر الذي أثر سلبًا على الدولة نتيجة افتقارهم إلى الحنكة السياسية والمهارات المطلوبة للتعامل مع الأزمات.
تعدد الخلافات في الأمة الإسلامية
خلال فترة الحكم العباسي، ظهرت ثلاث خلافات في وقت واحد ساهمت في تآكل الوحدة الإسلامية، وهذه الخلافات تشمل:
- الخلافة الأموية في الأندلس.
- الخلافة العباسية في العراق.
- الدولة الفاطمية في شمال أفريقيا.
اتساع رقعة الدولة الإسلامية
امتدت الدولة الإسلامية من الصين شرقًا إلى المحيط الأطلسي غربًا، مما جعل السيطرة على هذه المساحات الشاسعة أمرًا بالغ الصعوبة. وفقد الخلفاء العباسيون الاهتمام بقضايا الحكم، حيث انشغلوا بالملذات والترف، مما أثر سلبًا على هيكل الدولة. كما ساهم البعد الجغرافي للعاصمة وصعوبة التنقل بين مختلف الولايات في تفكك بعضها، مثل الأدارسة.
دخول كيانات جديدة إلى الدولة الإسلامية
من الكيانات التي ساهمت في ضعف الدولة العباسية كانت الفرس والأتراك، حيث أضعفوا من موقف الخلفاء وزعزعوا سلطتهم. ومع دخول هذه الكيانات، دخلت ثقافات وديانات جديدة أثرت بشكل كبير على بنية الدولة العباسية، مما أدى إلى زيادة تدهور الوضع.
انسلاخ بعض الولايات عن الدولة العباسية
أعلن عدد من الولاة في بعض الولايات الإسلامية انفصالهم عن الدولة العباسية بسبب انشغال بعض الخلفاء بالملذات والشهوات، وهذا أسفر عن استقلال مجموعات مثل البويهيين في أصفهان وخراسان، بالإضافة إلى الحمدانيين في ديار بكر والموصل ومصر وربيعة، والإخشيديين في مصر والشام.
تدهور الأوضاع الاقتصادية
تدهورت الأوضاع الاقتصادية في أواخر فترة الخلافة العباسية نتيجة للحياة الباذخة التي عاشها الخلفاء، مما أدى إلى نفاد الأموال وتقلص الإيرادات بسبب انفصال الأقاليم عنها. ونتيجة لذلك، ظهرت حركات تمرد وثورات ضد الخلفاء، مما تسبب في انتشار الفوضى في البلاد.
ازدهار الفنون عوضاً عن الجهاد
نتيجة لانغماس الخلفاء في حياة الرفاهية والبذخ، ضعفت روح الجهاد وانشغل الكثيرون بالمتع.
انتشار الشعوبية
تشير الشعوبية إلى حركة متعصبة تفضل غير العرب على العرب، وكانت لها تأثيرات سلبية على الوحدة الوطنية.
سيطرة الأتراك على السلطة
في البداية، استعان الخلفاء العباسيون بالأتراك لتنظيم شؤون الجيش، لكنهم أصبحوا يعتمدون عليهم بالكامل، مما أدى إلى تهميش العرب في الجيش. وبالتالي، تحول الوضع ليصبح لدى الأتراك تأثير قوي على تعيين الوزراء وصنع القرارات السياسية.
ظهور القرامطة
ظهرت فرقة القرامطة الملحدة، حيث قامت بأعمال تخريبية، ووصلت بهم الجرأة في عام 317هـ إلى اقتلاع الحجر الأسود واحتجازه لمدة عشرين عاماً في هجر. وتم إعادة الحجر إلى مكانه في عهد الخليفة المطيع في عام 339هـ. وذكرت المصادر التاريخية أن جيش الخليفة المقتدر، الذي يتكون من أربعين ألف مقاتل، فر أمام جيش القرامطة الذي يبلغ عدده حوالي ألف وسبعمئة مقاتل.
تولي غير العرب مناصب قيادية
قام بعض الخلفاء العباسيين بتعيين قادة أتراك وفرس في مناصب رفيعة، مما أعطى الأتراك نفوذًا أكبر في اتخاذ القرارات وعزز من تفكك الدولة العباسية.