قصائد الشاعر إيليا أبو ماضي

كم تشتكي

كم تشتكي وتدعي العوز،

والأرض ملكك، وكذلك السماء والنجوم،

ولك الحقول وزهورها ونخيلها،

مع نسيمها وأصوات البلابل العذبة،

والماء من حولك كفضة تتلألأ،

والشمس فوقك كالعسجد المتأجج،

والنور يبني في السفوح والجبال،

منزلاً مزخرفاً يرفعه الجلال،

ألم تبتسم الدنيا في وجهك؟ فلماذا تبدو حزيناً؟

تبتسم فتساءل لماذا لا تبتسم؟

إذا كنت مكتئباً بسبب ماضٍ قد ولّى،

فلا تأمل أن يعيده لك، فالعمر يمضي.

أو كنت تخشى وقوع مصيبة،

فالأحزان ليست من طبيعة أن تُقابل بالحذر،

أو كنت قد تخطيت الشباب فلا تعتقد

أن الزمن يشيخ، فهو لا يعرف الكبر.

انظر، فما زالت تشرق فوق التراب

صورٌ قد تتحدث عن جمالها.

الطلاسم

أني أشهد في داخلي صراعاً وعراكاً،

أرى نفسي شيطاناً وأحياناً تحضر براءة الملائكة،

هل أنا شخصان، أم أن هذا الوهم لدي؟

لا أدري!

بينما قلبي يحكي في ضحى بستان،

مليء بالأزهار والأطيار المغردة والجداول الجارية،

حيث يُقبل العصر حاملاً معه أسى يكتنفه الفراغ،

كيف تحول القلب من روضة إلى قفرٍ؟

لا أدري!

أين ضحكي وبكائي وأنا طفل صغير،

أين كان جهلي ومسراتي وأنا في ريعان شبابي،

أين أحلامي التي كانت تُرافقني في كل مشوار؟

لقد ضاعت جميعها، لكن كيف حدث ذلك؟

لا أدري!

أيها الشاكي

أيها الشاكي وما بك من داء،

كيف تزداد سوءاً عندما تتعب؟

إن شر الجناة في الأرض هو نفسٌ،

تتطلع قبل الرحيل إلى الخلاص.

وترى الشوك في الورود وتغفل،

عن رؤية الندى يتوجها بالإكليل.

هو عبءٌ ثقيلاً على الحياة،

من يظن الحياة عبئاً ثقيلاً.

والذي نفسه خالية من الجمال،

لا يرى في الوجود أي جمالٍ.

ليس هناك أشقى من الذي يرى العيش مراراً،

ويظن اللذات في الحياة فوضى.

من هم أحنك الناس في الحياة هو من يحرص على

تحسين الأوضاع وجعلها تحمل معانٍ جمالية.

أيها الشاكي وما بك داء،

كن جميلاً، وترَ الوجود جميلاً.

قال السماء كئيبة وتجهما

قال: السماء كئيبة وتظهر بتجهم،

قلت: ابتسم، يكفيك التجهم في السماء.

قال: لقد ذهب الربيع، فقلت: ابتسم،

فلن يُعيد الأسف زمنه المتلاشي.

قال: من كانت سمائي في الهوى،

أصبحت لجسدي شيئاً من لهب الغرام.

خانت عهودي بعدما ملكت قلبي،

فكيف يمكنني أن أتبتسم؟

قلت: ابتسم واستمتع، فلو قارنتها،

لواجهت الألم طوال حياتك.

قال: التجارة مهمة وصراع رهيب،

مثل مسافرٍ يكاد يختنق من العطش.

أو كأمرأةٍ فقدت دمًا،

وتنثر الدماء كلما هتفت صاخبة.

قلت: ابتسم، فليس هناك من يجرحك بنوعٍ من الشكوى،

فأن تبتسم قد يجعلك تُحسن الأمور.

قال: الأعداء حولي وزيادة النحيب،

فهل أفرح والأعداء بالجنبة من حولي؟

قلت: ابتسم، لم يطلبوك بانتقاداتهم،

لو لم تكن أكثر شرفاً وإجلالًا.

قال: قد ظهرت مواسم لأعلامها،

لكن يعرقلني ما أحتاجه من الملابس والدمى.

وعلي للناس صلة،

لكن لا أملك قرشاً.

قلت: ابتسم، يكفي أنك لا تزال،

حيّاً، واثقاً، ولست معوزاً.

قال: الليالي جرعتني مرارة،

قلت: ابتسم، حتى لو كانت مرارة.

فربما، إن رأيك الأخرين يبتسمون،

يتخلصون من الهموم ويترنمون.

هل ستربح بالتجهم وترضي ربك،

أم ستخسر بتحمل الابتسامة؟

يا صديقي، لا ضرر على شفتيك أن تتسع،

فالوجه ينعم بالمظهر الجيد.

فاضحك من الشهب المتلألئة، فالدجى

يعانق السماء، ونحن نحب النجوم.

قال: الابتسامة لا تُسعد أحداً،

يأتي إلى الحياة مجبرًا.

قلت: ابتسم، ما دمت بينك وبين النهاية،

شبرٌ، فبعدها لن تضحك مجددًا.

كن بلسماً

أيقظ شعورك بالمحبة إن غفا،

فلو لم يوجد شعور، لكان الناس كالألعاب.

أحبب فيغدو الكوخ قصراً مشرقًا،

وابغض فيختفي الكون في ظلام مديد.

ما الكأس لولا الخمر غير زجاجة،

والإنسان لولا الحب ليس إلا عظام.

كراهية الدجى تجعل الليل يحترق إلا البدر،

فلا تنظر إليه كيف يعبس.

لو كانت البيداء تحب، لأصبح رملها،

زهورًا، وصار سرابها الخادع.

لو لم يكن في الأرض إلا مبغض،

لتذمرت من وجوده وماجت.

رأى الجمال من كان ذكيًا، فأحبه،

بينما الجاهل يظن أنه وباء.

لا تطلب محبة من جاهل،

فالناس لا يُحبون إلا بعد الفهم.

وكن عطوفاً على أبناء السذاجة، كأنهم،

مرضى، فالجهل كالعمي.

هيا، اعتنِ بورد الضياء من الشوك،

وانسَ العقارب إن رأيت الضياء.

Related Posts

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *