العوامل وراء ظهور المدرسة الرمزية في الأدب
هناك العديد من العوامل التي أدت إلى نشوء الرمزية في الأدب، وأهمها ما يلي:
العوامل الفكرية
تجمعت عدة أفكار أساسية ساهمت في بروز الرمزية منها:
فلسفة أفلاطون حول المُثُل
تبعاً للثورة الكلاسيكية التي شهدها الأدب وتوجهاته نحو التراث الإغريقي واليوناني القديم، تعرفت أوروبا على فلسفة أفلاطون حول المثل، حيث ربط أفلاطون وجود الأشياء في العالم بظلال من المُثل المثالية التي تعبر عن كمالها في عالم خارجي. وهكذا، تعتبر هذه الظلال رموزًا للموجودات الكاملة في عالم المثل.
فلسفة كانط المثالية
ثارت أفكار إيمانويل كانط ضد المنهج التجريبي المادي الذي طغى على المعاني الروحية والعواطف، إذ ركز هذا المنهج على ما يمكن قياسه في المعامل. وقد أبرز (كانط) قيمة العقل والروح، مشدداً على أن الشر مؤقت بينما الخير أبدي، مما أثر بشكل كبير في الرمزية التي ابتعدت عن الظواهر الحسية وأيدت ما هو خير.
أفكار فرويد
قدمت أفكار جيمس فرويد في علم النفس، مثل حديثه عن اللاشعور والعقل الباطن، بالإضافة إلى مفهوم الفصام والكبت، دافعاً للرمزيين لتبني هذه الأفكار وتطويرها في أعمالهم الأدبية.
الفراغ العقدي
مرّ الإنسان الأوروبي بفترة من الفراغ الروحي بعد الابتعاد عن الدين في حقبة الثورة الفرنسية، بالإضافة إلى بروز المنهج التجريبي. مما جعله يبحث عن مرجع روحي يلبي احتياجاته الداخلية، وهو ما ساهم في ظهور الرمزية التي تتيح للأديب الانغماس في عالم بعيد عن الواقع المادي يلبي حاجاته الروحية والعقلية.
الانفتاح على الأديان الشرقية
استكشف العقل الأوروبي الأديان الشرقية مثل البوذية والهندوسية والفارسية والمصرية القديمة، التي تتعلق بالسمو الروحي وتهميش الجسد. وقد تأثر بذلك العقل الأوروبي، مما أدى إلى بروز الرمزية التي أسقطت المعاني المباشرة للألفاظ ومنحتها دلالات رمزية.
العوامل الاجتماعية
عاش رواد الرمزية في بيئات مليئة بالتناقضات الاجتماعية والنزاعات، مما دفعهم إلى الهروب من الواقع ومقاومة الأعراف الاجتماعية. وقد تجلى هذا التمرد في الأدب من خلال الثورة على المعايير الأدبية السائدة في تلك الفترة.
كما أدت ثقافة العمل إلى ابتعاد الناس عن الاسترخاء والسعي نحو الثراء، حيث اعتبر الشعر مضيعة للوقت. وقد ازدادت النظرة السلبية تجاه الشعراء، مما أدى إلى استصغار المجتمع لهم، وكان هذا دافعًا لهم للانطواء وتطوير الرمزية التي تتطلب مستوى عالٍ من الفهم والمعرفة بالعلوم الإنسانية.
العوامل السياسية
شهدت الأوضاع السياسية تغييرات مستمرة وانتشار الحروب والصراعات، مما جعل الشعراء يجدون في الرمزية وسيلة للتعبير عن آرائهم السياسية دون التعرض للعواقب.
العوامل الفنية
اعتقد الشعراء أن اللغة المباشرة غير كافية للتعبير عن عواطفهم وأفكارهم، مما دفعهم إلى البحث عن رموز تعبر عن مشاعرهم. كما سعى الأدباء لتبني أسلوب جديد في التعبير عن ذواتهم بعد أن انتقدوا الرمزية الغارقة في الخيال ومبالغتها في الذات، وأيضاً انتقدوا البرناسيّة لاهتمامها بالشكل والأوزان التي تُقيّد حرية الكتاب مع الحفاظ على الوضوح والمباشرة في التعبير.