أحاديث حول تزكية النفس
كان النبي محمد -صلّى الله عليه وسلّم- يرفع دعاءه إلى الله -عزّ وجلّ- طالبًا تزكية نفسه وطهارتها، وكان يوجه المسلمين نحو الأخلاق الحميدة والسلوكيات الفضيلة التي تعزز صفات النفس السليمة والمزكية. في السطور القادمة، سنتناول بعض الأحاديث التي تتضمن دعاء النبي بتزكية النفس، بالإضافة إلى مجموعة من الأحاديث الأخرى التي تأمر بتهذيب السلوك والطبائع.
دعاء رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- من أجل تزكية النفس
ورد في صحيح مسلم عن زيد بن أرقم -رضي الله عنه- أنه قال: “لا أقول لكم إلا كما كان رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- يقول: كان يقول: (اللّهُمّ إنّي أَعُوذُ بكَ مِن العَجْزِ، وَالكَسَلِ، وَالجُبْنِ، وَالبُخْلِ، وَالهَرَمِ، وَعَذابِ القَبْرِ، اللّهُمَّ آتِ نَفْسِي تَقْوَاهَا، وَزَكِّهَا أَنتَ خَيْرُ مَن زَكَّاهَا، أَنتَ وَلِيُّهَا وَمَوْلَاهَا، اللّهُمَّ إنّي أَعُوذُ بكَ مِن عِلْمٍ لا يَنْفَعُ، وَمِن قَلْبٍ لا يَخْشَعُ، وَمِن نَفْسٍ لا تَشْبَعُ، وَمِن دَعْوَةٍ لا يُسْتَجابُ لَهَا).
أحاديث تشجع على تزكية النفس وتهذيب السلوك
تتضمن السنة النبوية العديد من الأحاديث التي تدعو إلى الترفق واللين، وتؤكد على أهمية البساطة واليسر، كما أنها تنهي عن الفحش والكلام السيء. الالتزام بهذه القيم يعد جزءًا مهمًا من عملية تزكية النفس وتعديلات الطباع. فيما يلي بعض الأحاديث النبوية في هذا السياق:
- عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (إنَّ الدِّينَ يُسْرٌ، وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إلَّا غَلَبَهُ، فَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا، وَأَبْشِرُوا، وَاسْتَعِينُوا بالغَدْوَةِ وَالرَّوْحَةِ وَشَيْءٍ مِنَ الدُّلْجَةِ).
- وفي رواية أخرى: (لَنْ يُنَجِّيَ أَحَدًا مِنكُم عَمَلُهُ، قَالُوا: وَلَا أَنتَ يَا رَسُولَ الله؟ قَالَ: وَلَا أَنَا، إلَّا أَنْ يَتَغَمَّدَنِي اللهُ برَحْمَةٍ، سَدِّدُوا وَقَارِبُوا، وَاغْدُوا وَرُوحُوا، وَشَيْءٌ مِنَ الدُّلْجَةِ، وَالقَصْدَ القَصْدَ تَبْلَغُوا).
- عن عائشة -رضي الله عنها-: (أنَّ اليَهُودَ أتَووا النَّبيَّ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-، فقالوا: السَّامُ عَلَيْكَ، فقال: وعَلَيْكُم، فقالت عائشة: السَّامُ عَلَيْكُم ولَعَنَكُمُ اللهُ وغَضِبَ عَلَيْكُم، فقال رسول الله -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-: مَهْلًا يا عائشة، عليكِ بالرِّفْقِ وإيَّاكِ والعُنْفَ، أوِ الفُحْشَ، فقالت: أَوَلَمْ تَسْمَعْ ما قالوا؟! قال: أَوَلَمْ تَسْمَعِي ما قُلتُ؟ رَدَدْتُ عَلَيْهِم، يُسْتَجَابُ لي فِيهِم، وَلَا يُسْتَجَابُ لَهُمْ فِيَّ).
- وعن عائشة -رضي الله عنها- قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (إنَّ الرِّفْقَ لا يَكُونُ في شيءٍ إلا زَانَهُ، ولا يُنْزَعُ مِن شيءٍ إلا شَانَ).
- عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (ليست المؤمنُ بالطَّعَّانِ ولا اللَّعَّانِ ولا الفاحِشِ ولا البذَيّ).
آيات قرآنية تتعلق بتزكية النفس
وُجدت تزكية النفس في القرآن الكريم بمعنيين. الأول يتعلق بمدح النفس واعتقاد الصلاح فيها، وهذا النهج مرفوض، كما ورد في عدة آيات مثل قوله -تعالى-: (فَلَا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى). أما المعنى الآخر، والذي يتماشى مع الأحاديث، فهو تهذيب النفس وتقويمها وتخليصها من الرذائل.
هذه التزكية تعتبر طريقًا مفوزًا للفلاح والنجاح، والدليل على ذلك ما يأتي:
- قوله -تعالى- على لسان سحرة فرعون: (إِنّا آمَنّا بِرَبِّنا لِيَغفِرَ لَنا خَطايانا وَما أَكرَهتَنا عَلَيهِ مِنَ السِّحرِ وَاللَّـهُ خَيرٌ وَأَبقى* إِنَّهُ مَن يَأتِ رَبَّهُ مُجرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لا يَموتُ فيها وَلا يَحيى* وَمَن يَأتِهِ مُؤمِنًا قَد عَمِلَ الصّالِحاتِ فَأُولـئِكَ لَهُمُ الدَّرَجاتُ العُلى* جَنّاتُ عَدنٍ تَجري مِن تَحتِهَا الأَنهارُ خالِدينَ فيها وَذلِكَ جَزاءُ مَن تَزَكّى).
- قوله -تعالى- في سورة الشمس: (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا* فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا* قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا* وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا).