الشعر العربي
يعتبر الشعر العربي تجسيداً للأحاسيس الإنسانية العميقة، حيث يتجلى في كل بيت شعري عالمٌ من المشاعر يصور لحظات الحياة بطريقة تجعل القارئ يشعر وكأنه يعيش تلك اللحظات بنفسه. إنه وسيلة ملهمة، ومصدر للأمل، وحكمة تُدرس، وقيم أخلاقية تُعزز. وكما أنه يتميز بلحنه الموسيقي الذي يسر الأذن ويطرب القلوب، فهو كذلك يشعرنا بالمتعة ويزرع فينا التقدير لعمق هذا الفن الخالد. يبقى الشعر العربي رمزاً لفخرنا، رغم تأثره ببعض الشوائب التي لا تفسد صفاء روحه.
قصيدة “رمت الفؤاد مليحة عذراء”
هذه القصيدة من تأليف الشاعر عنترة بن عمرو بن شداد، وهو واحد من أبرز شعراء العرب قبل الإسلام (525 م – 608 م). تميز شعره بشغفه للفروسية وكتب العديد من القصائد الجميلة، بما في ذلك معلقته الشهيرة. تعكس قصائد عنترة غزله العفيف بعبلة، ومن أبرز مقاطع شعره:
رمتِ الفؤادَ مليحةٌ عذراءُ
بسهامِ لحظٍ ما لهنَّ دواءُ
مَرَّتْ أوَانَ العِيدِ بَيْنَ نَوَاهِدٍ
مِثْلِ الشُّمُوسِ لِحَاظُهُنَّ ظِبَاءُ
فاغتالني سقمِى الَّذي في باطني
أخفيتهُ فأذاعهُ الإخفاءُ
خطرتْ فقلتُ قضيبُ بانٍ حركت
أعْطَافَه ُ بَعْدَ الجَنُوبِ صَبَاءُ
ورنتْ فقلتُ غزالة ٌ مذعورة ٌ
قدْ راعهَا وسطَ الفلاة ِ بلاءُ
وَبَدَتْ فَقُلْتُ البَدْرُ ليْلَة َ تِمِّهِ
قدْ قلَّدَتْهُ نُجُومَهَا الجَوْزَاءُ
بسمتْ فلاحَ ضياءُ لؤلؤ ثغرِها
فِيهِ لِدَاءِ العَاشِقِينَ شِفَاءُ
قصيدة “أذل الحرص والطمع الرقابا”
كتب هذه القصيدة الشاعر أبو إسحاق المعروف بأبي العتاهية، الذي يُعتبر من أبرز الشعراء المعروفين بفضل غزارة إنتاجهم وسرعة بديهيتهم. كان يُنتج ما يقارب المئة والخمسين بيتاً في اليوم. من أعماله التي تم جمعها، نجد هذه الأبيات:
أذَلَّ الحِرْصُ والطَّمَعُ الرِّقابَا
وقَد يَعفو الكَريمُ، إذا استَرَابَا
إذا اتَّضَحَ الصَّوابُ فلا تَدْعُهُ
فإنّكَ قلّما ذُقتَ الصّوابَا
وَجَدْتَ لَهُ على اللّهَواتِ بَرْداً،
كَبَرْدِ الماءِ حِينَ صَفَا وطَابَا
ولَيسَ بحاكِمٍ مَنْ لا يُبَالي،
أأخْطأَ فِي الحُكومَة ِ أمْ أصَابَا
وإن لكل تلخيص لوجها،
وإن لكل مسألة جوابا
وإنّ لكُلّ حادِثَةٍ لوَقْتاً؛
وإنّ لكُلّ ذي عَمَلٍ حِسَابَا
وإنّ لكُلّ مُطّلَعٍ لَحَدّاً،
وإنّ لكُلّ ذي أجَلٍ كِتابَا
وكل سَلامَةٍ تَعِدُ المَنَايَا؛
وكلُّ عِمارَةٍ تَعِدُ الخَرابَا
وكُلُّ مُمَلَّكٍ سَيَصِيرُ يَوْماً،
وما مَلَكَتْ يَداهُ مَعاً تُرابَا
أبَتْ طَرَافاتُ كُلّ قَريرِ عَينٍ
بِهَا إلاَّ اضطِراباً وانقِلاَبا
كأنَّ محَاسِنَ الدُّنيا سَرَابٌ
وأيُّ يَدٍ تَناوَلَتِ السّرابَا
وإنْ يكُ منيَةٌ عجِلَتْ بشيءٍ
تُسَرُّ بهِ فإنَّ لَهَا ذَهَابَا
فَيا عَجَبَا تَموتُ، وأنتَ تَبني،
وتتَّخِذُ المصَانِعَ والقِبَابَا
أرَاكَ وكُلَّما فَتَّحْتَ بَاباً
مِنَ الدُّنيَا فَتَّحَتَ عليْكَ نَابَا
ألَمْ ترَ أنَّ غُدوَةَ كُلِّ يومٍ
تزِيدُكَ مِنْ منيَّتكَ اقترابَا
وحُقَّ لموقِنٍ بالموْتِ أنْ لاَ
يُسَوّغَهُ الطّعامَ، ولا الشّرَابَا
يدبِّرُ مَا تَرَى مَلْكٌ عَزِيزٌ
Bإِنَّكَ شهدت بحوَادِثٍ رِغَابَا
ألَيسَ اللّهُ في كُلٍّ قَريباً
بلى من حَيثُ ما نُودي أجابَا
ولَمْ تَرَ سائلاً للهِ أكْدَى
ولمْ تَرَ رَاجياً للهِ خَابَا
رأَيْتَ الرُّوحَ جَدْبَ العَيْشِ لمَّا
عرَفتَ العيشَ مخضاً، واحتِلابَا
ولَسْتَ بغالِبِ الشَّهَواتِ حَتَّى
تَعِدُّ لَهُنَّ صَبْراً واحْتِسَابَا
فَكُلُّ مُصِيبةٍ عَظُمَتْ وجَلَّت
تَخِفُّ إِذَا رَجَوْتَ لَهَا ثَوَابَا
كَبِرْنَا أيُّهَا الأتَرابُ حَتَّى
كأنّا لم نكُنْ حِيناً شَبَابَا
وكُنَّا كالغُصُونِ إِذَا تَثَنَّتْ
مِنَ الرّيحانِ مُونِعَةً رِطَابَا
إلى كَمْ طُولُ صَبْوَتِنا بدارٍ،
رَأَيْتَ لَهَا اغْتِصَاباً واسْتِلاَبَا
ألا ما للكُهُولِ وللتّصابي،
إذَا مَا اغْتَرَّ مُكْتَهِلٌ تَصَابَى
فزِعْتُ إلى خِضَابِ الشَّيْبِ منِّي
وإنّ نُصُولَهُ فَضَحَ الخِضَابَا
مَضَى عنِّي الشَّبَابُ بِغَيرِ رَدٍّ
فعنْدَ اللهِ احْتَسِبُ الشَّبَابَا
وما مِنْ غايَةٍ إلاّ المَنَايَا،
لِمَنْ خَلِقَتْ شَبيبَتُهُ وشَابَا
قصيدة “أحبك حتى ترتفع السماء قليلا”
يُعتبر نزار قباني أحد أبرز شعراء العرب، وقد عُرف بشعره الرومانسي الذي جعله يُلقب بـ “شاعر المرأة”. وُلِدَ في دمشق عام 1923م، وبدأ مسيرته الشعرية بأسلوب تقليدي قبل أن يبتكر أسلوباً مميزاً يُدخل فيه علامات بارزة في تاريخ الشعر الحديث. وتُعتبر قصيدته هذه واحدة من أشهر أعماله الحماسية:
هل عندك شك أنك أحلى امرأه في الدنيا
وأهم امرأه في الدنيا
هل عندك شك أني حين عثرت عليك
ملكت مفاتيح الدنيا
هل عندك شك أن دخولك في قلبي
هو أعظم يوم في التاريخ
وأجمل خبر في الدنيا
هل عندك شك في من أنت
يا من تحتل بعينيها اجزاء الوقت
يا امرأه تكسر ، حين تمر جدار الصوت
لا أدري ماذا يحدث لي
فكأنك أنثاي الأولى
وكأني قبلك ما أحببت
وكأني ما مارست الحب ولا قبلت ولا قبلت
ميلادي أنت وقبلك لا أتذكر أني كنت
وغطائي أنت وقبل حنانك لا أتذكر أني عشت
وكأني أيتها الملكه
من بطنك كالعصفور خرجت
هل عندك شك أنك جزء من ذاتي
وبأني من عينيك سرقت النار
وقمت بأخطر ثوراتي
أيتها الورده والياقوته والريحانه
والسلطانه
والشعبيه
والشرعيه بين جميع الملكات
يا سمكا يسبح في ماء حياتي
يا قمرا يطلع كل مساء من نافذه الكلمات
يا أعظم فتح بين جميع فتوحاتي
يا أخر وطن أولد فيه
وأدفن فيه
وأنشر فيه كتاباتي
يا امرأه الدهشه يا أمرأتي
لا أدري كيف رماني الموج على قدميك
لا أدري كيف مشيت إلي
وكيف مشيت اليك
قصيدة “لا تلبس الدنيا فإن لباسها”
كتب هذه القصيدة الشاعر أحمد بن عبد الله بن سليمان، المعروف بالتنوخي المعري. يُعتبر المعري شاعراً وفيلسوفاً، حيث اعتمد في شعره على الأسلوب المباشر بعيداً عن التعقيد. أراد أن تصل رسالته إلى مختلف شرائح المجتمع، بهدف تخفيف تعلقهم بالدنيا. من أبرز أبيات قصيدته:
لا تلبَسِ الدنيا، فإنّ لباسَها
سَقَمٌ، وعَرِّ الجسمَ من أثوابها
أنا خائفٌ من شرّها، متوقِّعٌ
إكآبَها، لا الشّرْبَ من أكوابها
فلتفعلِ النفسُ الجميلَ، لأنهُ
خيرٌ وأحسنُ، لا لأجلِ ثوابِها
في بيتِهِ الحَكمُ، الذي هو صادقٌ،
فأتوا بيوتَ القومِ من أبوابِها
وتخالُفُ الرّؤساءِ يشهدُ مُقْسِماً
إنّ المعاشِرَ ما اهتدتْ لصوابِها
وإذا لصوصُ الأرض أعيَتْ والياً،
ألقى السّؤالَ بها على تُوّابها
جيِبتْ فلاةٌ للغنى فأصابهُ
نفرٌ، وصينَ الغيبُ عن جُوّابها
آوى بها اللَّهُ الأنامَ، فما أوى
لِمُحالفي دَدِها ولا أَوّابها
عاشق من فلسطين
الشاعر محمود درويش (13 مارس 1941 – 9 أغسطس 2008) هو أحد أعظم الشعراء الفلسطينيين والعرب، وقد ارتبط اسم درويش بشعر الثورة والوطن. يعتبر درويش من أبرز المساهمين في تطوير الشعر العربي الحديث وإدخال الرمزية فيه. يمتزج الحب في شعره بين الوطن وحبيبته، ومن أجمل قصائده الثورية التي تعبر عن حبه لفلسطين:
عيونك شوكة في القلب
توجعني وأعبدها
وأحميها من الريح
وأغمدها وراء الليل والأوجاع أغمدها
فيشعل جرحها ضوء المصابيح
ويجعل حاضري غدها
أعزّ عليّ من روحي
وأنسى بعد حين في لقاء العين بالعين
بأنّا مرة كنّا وراء الباب إثنين
كلامك كان أغنية
و كنت أحاول الإنشاد
و لكن الشقاء أحاط بالشفقة الربيعيّة
كلامك كالسنونو طار من بيتي
فهاجر باب منزلنا وعتبتنا الخريفيّة
وراءك، حيث شاء الشوق
وانكسرت مرايانا
فصار الحزن ألفين
ولملمنا شظايا الصوت
لم نتقن سوى مرثية الوطن
سننزعها معا في صدر جيتار
وفق سطوح نكبتنا، سنعزفها
لأقمار مشوهّة وأحجار
ولكنيّ نسيت، نسيت يا مجهولة الصوت
رحيلك أصدأ الجيتار أم صمتي
رأيتك أمس في الميناء
مسافرة بلا أهل بلا زاد
ركضت إليك كالأيتام
أسأل حكمة الأجداد
لماذا تسحب البيّارة الخضراء
إلى سجن إلى منفى إلى ميناء
وتبقى رغم رحلتها
ورغم روائح الأملاح والأشواق
تبقى دائما خضراء
وأكتب في مفكرتي
أحبّ البرتقال وأكره الميناء
وأردف في مفكرتي
على الميناء
وقفت وكانت الدنيا عيون الشتاء
وقشرة البرتقال لنا وخلفي كانت الصحراء
رأيتك في جبال الشوك
راعية بلا أغنام
مطاردة وفي الأطلال
وكنت حديقتي وأنا غريب الدّار
أدقّ الباب يا قلبي
على قلبي
يقوم الباب والشبّاك والإسمنت والأحجار
رأيتك في خوابي الماء والقمح
محطّمة رأيتك في مقاهي الليل خادمة
رأيتك في شعاع الدمع والجرح
وأنت الرئة الأخرى بصدري
أنت أنت الصوت في شفتي
وأنت الماء أنت النار
رأيتك عند باب الكهف عند الدار
معلّقة على حبل الغسيل ثياب أيتامك
رأيتك في المواقد في الشوارع
في الزرائب في دم الشمس
رأيتك في أغاني اليتم والبؤس
رأيتك ملء ملح البحر والرمل
وكنت جميلة كالأرض كالأطفال كالفلّ
وأقسم
من رموش العين سوف أخيط منديلا
وأنقش فوقه لعينيك
وإسما حين أسقيه فؤادا ذاب ترتيلا
يمدّ عرائش الأيك
سأكتب جملة أغلى من الشهداء والقبّل
فلسطينية كانت ولم تزل
فتحت الباب والشباك في ليل الأعاصير
على قمر تصلّب في ليالينا
وقلت لليلتي: دوري
وراء الليل والسور
فلي وعد مع الكلمات والنور
وأنت حديقتي العذراء
ما دامت أغانينا
سيوفا حين نشرعها
وأنت وفية كالقمح
ما دامت أغانينا
سمادا حين نزرعها
وأنت كنخلة في البال
ما انكسرت لعاصفة وحطّاب
وما جزّت ضفائرها
وحوش البيد والغاب
ولكني أنا المنفيّ خلف السور والباب
خذني تحت عينيك
خذيني أينما كنت
خذيني كيفما كنت
أردّ إلي لون الوجه والبدن
وضوء القلب والعين
وملح الخبز واللحن
وطعم الأرض والوطن
خذيني تحت عينيك
خذيني لوحة زيتّية في كوخ حسرات
خذيني آية من سفر مأساتي
خذيني لعبة حجرا من البيت
ليذكر جيلنا الآتي
مساربه إلى البيت
فلسطينية العينين والوشم
فلسطينية الإسم
فلسطينية الأحلام والهم
فلسطينية المنديل والقدمين والجسم
فلسطينية الكلمات والصمت
فلسطينية الصوت
فلسطينية الميلاد والموت
حملتك في دفاتري القديمة
نار أشعاري
حملتك زاد أسفاري
وباسمك صحت في الوديان
خيول الروم أعرفها
وإن يتبدل الميدان
خذوا حذّرا
من البرق الذي صكّته أغنيتي على الصوّان
أنا زين الشباب وفارس الفرسان
أنا ومحطّم الأوثان
حدود الشام أزرعها
قصائد تطلق العقبان
وباسمك، صحت بالأعداء
كلى لحمي إذا ما نمت يا ديدان
فبيض النمل لا يلد النسور
وبيضة الأفعى ..
يخبىء قشرها ثعبان!
خيول الروم.. أعرفها
وأعرف قبلها أني
أنا زين الشباب وفارس الفرسان