قصائد البحتري الأكثر جمالاً في فن الوصف

قصيدة البركة الحسناء

يقدم الشاعر البحتري وصفًا للبركة الخاصة بقصر الجعفري:

توجهوا إلى الدار من ليلى لنحييها،

نعم ونسألها عن بعض أهلها.

يا دمنةً جذبتها الرياح ببهجتها،

تبيت تنشرها طورًا وتطويها.

لا زلت في حسنٍ للغيث ضافية،

يضيئها البرق أحيانًا ويُسديها.

تروح بالوابِل القريب روائحها،

على رُبوعكِ أو تغدو غواديها.

إنَّ البَخيلة لم تُنعِم لسائليها،

يوم الكثيب ولم تسمع لداعيها.

مرت تأوَّد في قربٍ وبُعدٍ،

فالجرح يُبعِدُها والدار تُدنيها.

لولا سواد عذارٍ ليس يُسلِمُني،

إلى النُهى لعدّت نفسي عواديها.

قد أطرقُ الغادة الحسناء مُقتدرًا،

على الشباب فتصبيني وأُصبيها.

في ليلةٍ لا ينال الصبح آخرها،

علقتُ بالراحِ أسقِيها وأسقيها.

عاطيتُها غضَّةَ الأطراف مُرهَفةً،

شربت من يدِها خمرًا ومن فيها.

يا من رأى البركة الحسناء رؤيتها،

والآنساتِ إذا لاحَت مَغانيها.

بحسبها أنها من فضل رُتبتها،

تُعتبر واحدةً والبَحرُ ثانيها.

ما بالُ دجلة كالغَيْرَى تُنافسها،

في الحُسنِ طًورًا وأطوارًا تُباهيها.

أما رأت كَلئ الإسلام يكلئُها،

من أن تُعابَ وباني المجد يبنيها.

كأنَّ جنَ سليمانَ الذين وليُوا،

إبداعَها فأدقّوا في معانيها.

فلو تمرُّ بها بلقيس عن عرضٍ،

قالت هي الصرح تمثيلاً وتشبيها.

تنحدُّ فيها وفود الماء مُعجَلةً،

كالخيل خارجةً من حبلى مجريها.

كأنَّما الفضة البيضاء سائِلَةً،

منَ السّبائك تجري في مجاريها.

إذا عَلَتها الصبا أبدَت لها حُبُكًا،

مثلَ الجواشن مصقولًا حواشيها.

فرونق الشمس أحيانًا يُضاحكُها،

وريقُ الغيث أحيانًا يُباكيها.

إذا النجوم تراءت في جوانبِها،

ليلًا حسبتَ سماءً رُكبَت فيها.

لا يبلُغُ السمَك المحصور غايتها،

لبعد ما بين قاصيها ودانيها.

يَعُمَنَ فيها بأوساط مُجنَّحةٍ،

كالطير تنفُض في جوٍّ خفاها.

لهنَّ صحنٌ رحيبٌ في أسافِلِها،

إذا انحططن وبهوٌ في أعاليها.

صورٌ إلى صورة الدُلفين تُؤنِسُها،

منه انزِواءٌ بعينَيه يُوازيها.

تغنّى بساتينها القُصوى برؤيتها،

عن السَحائب مُنحلًّا عَزاليها.

كأنَّها حين لجَّت في تدفقِها،

يدُ الخليفة لما سالَ واديها.

وزادَها زينةً من بعد زينتها،

أنَّ اسمَهُ حين يُدعى من أساميها.

محفوفةٌ برياضٍ لا تزالُ ترى،

ريشَ الطواويسِ تحكيهِ ويَحكيها.

ودكَّتين كمثلِ الشعرَينِ غدت،

إحداهما بإزاءِ الأُخرى تُساميها.

إذا مساعي أمير المؤمنين بدَت،

للوصفين فلا وصفٌ يُدانيها.

إنَّ الخلافة لما اهتزّ منبرها،

بجعفرٍ أُعطيَت أقصى أمانِيها.

أبدى التواضعَ لما نالَها رِعَةً،

منه ونالَتهُ فاِختالَت بِهِ تيها.

إذا تجلَّت لهُ الدنيا بحليَتِها،

رأت محاسنَها الدنيا مَساويها.

يا ابنَ الأباطحِ من أرضٍ أباطِحُها،

في ذروةِ المجدِ أعلى من رواكيبها.

ما ضيّعَ اللهُ في بدوٍ ولا حضرٍ،

رعيةً أنت بالإحسان راعيها.

وأمّةً كان قبحُ الجور يُسخِطُها،

دهرًا فأصبحَ حسنُ العدل يُرضيها.

بثَثت فيها عطاءً زاد في عددِ ال،

عليّا ونوّهتَ باسمِ الجودِ تنويها.

ما زلتَ بحرًا لعافينًا فكيف وقد،

قابلتنا ولكَ الدنيا بما فيها.

أعطاكَها اللهُ عن حقٍّ رآكَ له،

أهلًا وأنتَ بحقِّ اللهِ تُعطيها.

وصف الطبيعة

يتناول البحتري وصف الطبيعة في قصيدة الربيع:

أكان الصبا إلا خيالًا مسلّمًا،

أقام كرجعِ الطرف ثم تصرَّما.

أرى أقصر الأيام أحمدَ في الصبا،

وأطولها ما كان فيه مذمَّما.

تلوّمتُ في غيِّ التَصابي فلم أرِد،

بديلاً به لو أن غيًّا تلوَّما.

ويومِ تلاقيٍ في فراقٍ شهدتُهُ،

بعينٍ إذا نهنهتُها دمعتْ دما.

لحِقنا الفريقَ المستقلَّ ضحىً وقد،

تيممَ من قصدِ الحمى ما تيمَّما.

فقلتُ انعَموا مِنّا صباحًا وإنَّما،

أردتُ بما شئتُ الغزالَ المُنعَّما.

وما باتَ مطويًّا على أريحِيَّةٍ،

بعقبِ النوى إلا امرؤٌ بات مُغرَما.

غنيتُ جنابًا للغواني يَقُدنَني،

إلى أن مَضى شَرخُ الشباب وبعدما.

وقدماً عصيتُ العاذلات ولم أُطع،

طوالعَ هذا الشيبِ إذ جئنَ لوَّما.

أقولُ لثجّاجِ الغمامِ وقد سرى،

بمحتفلِ الشؤبوبِ صابَ فعَمَّما.

أقلَّ وأكثِر لستَ تبلغُ غايةً،

تَبِينُ بها حتّى تُضارِعَ هيثَما.

هوَ الموتُ ويلٌ منهُ لا تلقَ حَدَّهُ،

فمَوتُكَ أن تَلقاهُ في النَّقعِ مُعلِّما.

فتًى لبستَ منه اللّيالي محاسِناً،

أضاءَ لها الأفق الذي كان مظلِمًا.

معاني حروبٍ قوَّمت عزمَ رأيهِ،

ولن يصدقَ الخَطيُّ حتى يُقوَّما.

غدا وغدت تدعو نزارٌ ويَعرُبٌ،

له أن يعيشَ الدهرَ فيهما ويَسلَما.

تَواضَعَ من مجدٍ لهم وتكرُّمٍ،

وكلُّ عظيمٍ لا يُحبُّ التعظّما.

لكلّ قبيلٍ شُعبةٌ من نوالهِ،

ويختصّهُ منهم قبيلٌ إذا انتَمى.

تقاصّاهُم بالجودِ حتى لأقسَموا،

بأن نَداهُ كانَ والبحرَ توءَما.

أبا القاسمِ استغزَرتَ دَرَّ خَلايِقٍ،

ملَأنَ فِجاجَ الأرضِ بؤسى وأنعما.

إذا معشرٌ جارَوكَ في أثرِ سُؤدُدٍ،

تأخّرَ من مسعاتهم ما تقدَّما.

سلامٌ وإن كانَ السَلامُ تحيةً،

فوجهُكَ دونَ الردِّ يكفي المُسَلِّما.

ألَستَ ترى مدَّ الفُرات كأنَّهُ،

جبالُ شَرورى جئنَ في البحرِ عُوَّما.

ولم يكن مِن عاداتِه غيرَ أنهُ،

رأى شيمَةً من جارِهِ فتعَلَّما.

وما نوَّر الروضُ الشآميُّ بل فتًى،

تبسَّمَ من شرقيّه فتَبسَّما.

أتاكَ الربيعُ الطلقُ يختالُ ضاحِكًا،

من الحُسنِ حتى كادَ أن يتكلَّما.

وقد نبّهَ النوروزُ في غلسِ الدُجى،

أواخرَ وردٍ كُنَّ بالأمسِ نُوَّما.

يُفتِّقُها بَردُ الندى فكأنَّهُ،

يبُثُّ حديثًا كان أمسِ مُكتَّما.

ومن شجرٍ ردَّ الربيعُ لباسَهُ،

عليه كَما نَشَّرتَ وَشياً مُنَمّنا.

أحلَّ فأبدا للعيونِ بشاشةً،

وكان قذىً للعَينِ إذ كان مُحرَّما.

ورقَّ نسيمُ الريحِ حتى حَسِبتَهُ،

يأتي بأنفاسِ الأحبة نُعَّما.

فما يحبِسُ الراحةَ التي أنْت خِلُّها،

وما يمنعُ الأوتارَ أن تتَرَنَّما.

وما زلتَ شمسًا للندامى إذا انتشوا،

وراحوا بُدورًا يستحثّونَ أَنْجُمَا.

تكرّمتَ من قَبْلِ الكؤوسِ عَلَيهِمُ،

فما استطعنَ أن يُحدِثنَ فيكَ تَكرّما.

وصف إيوان كسرى

يستعرض البحتري إيوان كسرى:

صُنتُ نفسي عما يُدَنِّسُ نفسي،

وترفّعتُ عن جداءِ كلِّ جِبسِ.

وتماسكتُ حينَ زعزعني الدهرُ،

التماسًا منه لتعسي ونكسي.

بلغةٍ مِن صبابةِ العيشِ عندي،

طفَّفَتها الأيامُ تطفيفَ بَخسِ.

وبعيدٌ ما بين وارِدِ رِفَهٍ،

عللٍ شربهُ ووارِدِ خَمسِ.

وكأنَّ الزمان أصبحَ محمولاً،

هواهُ مع الأخسِّ الأخسِّ.

واشتِرائي العراقَ خطّةُ غَبنٍ،

بعدَ بيعي الشامَ بيعةَ وكِسِ.

لا ترزني مُزاوِلاً لاختباري،

بعدَ هذه البلوى فتُنكِرَ مَسّي.

وقديمًا عهَدتني ذا هَناتٍ،

آبِياتٍ على الدنِيَّاتِ شمسِ.

ولقد رابَني ابنُ عمّي،

بعدَ لينٍ من جانبيهِ وأنسِ.

وإذا مَا جُفِّيتُ كُنتُ جديرًا،

أن أرى غير مُصُبحٍ حيث أُمسي.

حضَرت رَحليَ الهُمومُ فَوَجّهتُ،

إلى أبيضَ المَدارينِ عنسي.

أتَسَلّى عن الحظوظِ وآسى،

لمحلٍّ مِن آلِ ساسانَ درسِ.

أذكَرَتْيَنِي الحُطوبُ التوالي،

ولقد تُذكِرُ الحُطوبُ وتُنسي.

وهم خافضونَ في ظِلِ عالٍ،

مُشرفٍ يحسِرُ العُيونَ ويُخسي.

مُغلَقٌ بابُهُ على جَبَلِ القب،

إلى دارتَي خِلاطَ ومُكسِ.

حِلَلٌ لم تكن كأطلالِ سُعدى،

في قفارٍ مَن البسابِس مُلسِ.

ومساعٍ لولا المُحاباةُ مني،

لم تُطِقها مسعاةُ عَنسٍ وعَبسِ.

نَقَلَ الدهرُ عَهدهُنَّ عنِ ال،

جدَّةِ حتى رَجَعنَ أَنْضاءَ لُبسي.

فكأنَّ الجِرمازَ من عدمِ الأنسِ،

وإخلالهِ بنيَّةُ رَمسِ.

لو تراهُ عَلِمْتَ أنَّ اللّيالي،

جعلت فيهِ مأتَمًا بعدَ عُرسِ.

وهو يُنبئك عن عجائبِ قومٍ،

لا يُشابُ البيانُ فيهم بلَبسِ.

وإذا ما رأَيتَ صورةَ أنطا،

كيةَ إرتعتَ بينَ رُومٍ وفُرسِ.

والمَنايا مَواثِلٌ وأنوشر،

وإن يُزجى الصُفوفَ تحتَ الدِرَفسِ.

في اخضرارٍ منَ اللّباسِ على أَص,

فرَ يَختالُ في صَبيغَةِ ورسِ.

وعِراكُ الرجالِ بينَ يَدَيْهِ،

في خُفوتٍ منهم وإغماضِ جِرسي.

من مُشيحٍ يَهوى بعامِلِ رُمحٍ،

ومُلَيحٍ من السنَانِ بِتُرسِ.

تصفُ العينُ أنهم جِدُّ أَحيا،

ءٍ لهم بينَهم إشارةُ خُرسِ.

يَغتَلي فيهِم إرتِابي حتّى،

تتقارَها يدايَ بلمسِ.

قد سَقاني ولم يُصَرِّد أبو الغَو،

ثِ على العَسكَرَينِ شَربَةَ خُلسِ.

مِن مُدامٍ تَظُنُّها وهيَ نَجمٌ،

ضوَّأَ الليلَ أو مُجاجةُ شمسِ.

وتراها إذا أجَدَّت سُرورًا،

ورحاحًا للشّارِبِ المُتَحَسِّي.

أُفرِغَت في الزُجاجِ مِن كُلِّ قَلبٍ،

فهيَ مَحبوبةٌ إلى كُلّ نفسِ.

وتوهَّمتُ أنَّ كِسرى أَبَروي،

زُمُعاطِيَّ والبَلَهَذَ أُنسي.

حُلُمٌ مُطبِقٌ على الشكِّ عييني،

أم أمانٍ غيَّرنَ ظنّي وحدسي.

وكأنَّ الإيوانَ من عَجَبِ الصَن،

عةٍ جوبٌ في جَنبِ أَرعَنَ جِلسِ.

يتظنّى من الكآبةِ إذ يب،

دو لعينَي مُصَبِّحٍ أوممَسي.

مُزعَجًا بالفراقِ عن أُنسِ إلفٍ،

عزّ أو مَرهقًا بتَطليقِ عِرسِ.

عكسَت حظُّهُ اللّيالي وباتَ ال،

مشتري فيهِ وهو كوكبُ نَحسِ.

فهو يُبدي تَجلُّدًا وعليهِ،

كَلكَلٌ من كَلاكِلِ الدهرِ مُرسي.

لم يعِبْهُ أن بُزَّ من بُسُطِ الدي،

باجي واستَلَّ من سُطورِ المَقسِ.

مُشمَخِّرٌ تَعلو لهُ شُرُفاتٌ،

رُفِعَت في رُؤوسِ رَضوى وقُدسِ.

لابِساتٌ منَ البياضِ فما تُب،

صرُ منّها إلا غَلائِلَ بُرسِ.

ليس يُدرى أَصنعُ إنسٍ لجِنٍّ،

سَكنوهُ أم صنعُ جِنٍّ لإنسِ.

غيرَ أنّي يَشهدُ أن لم،

يكن بنايه في الملوك بنِكسِ.

فكَأني أرى المَراتبَ والقَو،

مَ إذا مَا بَلَغتُ آخِرَ حِسّي.

وكأَنَّ الوُفودَ ضاحينَ حَسرَى،

من وقوعٍ خلفَ الزحامِ وخِنَسِ.

وكَأَنَّ القِيانَ وَسطَ المَقصِ،

يُرَجِّعنَ بينَ حُوٍ ولُعَسِ.

وكأَنَّ اللِقاءَ أولَ من أَم،

سٍ ووَشكَ الفراقِ أولَ أَمسِ.

وكأنَّ الذي يُريدُ إتِّباعًا،

طامعٌ في لُحوقِهِم صُبحَ خمسِ.

عُمِّرَت للسُرور دهرًا فَصارَت،

للتعزي رِباعُهم والتأسّي.

فَلها أن أُعينَها بدموعٍ،

موقَفاتٍ على الصَبابَةِ حُبسِ.

ذاكَ عِندي وليست الدارُ داري،

بِإقتِرابٍ منها ولا الجِنسُ جِنسي.

غيرَ نُعما لأهلِها عندَ أهلي،

غَرَسوا من زكَائِها خيرَ غَرَسِ.

أَيَّدوا مُلكَنا وشدّوا قواهُ،

بِكُماةٍ تَحتَ السَّنَّورِ حُمسِ.

وأعانوا على كتائبِ أريا،

طَعْنٍ على النُّحورِ ودعسِ.

وأراني من بعدُ أكلَفُ بالأَش،

رافَ طُرًّا من كلِّ سِنخِ وأُسِّ.

وصف الله سبحانه وتعالى

ويصف البحتري الله تعالى:

الحمد لله بديع ما خلق،

عن غير تمثيل على شيء سبق.

بل سبق الأشياء فابتداها،

خلقًا كما أراد إذ براها.

لم يتخذ صاحبة ولا ولد،

ولم يكن جل له كفؤ أحد.

ولا له من خلقه وزير،

ولا شريك لا ولا ظهير.

سبحانه من ملك جليل،

جل عن التشبيه والتمثيل.

وعن حدود النعت والصفات،

والظن والوهم من الجهات.

من أنه لم تره الأبصار،

وأنه لم تحوه الأقطار.

ولم تحط بعلمه العقول،

ولا له مثل ولا عديل.

لأنه تبارك العلي،

ليس كمثله يقال شيء.

فهو إله صمد معبود،

موحد معظم محمود.

أحمده شكرا على نعمائه،

تعرض المزيد من آلائه.

والحمد لله الذي قد انتجب،

محمدا من خلقه لما انتخب.

Related Posts

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *