تُبرز سيرة النبي محمد -عليه أفضل الصلاة والسلام- العديد من المعالم البارزة التي أسهمت في نشر نور الإسلام في جميع أنحاء العالم. فقد جاء أشرف الخلق -صلى الله عليه وسلم- ليكون خاتم الأنبياء، وازدانت مسيرته بالعديد من الأعمال التي سنتناولها عبر هذا المقال، فضلاً عن أبرز إنجازاته في المدينة المنورة.
أبرز إنجازات النبي -صلى الله عليه وسلم- في المدينة المنورة
بعد هجرة النبي -عليه الصلاة والسلام- من يثرب إلى المدينة، وذلك بصحبة المهاجرين من مكة الذين تركوا خلفهم أسرهم وأموالهم نصرةً لدين الله الذي جاء به رسولنا الكريم، نستعرض فيما يلي أبرز الأعمال التي قام بها النبي -عليه أفضل الصلاة والسلام-:
1- تأسيس المسجد النبوي
كان من أولى خطوات النبي -عليه الصلاة والسلام- بعد وصوله إلى المدينة هو تأسيس المسجد النبوي. فعندما وصل إلى يثرب، توقفت ناقته في مكان مملوك لغلامين يتيمين، فقام النبي -صلى الله عليه وسلم- بشراء الأرض منهما.
رغم رغبة الغلامين في وهب الأرض لرسول الله، إلا أن النبي -عليه الصلاة والسلام- أصرّ على دفع ثمنها إكرامًا لحق اليتيم. بعد وصوله، أقام النبي -صل الله عليه وسلم- في منزل أبي أيوب الأنصاري -رضي الله عنه-، واستكمل بناء المسجد في فترة قصيرة لا تتجاوز 14 يومًا، باستخدام اللبن في تشييده، مما أعطاه شكلًا مميزًا.
2- المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار
تعدّ المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار من أبرز الخطوات التي حرص النبي -عليه الصلاة والسلام- على تنفيذها. ولم يشهد التاريخ مثل هذه المؤاخاة، حيث قام النبي بتوثيق العلاقات بين الطرفين في مجالات متعددة تشمل السكن، والملبس، والمأكل، وحتى الميراث، قبل أن تُنزل الآيات الكريمة المتعلقة بالميراث.
وقد أشار القرآن الكريم إلى صدق الأنصار في مؤاخاة المهاجرين بقوله -عز وجل-: {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [سورة الحشر: آية 9].
3- إعداد وثيقة المدينة
قام النبي -صلى الله عليه وسلم- بإنشاء وثيقة المدينة، التي نظمت العلاقات بين المسلمين من المهاجرين والأنصار واليهود. وقد اشتملت الوثيقة على عدة بنود تهدف إلى الحفاظ على التعايش السلمي بين الأطراف المختلفة.
أُصدرت الوثيقة قبل معركة بدر الكبرى، وكانت بمثابة وثيقة قانونية تنظم الحياة في مدينة يثرب. اشتملت على 24 بندًا أساسيًا، منها:
- حق كل من يشارك في المعاهدة في ممارسة حريته الدينية، بينما يتوجب على الظالمين تحمل مسؤولية أفعالهم.
- التزام اليهود بالوقوف إلى جانب المسلمين في حال نشوب الحروب، والتأكيد على أن مدينة يثرب هي حرم آمن.
- حماية حقوق المظلومين، سواء كانوا مسلمين أم يهود.
- تنظيم الروابط بين قبيلتي الأوس والخزرج، وتعزيز تحالفهم مع المسلمين.
- حظر خروج اليهود من المدينة دون إذن النبي -عليه الصلاة والسلام- لمنع أي نشاط محتمل ضد المسلمين.
- التأكيد على حرمة الجوار وحقوق الجار.
4- إنشاء السوق الإسلامي
خصص النبي -عليه الصلاة والسلام- منطقة غرب المسجد النبوي الشريف كسوق للمسلمين، مما ساعدهم على تعزيز قوتهم الاقتصادية وتطوير مهاراتهم للمنافسة مع اليهود في المدينة، الذين كانوا معروفين بشغفهم للمال. أشرف النبي -صلى الله عليه وسلم- على السوق ووضع قواعد لضبط المعاملات التجارية داخله.
5- السماح للمسلمين بالجهاد
مع بداية الدعوة الإسلامية، واجه النبي -عليه الصلاة والسلام- احتجاجات من كفار مكة وبعض يهود المدينة، نتيجةً لدعوة الإسلام التي كانت تهدف لتوحيد الأمة الإسلامية. وأعلنت الآية القرآنية أن الله أذن للمسلمين بالجهاد، حيث قال تعالى: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّـهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ* الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّـهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّـهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّـهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّـهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّـهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} [سورة الحج: آية 39-40].
بهذا نكون قد استعرضنا أهم إنجازات النبي -صلى الله عليه وسلم- في المدينة المنورة، والتي تشمل بناء المسجد، المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار، إعداد وثيقة المدينة، إنشاء السوق الإسلامي، والسماح بالجهاد.