أساليب التفسير
الأسلوب البياني
يركّز المفسّر في الأسلوب البياني على إبراز بلاغة القرآن الكريم، مع تسليط الضوء على الانسجام بين ألفاظه ومصطلحاته. يتناول هذا الأسلوب كيفية تنوع المعاني للمصطلحات نفسها وفقاً لمواقعها، والاختيار الدقيق للمعاني المناسبة، وإظهار حكمة الله في تقديم بعض الألفاظ وتأخيرها، إلى جانب توضيح معاني الحروف. يتضمن هذا النوع من التفسير مجموعة من الأساليب التي تُظهر إعجاز القرآن وبلاغته. بالإضافة إلى ذلك، يسهم هذا النوع في تعزيز الدفاع عن القرآن ويعكس عظمته من خلال اختيار الله -عز وجل- لأفضل الألفاظ. يعين علم البيان في فهم مراد الآيات القرآنية، ويؤثر بشكل عميق على النفس، إذ يساهم في استكشاف المعاني الرائعة للقرآن، مما يدفعها للتأمل والتدبر.
الأسلوب المقاصدي
يُركز هذا النوع من التفسير على توضيح المقاصد العامة للآيات، والدلالات المترتبة عليها، وتوافقها مع الهدف العام للقرآن. يبرز هذا الأسلوب مكانة القرآن وعظمته وأهمية فهمه، حيث يعرض أحوال المخاطبين وحكم أعمالهم. كما يتناول أسباب التوفيق والخذلان، ويعرّف بالصفات التي وُصفت بها آيات الله -تعالى-، مبيّناً أن القرآن هو كتاب يُعيد للناس الحياة بإحكامه وعدله وعظمته.
يعتمد هذا المنهج على إحاطة المفسر بأصول الدين وعقيدة أهل السنة، بالإضافة إلى أحكام الشريعة الإسلامية وفهم نقاط التباين بين الأنبياء ومعارضيهم. التفسير المقاصدي يظهر الحكمة وراء تشريعات الله، ويُبرز الفوائد المترتبة على القيام بالعبادات وتركها. كما أن المفسر المقاصدي يُفسر الآيات التي قد تبدو واضحة في مظهرها، لكن تفصيلها يجعل القارئ يشعر وكأنه يراها لأول مرة.
التفسير التحليلي
معنيّ التفسير التحليلي في اللغة بـ “الفك والحل”، أما في الاصطلاح الشرعي فهو يتناول تفسير معنى آيات القرآن الكريم بشكل شامل. تعتمد معظم التفاسير على التحليل في إعدادها، حيث يتبع المفسر خطوات مثل شرح سبب نزول الآية وتوضيح معانيها وإعراب كلماتها. يستخدم هذا الأسلوب أيضًا للتواصل مع الآيات الأخرى والأحاديث النبوية والآثار الصحيحة. وتعتبر تفاسير مثل تفسير ابن عطية، والشوكاني، والآلوسي، وتفسير الطبري من أبرز الأمثلة على هذا الأسلوب.
التفسير الإجمالي
في هذا النوع، يعتمد المفسّر على عرض المعنى العام للآية أو الآيات بشكل عام، دون الخوض في التفاصيل مثل الإعراب والبلاغة. يُستهدف هذا النوع من التفسير إلى جمهور واسع من الناس، مما يسهل فهم القرآن الكريم بشكل أكبر. يساعد المفسر في هذا النوع من التفسير بالاستعانة بالآيات الأخرى، والأحاديث، والآثار، والشعر، والحكم. لكن هناك بعض الكتب التي تميل إلى تفصيل الآيات، مثل تفسير الجلالين لجلال الدين المحلّي والسيوطي، حيث أدخلا بعض الجوانب الدقيقة. وتعتبر المصحف المفسّر لمحمد وجدي والتفسير الوسيط والمحدث لمحمد دروزة من أبرز أعمال التفسير الإجمالي، حيث قد يتجاوز حجم التفسير ثلاثة أضعاف حجم المصحف.
التفسير المقارن
يستعرض المفسر في الأسلوب المقارن آراء متعددة لتفسير الآية ويُرجّح بينها وفق معاييره الخاصة. يقوم بدراسة التفاسير الأخرى واستخلاص الأفكار والأساليب المُعتمدة فيها. يتناول هذا الأسلوب المكرر والجديد في الآراء وما فيها من إيجابيات وسلبيات. يُعتبر تفسير ابن جرير الطبري مثالًا مميزًا لهذا الأسلوب حيث يقدّم وجهات نظر متنوعة من المفسرين.
التفسير الموضوعي
يُعنى هذا النوع بتوضيح معاني الآيات من خلال جمع الآيات المتعلقة بموضوع محدد. يبحث المفسّر عن تفسير كلمات أو عبارات معينة عبر مراجعة شاملة للقرآن أن كان يتعلق بصفات عباد الرحمن أو الأخلاق الاجتماعية في إحدى السور مثل سورة الحجرات. يهتم هذا النوع بإظهار شمولية الإسلام وغناه. يبدأ المفسر بتحديد الموضوع المراد البحث فيه وجمع الآيات ذات الصلة، مع مراعاة آفة زمن النزول وأسباب النزول والأحاديث المفسرة. ويظهر هذا النوع من التفسير بشكل أكبر في الأعمال المعاصرة. يمكن الاطلاع على أمثلة مثل كتاب “الشخصية اليهودية” الذي يتناول جوانب متعددة من القرآن.
أسلوب التقرير العلمي
يعدّ الأسلوب العلمي الركيزة الأساسية في أساليب التفسير، حيث يُعتمد عليه في معظم الرسائل والمراجع. يعرض المفسر في هذا الأسلوب كل آية بشكل علمي ويجب أن يكون ملماً بجميع الأدوات والعلوم اللازمة. يتوجب عليه أيضاً فهم وشرح آراء أهل العلم بطريقة دقيقة. تختلف المسائل التي يتناولها المفسر، من تفسير الآية إلى أحكامها ودلالاتها ومعاني ألفاظها.
الأسلوب الوعظي
يعتبر الأسلوب الوعظي من أكثر الأساليب تأثيراً، عندما ينبع من علم ومعرفة. هدفه هو توجيه السامعين وتذكيرهم بآيات الله والدعوة للخير. يحذر الإسلام من أنواع الوعظ القائم على الجهل رغم كونه مجدياً أحيانًا. يتميز الواعظ بقدرته على استخدام الأسلوب المناسب للمخاطب، ويميل للتوازن بين الترهيب والترغيب.
ينقسم المتحدثون في هذا النوع إلى فئات مختلفة. يتميز البعض باتباع أساليب صحيحة، في حين ينشغل آخرون بنقل أفكار غير موثوقة بسبب ضعف معرفتهم. ويُعتبر العلماء كابن تيمية من الأسماء التي تركت أثراً كبيراً في هذا المجال.
الأسلوب الاستنتاجي والحجاجي
يرتكز الأسلوب الاستنتاجي على استخراج المسائل والأحكام من الآيات القرآنية، بحيث يُعتبر الاستنباط والاستنتاج أحد أهم سمات هذا المقاربة. ينظر بعض المفسرين في مسألة واحدة بينما يقوم آخرون باستنباط جوانب عديدة. يهدف هذا الأسلوب إلى إثبات مرونة الألفاظ القرآنية. أما الأسلوب الحجاجي، فيعتمد على استخدام الأدلة والبرهان للدفاع عن الشريعة الإسلامية. يتوجب على المفسر فهم آراء المخالفين وإجادتها ليمثل المدافعين عن القرآن.
أهمية علم التفسير
لقد أنزل الله -عز وجل- القرآن الكريم ليتمكن الناس من فهمه وتدبره وتطبيقه بصورة صحيحة. يتحقق ذلك من خلال دراسة علم التفسير. حيث أمر الله -تعالى- رسوله محمد -صلّى الله عليه وسلّم- ببيان معاني القرآن، مما كان يفعله الصحابة عند سؤالهم عنه. يشبّه إياس بن معاوية من يقرأ القرآن بلا فهم بمن يملك كتابًا في الظلام بلا مصباح، لذا كانت مسؤولية فهم القرآن عظيمة.
يمثل علم التفسير أحد العلوم الأساسية التي يجب على المسلمين تعلمها، إذ يعزز فهم آيات الله ويقوي إيمان العبد. هذا الاهتمام بفهم القرآن بدأ منذ اللحظات الأولى لنزوله، حيث كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يسارع لحفظ الآيات. وقد نزل الأمر الإلهي بتعليم النبي كيفية التلاوة والتفسير، مما يجعله يتسم بأهمية قصوى في الدين الإسلامي.