تُعتبر أشعار المتنبي في الحب من بين أعظم ما أُنتج في الأدب العربي. وُلِد المتنبي في الكوفة بالعراق، لكن نشأته كانت في بلاد الشام، وهو يُعتبر من بين أبلغ الشعراء في اللغة العربية.
يمتاز المتنبي بقدرته الفائقة على استخدام اللغة، ويُعتبر واحدًا من نوادر العرب في هذا المجال. تظل قصائده متميزة سواء في الحب أو الرثاء أو الهجاء، وما تزال تُستخدم كمرجع للعديد من الأدباء حتى الوقت الحاضر.
أشعار المتنبي في الحب
كان العصر العباسي عصرًا غنيًا بوجود العديد من الشعراء المميزين، ومن بينهم أحمد بن الحسين الجعفي الكندي الكوفي المعروف باسم المتنبي، الذي عبر عن الحب في أشعاره بقوة وإبداع.
وَما هِيَ إِلّا لَحظَةٌ بَعدَ لَحظَةٍ إِذا
نَزَلَت في قَلبِهِ رَحَلَ العَقلُ
جَرى حُبُّها مَجرى دَمي في مَفاصِلي
فَأَصبَحَ لي عَن كُلِّ شُغلٍ بِها شُغلُ
وَمِن جَسَدي لَم يَترُكِ السُقمُ شَعرَةً
فَما فَوقَها إِلّا وَفيها لَهُ فِعلُ
أشعار المتنبي في الحب والغزل
عُرف المتنبي بذكائه ودهائه. كان يمتلك طاقة إبداعية كبيرة في الأدب والشعر، بالإضافة إلى قدرته العظيمة على حفظ الأشعار. من أبرز أقواله ما يلي:
رأيت بها بدرا على الأرض ماشيا .. ولم ار بدرا قط يمشي على الأرض
قالوا الفراق غدا لا شك قلت لهم .. بل موت نفسي من قبل الفراق غدا
ففي ودعينا قبل وشك التفرق .. فما أنا من يحيا إلى حين نلتقي
مو بس احبك انا والله من حبك .. احبك حتى ثرى الأرض التي تطأها
ضممتك حتى قلت ناري قد انطفت .. فلم تطف نيراني وزيد وقودها
لأخرجن من الدنيا وحبكم .. بين الجوانح لم يشعر به أحد
تتبع الهوى روحي في مسالكه حتى .. جرى الحب مجرى الروح في الجسد
احبك حبا لو يفض يسيره على .. الخلق مات الخلق من شدة الحب
أشعار المتنبي عن الحب من طرف واحد
يُعرف المتنبي بفصاحته وبلاغته، وقدرته الكبيرة على استخدام اللغة العربية ومفرداتها. ومن أكثر ما أبدعه في الحب من طرف واحد ما يلي:
دَمعٌ جَرى فَقَضى في الرَبعِ ماوَجَبا *** لِأَهلِهِ وَشَفى أَنّى وَلا كَرَبا
عُجنا فَأَذهَبَ ما أَبقى الفِراقُ لَنا *** مِنَ العُقولِ وَما رَدَّ الَّذي ذَهَبا
سَقَيتُهُ عَبَراتٍ ظَنَّها مَطَراً *** سَوائِلاً مِن جُفونٍ ظَنَّها سُحُبا
دارُ المُلِمِّ لَها طَيفٌ تَهَدَّدَني *** لَيلاً فَما صَدَقَت عَيني وَلا كَذَبا
ناءَيتُهُ فَدَنا أَدنَيتُهُ فَنَأى *** جَمَّشتُهُ فَنَبا قَبَّلتُهُ فَأَبى
هامَ الفُؤادُ بِأَعرابِيَّةٍ سَكَنَت *** بَيتاً مِنَ القَلبِ لَم تَمدُد لَهُ طُنُبا
بَيضاءُ تُطمِعُ فيما تَحتَ حُلَّتِها *** وَعَزَّ ذَلِكَ مَطلوباً إِذا طُلِبا
كَأَنَّها الشَمسُ يُعيِي كَفَّ قابِضِهِ *** شُعاعُها وَيَراهُ الطَرفُ مُقتَرِبا
مَرَّت بِنا بَينَ تِربَيها فَقُلتُ لَها *** مِن أَينَ جانَسَ هَذا الشادِنُ العَرَبا
فَاِستَضحَكَت ثُمَّ قالَت كَالمُغيثِ يُرى *** لَيثَ الشَرى وَهوَ مِن عِجلٍ إِذا اِنتَسَبا
أشعار المتنبي في الحب في أبيات قصيرة
نال المتنبي لقب شاعر العرب لتميزه عن باقي شعراء عصره بفضل ما كان يمتلكه من مهارات لغوية، بالإضافة إلى معرفته بقواعد اللغة ومفرداتها. وقد تحدث في شعره عن الحب بعبارات جميلة، منها:
يا طفلة الكف عبلة الساعد
على البعير المقلدِ الواخدْ
زيدي أذى مهجتي أزدك هوى
فأجهل الناس عاشقٌ حاقدْ
حكيت يا ليل فرعها الوارد
فاحك نواها لجفني الساهدْ
طال بكائي على تذكرها
وطلت حتى كلاكما واحدْ
الغزل الفاحش للمتنبي في الحب
بعض الشعراء العرب كانوا يكتبون غزلًا عفيفًا وعذريًا، بينما كتب آخرون غزلًا فاحشًا يتضمن وصف الجسم ومفاتن المرأة. ومن أبرز أشعار المتنبي في هذا النوع:
ما ضرها من أتاها … وإنما ضر صلبه
-ولم ينكها ولكن … عجانها ناك زبه
-يلوم ضبة قوم … ولا يلومون قلبه
-وقلبه يتشهى … ويلزم الجسم ذنبه
-لو أبصر الجذع فعلا … أحب في الجذع صلبه
-يا أطيب الناس نفسا … وألين الناس ركبه
-وأخبث الناس أصلا … في أخبث الأرض تربة
-وأرخص الناس أما … تبيع ألفا بحبه
-كل الفعول سهام … لمريم وهي جعبه
-وما على من به الدا … ء من لقاء الأطباء
-وليس بين هلوك … وحرة غير خطبه
-يا قاتلا كل ضيف … غناه ضيح وعلبة
-وخوف كل رفيق … أباتك الليل جنبه
-كذا خلقت ومن ذا ال … ذي يغالب ربه
-ومن يبالي بذم … إذا تعود كسبه
-أما ترى الخيل في النخ … ل سربة بعد سربه
-على نسائك تجلو … أيورها منذ سنبه
-وهن حولك ينظر … ن والأحيراح رطبه
-وكل غرمول بغل … يرين يحسدن قنبه
-فسل فؤادك يا ض … ب أين خلف عجبه
-وإن يخنك فعمري … لطالما خان صحبه
-وكيف ترغب فيه … وقد تبينت رعبه
-ما كنت إلا ذبابا … نفتك عنه مذبه
-وكنت تنخر تيها … فصرت تضرط رهبه
قصيدة الحب ما منع الكلام للمتنبي
بدأت موهبة المتنبي منذ صغره حيث كتب أشعاره في سن التاسعة. يمتلك تراثًا شعريًا عظيمًا يصل إلى حوالي 326 قصيدة تتناول أحداثًا متنوعة في حياته. وقد قال في عشق الحب:
الحُبُّ ما مَنَعَ الكَلامَ الأَلسُنا
وَأَلَذُّ شَكوى عاشِقٍ ما أَعلَنا
لَيتَ الحَبيبَ الهاجِري هَجرَ الكَرى
مِن غَيرِ جُرمٍ واصِلي صِلَةَ الضَنا
بِنّا فَلَو حَلَّيتَنا لَم تَدرِ ما
أَلوانُنا مِمّا اِمتُقِعنَ تَلَوُّنا
وَتَوَقَّدَت أَنفاسُنا حَتّى لَقَد
أَشفَقتُ تَحتَرِقُ العَواذِلُ بَينَنا
أَفدي المُوَدِّعَةَ الَّتي أَتبَعتُها
نَظَراً فُرادى بَينَ زَفراتٍ ثُنا
أَنكَرتُ طارِقَةَ الحَوادِثِ مَرَّةً
ثُمَّ اِعتَرَفتُ بِها فَصارَت دَيدَنا
وَقَطَعتُ في الدُنيا الفَلا وَرَكائِبي
فيها وَوَقتَيَّ الضُحى وَالمَوهِنا
وَوَقَفتُ مِنها حَيثُ أَوقَفَني النَدى
وَبَلَغتُ مِن بَدرِ اِبنِ عَمّارِ المُنا
لِأَبي الحُسَينِ جَدىً يَضيقُ وِعائُهُ
عَنهُ وَلَو كانَ الوِعاءُ الأَزمُنا
وَشَجاعَةٌ أَغناهُ عَنها ذِكرُها
وَنَهى الجَبانَ حَديثُها أَن يَجبُنا
نيطَت حَمائِلُهُ بِعاتِقِ مِحرَبٍ
ما كَرَّ قَطُّ وَهَل يَكُرُّ وَما اِنثَنى
فَكَأَنَّهُ وَالطَعنُ مِن قُدّامِهِ
مُتَخَوِّفٌ مِن خَلفِهِ أَن يُطعَنا
نَفَتِ التَوَهُّمَ عَنهُ حِدَّةُ ذِهنِهِ
فَقَضى عَلى غَيبِ الأُمورُ تَيَقُّنا
يَتَفَزَّعُ الجَبّارُ مِن بَغَتاتِهِ
فَيَظَلُّ في خَلَواتِهِ مُتَكَفِّنا
أَمضى إِرادَتَهُ فَسَوفَ لَهُ قَدٌ
وَاِستَقرَبَ الأَقصى فَثَمَّ لَهُ هُنا
يَجِدُ الحَديدَ عَلى بَضاضَةِ جِلدِهِ
ثَوباً أَخَفَّ مِنَ الحَريرِ وَأَليَنا
وَأَمَرُّ مِن فَقدِ الأَحِبَّةِ عِندَهُ
فَقدُ السُيوفِ الفاقِداتِ الأَجفُنا
لا يَستَكِنُّ الرُعبُ بَينَ ضُلوعِهِ
يَوماً وَلا الإِحسانُ أَن لا يُحسِنا
مُستَنبِطٌ مِن عِلمِهِ ما في غَدٍ
فَكَأَنَّ ما سَيَكونُ فيهِ دُوِّنا
تَتَقاصَرُ الأَفهامُ عَن إِدراكِهِ
مِثلَ الَّذي الأَفلاكُ فيهِ وَالدُنا
مَن لَيسَ مِن قَتلاهُ مِن طُلَقائِهِ
مَن لَيسَ مِمَّن دانَ مِمَّن حُيِّنا
لَمّا قَفَلتَ مِنَ السَواحِلِ نَحوَنا