تعتبر معركة كفر الدوار، التي وقعت عام 1882م، واحدة من المحطات التاريخية البارزة في سياق الاحتلال الإنجليزي لمصر. لنتناول بالتفصيل هذه المعركة التاريخية لنستكشف أحداثها وجوانبها المختلفة.
الوضع في مصر قبل معركة كفر الدوار
1- الثورة العرابية وأسباب ظهورها
- بين عامي 1879 و1882، شهدت مصر ثورة عرابية بقيادة القائد العسكري أحمد عرابي، الذي قاوم الحكم من قبل الخديوي توفيق، وهو الحاكم السادس من عائلة العلويين.
- تتعلق أسباب هذه الثورة بالصراع الخفي الذي كان موجودًا لفترة طويلة بين القومية العربية المصرية والقومية التركية، حيث تفجّر الصراع عندما تفاقمت حالة الاحتقان داخل الجيش.
- عانى الضباط المصريون من الرفض المتكرر لترقيتهم إلى الرتب الرفيعة من قِبل القادة الأتراك، مما أدى إلى شعورهم بالاستياء.
- في 16 يناير 1881، عُقد اجتماع في منزل الأميرالاي أحمد عرابي لمناقشة الظلم الذي تعرض له الضباط المصريون، وتم الاتفاق على إعداد عريضة تطالب بعزل قائد الجيش.
- قدّم الموقعون على العريضة طلبهم لوزارة الداخلية، وكان الأمر الذي قام به أحمد عرابي ورفاقه يتطلب شجاعة كبيرة.
- في نهاية يناير، قرر الخديوي توفيق اعتقال الضباط الثلاثة، وتم استدعاؤهم إلى قصر النيل حيث تم احتجازهم وتجريدهم من أسلحتهم.
- أدى هذا الحدث إلى اندلاع ثورة أطلق عليها “ثورة أحمد عرابي” في خريف 1881، والتي عُصرت أحداثها بالمظاهرات التي أجبرت الخديوي على الاستجابة لمطالب الثورة.
- في سبتمبر 1881، اضطر الخديوي إلى الاعتراف بمطالب الثوار، فقد تم عزل رئيس الوزراء “رياض باشا” وتعيين “شريف باشا” مكانه.
2- نجاح الثورة العرابية
نجحت الثورة في وضع مشروع دستور لمصر، وبالرغم من موافقة مجلس النواب على معظم مواده، إلا أن التدخل الإنجليزي والفرنسي أجهض تلك الجهود، مما أدى إلى استقالة “شريف باشا” وتشكيل حكومة جديدة برئاسة “محمود سامي البارودي” حيث تولى أحمد عرابي منصب وزير الحربية، وأطلق عليها “حكومة الثورة”.
أسباب نشوب معركة كفر الدوار
- في يونيو 1882، شهدت الإسكندرية ما يُعرف بـ “مذبحة الإسكندرية”، حيث قُتل أحد المصريين على يد صاحب حمار من مالطة، مما أدى إلى اندلاع أعمال عنف طالت الأوروبيين المقيمين.
- خلفت المذبحة خمسين قتيلاً من بين الأوروبيين ومائتين وخمسين قتيلاً مصريًا.
- كان حادث مقتل المصري بمثابة الشرارة التي أشعلت فتيل التوتر المحتدم في البلاد، وقد أرسلت القوات البريطانية بوارج بحرية إلى الإسكندرية استعدادًا للتدخل.
- أدى تقدم ثورة عرابي إلى قلق البريطانيين، الذين بدأوا يشككون في قدرة الحكومة المصرية على حفظ الأمن.
- قامت السلطات المصرية بأعمال تجديد لتحصينات الإسكندرية، لكن البريطانيين قدموا إنذارات لوقف الأعمال، ورفضت الحكومة المصرية الانصياع.
- ردت القوات البريطانية بقصف الإسكندرية، مما أدى إلى دمار كبير استمر لثلاثة أيام بين 11 و13 يوليو 1882، مما أجبر المدينة على الاستسلام.
تحضيرات عرابي وجنوده للمعركة
- توجب على أحمد عرابي، قائد الجهادية، إعادة تنظيم قواته وتحريكها نحو “كفر الدوار” الواقعة على بعد ثلاثين كيلومترًا من الإسكندرية.
- عقد المصريون آمالًا على الخديوي توفيق بالتوجه لمواجهة البريطانيين، ولكنه استقبل قائد الأسطول البريطاني، مما أدى إلى تأكيد الانحياز الإنجليزي.
- أمر الخديوي عرابي بالتوقف عن الاستعداد للحرب ورفضه، ما أدى إلى عزله من منصبه وتعيين محافظ الإسكندرية مكانه.
- استمر أحمد عرابي في استعداده للمعركة، وأصدر فتوى من شيوخ الأزهر بتكفير الخديوي توفيق، مطالبًا بالتعبئة العامة لمواجهة الاحتلال البريطاني.
أحداث معركة كفر الدوار
- حاولت القوات البريطانية بقيادة الجنرال “أليسون” شن هجوم بري، لكنها واجهت مقاومة شرسة من قوات عرابي على الجبهة الشمالية الشرقية للبحيرة، ولم تتمكن من إحراز أي تقدم لمدة شهرين.
- قام عرابي بتوزيع جنوده والحفاظ على الجزء الأكبر مع المدفعية في “كفر الدوار” تحت قيادة “طلبة عصمت”.
- خاضت قوات عرابي معارك عنيفة بمشاركة جميع الفصائل، بما في ذلك السودانيين الذين تواجدوا على سواحل البحر المتوسط.
- تمكن الجيش المصري من أسر العديد من القوات البريطانية، مما جعل البريطانيين يفقدون الأمل في الوصول إلى القاهرة بعد احتلال الإسكندرية.
- أثبتت معارك عرابي أنها حرب استنزاف حقيقية، انتهت بهزيمة البريطانيين على الرغم من الخسائر الكبيرة في صفوف المصريين.
نتائج معركة كفر الدوار
- تسبب القتال في مقتل ثلاثة ضباط بريطانيين و76 جنديًا، بينما تعرض 27 آخرون للإصابة.
- وفقًا لمؤرخين، وُصفت المعركة بأنها محاولة فاشلة من البريطانيين لاختراق كفر الدوار، إذ اعتبرها البعض مجرد مسح أمني لا يحمل نوايا جدية لاحتلال خطوط الدفاع المصرية.