التحول الجذري في طبيعة الأمراض الحديثة
تميزت الأمراض في بدايات القرن العشرين وما قبله بكونها أمراضاً معدية، حيث تنوعت مسبباتها بين البكتيريا والفطريات والفيروسات، التي كانت تُعتبر الأكثر فتكاً بالإنسان في تلك الفترة. من أبرز الأمثلة على ذلك مرض الطاعون الذي أودى بحياة العديد من الأشخاص في أوروبا والشام ومناطق أخرى من العالم القديم، بالإضافة إلى مرض السل الذي كان يُعتبر من الأمراض الشديدة الخطورة، والتهابات الجروح التي كان يعاني منها الجنود في الحروب، مما أدى إلى وفاة الكثير منهم بسبب غياب العلاجات الفعّالة لهذه الحالات.
اكتشاف المضادات الحيوية
يُعتبر العالم الإسكتلندي ألكسندر فليمينغ هو مكتشف المضادات الحيوية الحديثة، وذلك من خلال اكتشافه لعقار البنسلين في عام 1929م. حيث اكتشف بالصدفة أن بعض أنواع الفطريات تفرز مواد فعالة حيوياً قادرة على قتل البكتيريا التي كان يدرسها. وقد استمرت الأبحاث على هذا العقار حتى تم تطويره ليكون صالحاً للاستخدام البشري في عام 1944، حيث استخدمه الحلفاء لعلاج الجرحى بعد غزو نورماندي. سبقت هذه الاكتشافات أعمال العالم روبرت كوخ الذي أثبت أن العديد من الأمراض تعود لأسباب كائنات دقيقة، مما أسهم في بداية الثورة الطبية وتغير طبيعة الأمراض القاتلة المنتشرة بين بني البشر.
الأمراض القاتلة سابقاً
بعد اكتشاف البنسلين، تم اكتشاف العديد من العقاقير المماثلة بطرق عمل مختلفة، قادرة على قتل البكتيريا والفطريات وبعض الفيروسات. وقد ساهم ذلك في توسيع نطاق الرعاية الطبية ليشمل المزيد من الأفراد حول العالم، خاصة في الدول النامية. أصبحت الأمراض الخطيرة التي كانت تهدد الحياة سابقاً أمراً سهلاً في العلاج، مثل الطاعون، السل، والتهابات الرئة، والتهابات السحايا.
ساهم اكتشاف اللقاحات في انقراض بعض الأمراض مثل الجدري، وتقليل حالات أخرى مثل شلل الأطفال والحصبة، التي كانت تتسبب في وفيات عديدة بين الأطفال.
أخطر الأمراض في العصر الحديث
يمكن تناول هذا الموضوع من زاويتين مختلفتين: الأولى تتعلق بعدد الحالات ومدى تأثير هذه الأمراض في معدلات الوفيات على مستوى العالم. وبالنظر إلى هذا الجانب، نجد أن أمراض القلب والأوعية الدموية ومضاعفاتها هي الأكثر خطورة، حيث تمثل النسبة الأكبر من الوفيات لدى كلا الجنسين وفي جميع أنحاء العالم. تليها الأمراض السرطانية، جلطات الدماغ، الأمراض التنفسية المزمنة، ومرض السكري.
أما زوايا النقاش الثانية، فتتناول احتمالات وفاة الأفراد نتيجة مرض معين بغض النظر عن انتشاره. فعلى الرغم من قلة انتشار بعض الأمراض، إلا أنها قد تكون قاتلة وشديدة الخطورة، ومنها:
- فيروس الإيبولا، حيث تصل نسبة الوفاة إلى حوالي 90%
- فيروس الإيدز، حيث تصل نسبة الوفاة دون علاج إلى حوالي 80%
- مرض جنون البقر، حيث تصل نسبة الوفاة إلى 100%
- أمراض فيروسية تؤثر على الجسم ككل، مع نسبة وفاة تتراوح بين 35%-100%
انخفاض فاعلية المضادات الحيوية في العصر الحديث
بسبب سوء استخدام المضادات الحيوية، سواء من خلال صرفها بدون حاجة لها أو عدم التزام المرضى بالجرعات المحددة، بدأت سلالات بكتيرية مقاومة لأقوى أنواع المضادات الحيوية تظهر في المستشفيات والمجتمعات على مستوى العالم، وخاصة في الدول النامية. مما يعني أن الأمراض التي عالجها الطب الحديث مثل التهابات الرئة، الدم، السحايا، والطاعون قد تتحول في العقود القادمة إلى مشاكل جديدة وتسبب نسبة مرتفعة من الوفيات.
لذا، نرى أن تصورنا للمخاطر المرتبطة بالأمراض قد يتغير مع مرور الوقت، وقد نشهد عودة بعض الأمراض التي كنا نظن أنها أصبحت من الماضي لتصبح من المخاطر الكبيرة التي تهدد حياتنا.