أسباب معركة الخندق وأسبابها التاريخية والاجتماعية

أسباب غزوة الخندق

غزوة الخندق كانت نتيجةً لمخططات يهود بني النضير، الذين تم إجلاؤهم من المدينة المنورة بأمر من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- واستقروا في خيبر. فزع هؤلاء اليهود لرؤية المسلمين في المدينة ينعمون بفترة من الاستقرار بعيداً عن هجمات قريش. وعليه، قاموا بالتآمر مع يهود خيبر، وأرسلوا وفداً مكوناً من حوالي عشرين من زعمائهم، مثل سلام بن أبي الحقيق النضري وحيي بن أخطب النضري وهوذة بن قيس الوائلي، للذهاب إلى مكة وتحريض قريش على محاربة النبي -صلى الله عليه وسلم- وغزو المدينة. وقد زعم اليهود لقريش أن دينهم أفضل من دين محمد -صلى الله عليه وسلم-، مما أزعج الله -تعالى- وأشار إلى ذلك في قوله: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا). وتضافرت الجهود لدى قريش لاستعادة مكانتها في عرب الجزيرة، فتوجهت نحو الحرب. وقد رحل اليهود بعدها إلى قبائل غطفان وبني فزارة وبني أسد وبني سليم، واستجاب بعضهم لدعوتهم، ليجمعوا عشرة آلاف مقاتل بقيادة أبي سفيان بن حرب لغزو المدينة والقضاء على الدين الإسلامي.

تعريف غزوة الخندق

وقعت غزوة الخندق في شهر شوال من السنة الخامسة للهجرة. وكانت هذه الغزوة اختباراً للمؤمنين، حيث تعرضوا لزلزلة شديدة، إلا أنها كانت لها آثار إيجابية في الدعوة الإسلامية وتوسيع رقعة الإسلام. سُميت الغزوة بهذا الاسم نسبةً للخندق الذي حفره المسلمون بناءً على اقتراح سلمان الفارسي -رضي الله عنه-، كما أُطلق عليها أيضاً اسم غزوة الأحزاب لاحتشاد المشركين لمحاربة المسلمين في المدينة. اجتمع في هذه الغزوة كل من قريش وغطفان واليهود وغيرهم، وقد ذُكرت في القرآن الكريم في سورة الأحزاب.

أهم أحداث غزوة الخندق

سمع النبي -صلى الله عليه وسلم- عن تحركات الأحزاب، فأمر بحفر الخندق. وقد حث المسلمين على العمل، في حين استمر المنافقون في بث الفتنة والضعف بينهم. وشرع المسلمون في حفر الخندق، وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يشاركهم ويدعو الله من أجلهم. عن البراء بن عازب -رضي الله عنه- قال: “لَمَّا كانَ يَوْمُ الأحْزَابِ، خَنْدَقَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ، رَأَيْتُهُ يَنْقُلُ مِن تُرَابِ الخَنْدَقِ، حتَّى وارَى عَنِّي الغُبَارُ جِلْدَةَ بَطْنِهِ، وكانَ كَثِيرَ الشَّعَرِ…”. وقد شارك الصحابة في حفر الخندق أكثر من عشرين يوماً، حيث حدثت معجزات في تلك الفترة تبرز صدق نبوته -صلى الله عليه وسلم-، ومن هذه المعجزات:

  • بشارة النبي -صلى الله عليه وسلم- بالفتوحات الإسلامية، عندما كسر صخرة ضخمة أثناء الحفر كما حدث مع البراء بن عازب -رضي الله عنه-، حيث قال: “لما أمرنا رسول الله بحفر الخندق، عرضت لنا صخرة في بعض الخندق، فاشتكينا للنبي، فجاء وضربها حتى استخرج منها ثلثها، وقال: الله أكبر، أعطيت مفاتيح الشام…”.
  • كما حصلت بركة في الطعام، عندما ذهب جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- إلى زوجته ليسألها عن الأكل فقالت: “لدينا قليل من الشعير واللحم”، فأمرها لطهيه. ثم دعا النبي -صلى الله عليه وسلم-المهاجرين والأنصار لمشاركته، رغم قلة الطعام، إلا أن النبي وزع الطعام ببركته مما أتاح للجميع أن يشبعوا.

عندما اقتربت الأحزاب من المدينة، أصابهم الرعب من رؤية الخندق، وهذا يعد شيئاً غير معتاد في جزيرة العرب. حاول بعض الفرسان تجاوز الخندق لكن المسلمين صمدوا. وعلى صعيد آخر، ذهب حيي بن أخطب إلى بني قريظة طلباً لنقض العهد مع النبي -صلى الله عليه وسلم- مما زاد من الأجواء توتراً. ولم يرضَ الأنصار بتقديم أية تنازلات لأعدائهم. لكن الله -عز وجل- هيأ لنبيّه نعيم بن مسعود -رضي الله عنه- الذي أخبر النبي بإسلامه وأكد له أن بني قريظة يثقون به. وقال له: “مرني بما شئت”، فأوعز إليه النبي أن يسعى لتحييد الأعداء.

استطاع نعيم بن مسعود -رضي الله عنه- أن يزرع الفتنة بين الأحزاب وبني قريظة، مما أدى إلى انعدام الثقة بينهم. وبعد أيام، أرسل الله عليهم ريحاً شديدة هزت خيامهم وأخرت رحيلهم، مما أجبرهم على التراجع وبدء العودة خائبين. وبذلك حقق المسلمون نصراً عظيماً، وعز الله دينه ونبيه، وجاءت آيات من القرآن لتبين صفات تلك النعمة: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا…)

Related Posts

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *