يُعتبر جون لوك رائد المذهب التجريبي الحديث، وقد تركت أفكاره في مجال التربية تأثيرًا كبيرًا في عدة دول، من أبرزها بريطانيا والولايات المتحدة. لقد كانت لهذه الأفكار آثار إيجابية على العملية التعليمية والطلاب. في هذه المقالة، سنستعرض فلسفة التربية الخاصة بجون لوك.
فلسفة التربية لدى جون لوك
تستند فلسفة التربية عند جون لوك إلى ضرورة بناء عقل فاضل، حيث يُعدّ غرس الفضيلة في نفوس الأطفال الهدف الأساسي من التعليم. التعليم عند لوك يُعتبر تعليمًا أخلاقيًا في المقام الأول، على الرغم من أهمية التعليم الأكاديمي وتزويد الطفل بالمعارف والعلوم.
ومع ذلك، تبقى الأخلاق أولوية تتطلب العناية والاهتمام، إذ ترتكز عملية التربية عند لوك على مفهوم الفضيلة، وتهذيب العقل، وتجاوز الأهواء والشهوات.
العامل الرئيسي لجعل الفرد فاضلًا هو امتلاكه القدرة على إنكار الذات. يسعى التعليم إلى غرس هذه القابلية في فكر الطفل. ويعتقد جون لوك أن أسلوب التربية الذي يتبعه الآباء مع أبنائهم قد يؤدي إلى آثار عكسية.
تلك السلبية تظهر عند تدليل الآباء المفرط لأبناءهم، وتلبية جميع رغباتهم، مما يُعيق قدرة الطفل على تقبل الرفض. مهما كانت رغبات الطفل، فإن العقل في مرحلة الطفولة يحتاج إلى الطاعة الكاملة، وهذه القدرة على إنكار الرغبات يجب أن تُزرع منذ الصغر.
من الأمور الضرورية التي يجب أن يتعلمها الطفل هي أنه لن يستطيع الحصول على كل ما يرغب به. بل يمكنه الحصول على ما هو الأفضل وفقًا لرؤية العقل.
الأطفال في المراحل العمرية المبكرة غير مُستقلين بالكامل عن عقول آبائهم. عندما يتعلم الطفل كيفية إنكار رغباته بسبب توجيهات والديه، يبدأ في النضوج ويكتسب القدرة على التحكم في شهواته.
على الجانب الآخر، إذا اعتاد الطفل على تلبية جميع رغباته، فسيستمر في توقع تحقيق احتياجاته دون تمييز، مما يؤدي إلى افتقاره لمبدأ الفضيلة.
باختصار، يجب أن يكون الطفل مطيعًا لوالديه خلال سنوات طفولته المبكرة، لأن طاعتهم تعكس تطور قدرته العقلية مستقبلًا. ويعتبر تنفيذ رغبات الطفل بشكل دائم مُعارضًا لمبادئ التربية الأخلاقية.
يتهم جون لوك الآباء بالتساهل في تعليم أطفالهم القيم، حيث إنهم يمكن أن يزرعوا في نفوسهم العنف من خلال السخرية من بعض القضايا، وتعليم التافهات كرفض طريقة ارتداء الأطفال للملابس. كما يتساهلون في تعليم الكذب والخداع أمام أطفالهم.
كيفية تحقيق السلطة الضرورية
يرى جون لوك أن السلطة التي يمارسها الآباء على أبنائهم يجب أن تستند إلى تحفيز مناسب. إذ ينبغي أن يُطيع الطفل والديه بدافع من الاحترام وليس بسبب الخوف من العقاب أو رغبة في الحصول على مكافأة.
لذا، يجب أن تكون دوافع الطفل للتوافق مع والديه نابعة من رغبته في كسب احترامهم. بمعنى آخر، ينبغي عدم تحفيز الطفل بالمكافآت أو العقوبات البدنية، بل يجب أن يكون التحفيز شيئًا عقليًا كضميره. إذا قام الآباء بتحفيز الطفل بإغراء متعة مادية أو الهروب من عقاب بدني، فإنهم في الحقيقة يعززون السلوكيات التي يسعون لتعديلها.
الأهداف النهائية للتربية عند جون لوك هي توجيه ميول الأطفال نحو اتباع أوامر العقل بدلًا من الانجراف وراء الرغبات والعواطف السلبية.
أسباب رفض جون لوك للعقاب البدني في التربية
ترفض فلسفة التربية عند جون لوك استخدام العقوبات البدنية، معتبرةً إياها منهجًا غير تربوي. فالعقوبات الشديدة قد تؤدي لتحطيم روح الطفل، وهو ما يُعد خطرًا لأن القوة هي الأساس الذي يجب أن يُبنى عليه فرد فعّال في المجتمع.
إذا لم تؤد العقوبة إلى تحطيم نفسية الطفل، فإنها قد تتركه مستسلماً. كما أن العقاب البدني يُنتج تأثيرات معاكسة، مما يدفع الطفل لكراهية كل ما يرتبط بالعقوبة. فمثلًا، إذا تمت معاقبة الطفل لعدم انتباهه للمعلم، فإنه سيبدأ في كراهية الدرس.
كما أن تعرض الطفل للعقاب البدني بسبب كونه غير مألوف قد يؤدي إلى كراهية المعلم. يُبرز لوك أن الحب والاحترام يشكلان دافعين أقوى من المكافأة المادية أو العقوبات البدنية.
في الختام، يسعى لوك إلى تعليم الطفل أهمية نيل الاحترام والمحبة من الآخرين عبر جعلهم يهتمون بما يعتقده الآخرون، مما يسهم في بناء ضمير قوي داخلهم.
لقد استعرضنا في هذا المقال فلسفة التربية عند جون لوك وتأكيده على أن أساس التربية هو تنمية العقل وغرس الفضيلة لدى الأطفال، حيث يُعتبر إنكار الذات العامل الأساسي في تحقيق الفضل.