حكم صلاة الجنازة
تتفق آراء الفقهاء على أن صلاة الجنازة تعتبر فرض كفاية، فإذا قام بها بعض المسلمين تسقط عن الآخرين. وقد ورد عن ابن عباس -رضي الله عنه- أنه سمع النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: (ما من رجلٍ مسلمٍ يموتُ، فيقومُ على جنازتهِ أربعونَ رجلا لا يُشركونَ بالله شيئا إلا شفّعهُم اللهُ فيهِ). كما ورد أيضاً عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنه حين كان يُؤتى برجلٍ متوفي عليه دين، يسأل: “هل ترك لدينه فضلاً؟” فإذا أُخبر أنه ترك وفاءً، صلى عليه، وإلا قال للناس: “صلوا على صاحبكم”.
شروط صلاة الجنازة
عند أداء صلاة الجنازة، يجب على المسلم التأكد من طهارة جسده، وثوبه، والمكان الذي سيصلي فيه. كما يجب عليه التأكد من سَتر العورة واستقبال القبلة. تشترك صلاة الجنازة في الشروط العامة مثل الإسلام والعقل والتمييز كما في باقي الصلوات، لكن هناك شروطاً خاصة بها، وهي:
- أن يكون الميت مسلماً، فلا يجوز الصلاة على غير المسلم، ولكن تجوز الصلاة على مرتكب الكبائر.
- أن يكون جسد الميت أو غالبيته موجوداً، فلا تجوز الصلاة على عضو من الأعضاء عند الفقهاء الحنفية والمالكية.
- أن يكون الميت موجوداً ومُستلقياً على الأرض أمام الصلاة باتجاه القبلة، فلا تجوز الصلاة على ميت غائب أو محمول على دابة، وهذا شرط وفقاً للحنفية والمالكية. وقد سمح الشافعية والحنابلة بالصلاة على الميت المحمول.
- أن يكون الميت معروفاً بالحياة قبل وفاته، فلا تصح الصلاة على مولودٍ أو سقْط إلا إذا ثبت أنه نزل حياً بحركة أو صراخ، وهو شرط للجمهور باستثناء الحنابلة.
- أن يكون طاهراً، فلا تجوز الصلاة على الميت قبل الغسل أو التيمم.
- أن لا يكون شهيداً، حيث أن الشهيد لم يُغسل ولم يُكفَّن ولم يُصلَّ عليه.
- أن يكون وقت الصلاة من الأوقات المسموح بها، بعيداً عن الأوقات التي نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن أداء صلاة الجنازة فيها.
أركان صلاة الجنازة
تتكون صلاة الجنازة من ثمانية أركان، وهي:
- النية، ويكون محلها القلب، إذ يجب على المصلي أن ينوي الصلاة على الميت عند تكبيرة الإحرام.
- التكبيرات الأربعة، حيث أجمعت العلماء على وجوبها، ولا تصح صلاة الجنازة من دونها.
- الوقوف قائماً للقادر على ذلك، إذ لا تجوز الصلاة قاعداً أو راكباً بدون عذر شرعي.
- قراءة سورة الفاتحة بعد التكبيرة الأولى.
- الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- بعد التكبيرة الثانية.
- الدعاء للميت بعد التكبيرة الثالثة، وقد ثبت عن عوف بن مالك قوله: (سمِعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلّي على ميّتٍ، وله دعاء خاص).
- السلام على اليمين بعد التكبيرة الرابعة.
- الترتيب بين أركان صلاة الجنازة، حيث يُقرأ الفاتحة بعد التكبيرة الأولى، ثم الصلاة على النبي، ودعاء للميت ثم السلام.
سنن صلاة الجنازة
تتعدد سنن صلاة الجنازة، نذكر منها:
- أن يقف الإمام أمام رأس الميت الذكر، وعند وسط الأنثى.
- أن يرفع المصلي يديه عند كل تكبيرة.
- أن يتم الاستعاذة والبسملة قبل قراءة الفاتحة.
- أن تُؤدى الصلاة سرّاً، ويجهر الإمام بالتكبيرات والسّلام.
- أن يدعو المصلي لنفسه ولوالديه وللمسلمين بعد التكبيرة الرابعة.
- أن يقف المصلي قليلاً بعد التكبيرة الرابعة قبل التسليم.
- أن يضع المصلي يده اليمنى على اليسرى.
- أن يقف المصلون ثلاثة صفوف خلف الإمام حتى لو كانوا قلة، وأن يفضل تسوية الصفوف.
صفة صلاة الجنازة
تتميز صلاة الجنازة بصفة خاصة، إذ لا يوجد فيها ركوع أو سجود. يتوضأ المصلي ويضع الإمام الميت أمامه، حيث يقف عند رأس الرجل وعند وسط المرأة. ثم يكبّر أربع تكبيرات، يقرأ الفاتحة بعد التكبيرة الأولى، ثم يكبّر الثانية ويصلي على النبي -صلى الله عليه وسلم- بالصلاة الإبراهيمية، ثم يكبّر الثالثة ويدعو للميت بالمغفرة والرحمة، وبعدها يكبّر الرابعة، ويستحب له أن يدعو لنفسه وللمسلمين ثم يسلم عن يمينه وشماله.
مكان الصلاة على الجنائز
كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يُصلي على الأموات في أماكن محددة لصلاة الجنازة، ويفضل ذلك. فقد ثبت أنه نعَى النجاشي وصلى عليه جماعة المسلمون بمصلى. ويدور الاختلاف بين العلماء حول حكم الصلاة على الميت في المسجد، حيث قال الشافعية بجواز الصلاة في المساجد، بينما رآها الحنفية والمالكية كراهية. أباح الحنابلة ذلك بشرط عدم تلويث المسجد.
الأحق بالصلاة على الميت هو الوصي، وعندما تُجرى الصلاة في المسجد، يكون الإمام أولى بها، وإن لم يُوصَ الميت لأحد، يُصلي عليه والده ثم ابنه بحسب ترتيب الورثة. إذا اجتمع أكثر من ميت، يمكن للإمام أن يصلي على كل منهم بمفردهم أو جميعاً في صف واحد.
وقت الصلاة على الجنازة
تعددت آراء العلماء حول الأوقات التي نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن أداء صلاة الجنازة فيها. حيث تعتبر كراهية تحريمية في خمسة أوقات وفقاً للحنفية، وهي: وقت طلوع الشمس، وقت غروب الشمس، وقبل الظهر وبعد العصر. بينما رأى المالكية والحنابلة بتحريمها في أوقات معينة مثل: طلوع الشمس وغروبها وزوال الشمس. أما الشافعية فلا يرون مانعاً لصلاة الجنازة في أي وقت نظراً لوجود سبب خاص لصلاة الجنازة.
حكم الجماعة في صلاة الجنازة
تمثل الجماعة في صلاة الجنازة حكما واجباً، استناداً إلى ممارسة الرسول -صلى الله عليه وسلم-. وقد أكد العديد من العلماء بأن الجماعة تعتبر سنة تسقط إذا قام بها شخص واحد فقط. يفضل أن تكون عدد الجماعة أربعين، وكلما زاد العدد كان أفضل، إذ جاء في الحديث أن عدد المسلمين الذين يصلون على ميت يمكن أن يؤثر في شفاعته.
حكم صلاة النساء على الجنازة
يجوز للنساء أداء صلاة الجنازة في المصلى أو المسجد، ويحصلن على الأجر والثواب كما الرجال. وقد أشارت نصوص السنة إلى جواز ذلك، حيث ذكرت عائشة -رضي الله عنها- أنه أمر بصلاة الجنازة في المسجد.
فوات وقت صلاة الجنازة
إذا أدرك الشخص صلاة الجنازة مع الإمام ولكن فاتته بعض الأركان، ينبغي عليه إتمام ما تبقى مع الإمام ثم يأتي بما فاته. وإذا فاتته صلاة الجنازة قبل دفن الميت، يجوز له أن يصليها عقب الدفن. وبالنسبة لمن كان مسافراً ووصل خبر وفاة الميت، يمكنه أداء صلاة الغائب بنية خاصة. وقد أجاز بعض العلماء التيمم عند الخوف من فوات صلاة الجنازة، حيث اعتبروا ذلك مشابهاً لحالات أخرى يستدعي فيها التيمم.